كشف الشيخ محمد أبو بكر الداعية الإسلامي، عن منزلة أعلى من الصلاة عند الله، مشيراً إلى أن هذه المنزلة وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام علي بن أبي طالب.
منزلة أعلى من الصلاة عندالله
فقد جاء عن علي رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: « مَا مِنْ مُسْلِم يَعُودُ مُسْلِماً غُدْوة إِلاَّ صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِي، وَإنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إِلاَّ صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ في الْجَنَّةِ».
وتابع خلال لقائه على شاشة النهار: جبر الخواطر ومن السنة ألا تذهب لعيادة المريض بشيء حتى لا تحمل فوق طاقتك، موضحاً أن السنة أن تطيب خاطر المريض بكلمات منها البشارة، لافتاً إلى أن جبر الخواطر عبادة عظيمة لا نعلم فضلها، ومنه
وأضاف: اسم الله الجبار اسم عظيم وعند ذكره يجعلك ألا ترد أحد إلا مجبور الخاطر، مبيناً أن جبر الخاطر أهم في المنزلة عند الله من الصلاة، فكيف سنقف أمام الملك الجبار دون أن يكون في قلوبنا عطف.
عبادة جبر الخواطر
جبر الخواطر خلق إسلامي عظيم يدل على سمو نفس وعظمة قلب وسلامة صدر ورجاحة عقل، يجبر المسلم فيه نفوساً كسرت وقلوباً فطرت وأجساماً أرهقت وأشخاص أرواح أحبابهم أزهقت، فما أجمل هذه العبادة وما أعظم أثرها، يقول الإمام سفيان الثوري: “ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلي ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم”. ومما يعطي هذا المصطلح جمالاً أن الجبر كلمة مأخوذة من أسماء الله الحسنى وهو “الجبار” وهذا الاسم بمعناه الرائع يُطمئنُ القلبَ ويريحُ النفس فهو سُبْحَانَهُ “الذِي يَجْبُرُ الفَقرَ بِالغِنَى، والمَرَضَ بِالصِحَّةِ، والخَيبَةَ والفَشَلَ بالتَّوْفِيقِ والأَمَلِ، والخَوفَ والحزنَ بالأَمنِ والاطمِئنَانِ، فَهُوَ جَبَّارٌ مُتصِفٌ بِكَثْرَةِ جَبْرِهِ حَوَائِجَ الخَلَائِقِ”. تفسير أسماء الله للزجاج (ص: 34).
كما أن جبر النفوس من الدعاء الملازم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: “اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني”. سنن الترمذي.
ومما يؤسس لجبر الخواطر في القرآن الكريم: قوله تعالى : {فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } يوسف:15 فكان هذا الوحي من الله سبحانه وتعالى لتثبيت قلب يوسف –عليه السلام- ولجبر خاطره؛ لأنه ظلم وأوذي من أخوته والمظلوم يحتاج إلى جبر خاطر، لذلك شرع لنا جبر الخواطر المنكسرة. ومثله قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاء بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }القصص:85 رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أحب مكة التي ولد فيها ونشأ أُخرج منها ظلما، فاحتاج في هذا الموقف الصعب وهذا الفراق الأليم إلى شيء من المواساة والصبر، فأنزل الله تعالى له قرآن مؤكد بقسم؛ أن الذي فرض عليك القرآن وأرسلك رسولا وأمرك بتبليغ شرعه سيردك إلى موطنك مكة عزيزا منتصرا وهذا ما حصل. ومثله أيضاً قوله تعالى : {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} في سورة الضحى، وانظر لروعة العطاء المستمر في هذه الآية حتى يصل بالمسلم لحالة الرضا، فهذه الآية رسالة إلى كل مهموم ومغموم، وتسلية لصاحب الحاجة، وفرج لكل من وقع ببلاء وفتنة؛ أن الله يجبر كل قلب لجأ إليه بصدق.
وقد ورد في صحيح مسلم أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تلا قولَ اللهِ عزَّ وجلَّ في إبراهيمَ : { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } إبراهيم :36 وقال عيسى عليه السلام : {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم} المائدة: 118 (فرفعَ يديهِ وقال اللهمَّ ! أُمَّتي أُمَّتي وبكى . فقال اللهُ عزَّ وجلَّ : يا جبريلُ ! اذهب إلى محمدٍ، – وربُّكَ أعلمُ -، فسَلهُ ما يُبكيكَ ؟ فأتاهُ جبريلُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فسَألهُ. فأخبرهُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بما قالَ . وهو أعلمُ . فقال اللهُ : يا جبريلُ ! اذهبْ إلى محمدٍ فقلْ : إنَّا سنُرضيكَ في أُمَّتكَ ولا نَسُوءُكَ .