لعبت الحركة الطلابية المصرية دورا كبيرا في الحركة الوطنية الرامية إلى تحقيق الاستقلال التام، ولذلك لم يكن غريبا أن يقول المؤرخ الفرنسي والتر لاكير " لم يلعب الطلاب دورا في الحركة الوطنية مثل الدور الذي لعبه الطلاب في مصر ".
تاريخ الاتحادات الطلابية في مصر
ويرصد "صدى البلد" تاريخ الحركة الطلابية في مصر وأبرز المصطلحات السياسية التي استخدمت خلالها.
ويرجع فضل تنظيم الطلبة كقوة فعالة في مجال العمل الوطني إلى الزعيم مصطفى كامل، الذي اهتم بتنظيم صفوف طلبة المدارس العليا لدعم الحركة الوطنية بتأسيس (نادى المدارس العليا) عام 1905 بهدف تنمية الوعي السياسي للطلبة، وتعبئتهم ضد الاحتلال البريطاني.. كانت شعارات و خطب و مقالات مصطفى كامل يغلب عليها الطابع الرومانسي وتلهب مشاعر الجماهير لكنها لا توحي بعمل شئ محدد أو القيام بتمرد يشعل ثورة.. و ذلك لأن الحزب الوطني الذي أسسه مصطفى كامل كان حزبا ليبراليا، ملكيا، ينادي بالاستقلال عن الإنجليز والاحتفاظ "بالتبعية" للدولة العثمانية.
نواة الحركة الطلابية
و بعد وفاته جاء بعده الزعيم محمد فريد ليرعى هذه النواة للحركة الطلابية ويطور دور الطلاب في الحركة الوطنية من خلال تنظيم الإضرابات، وحركات الاحتجاج، و تنظيم المظاهرات، وتوزيع المنشورات، أو العمل السري الموجه ضد الإنجليز والمتعاونين معهم مما أدى إلى نفيه. وأدى ذلك إلى ضعف الحزب الوطني و اتجاه أفراده إلى العمل السري الذي اتخذ طابع العنف أو إلى اليسار.
و قد سادت الأوساط الطلابية المتمردة في هذه الفترة كما يرى الأستاذ فاروق القاضي مؤلف كتاب فرسان الأمل أيديولوجيتان.. أيديولوجية برجوازية ليبرالية نشرها الحزب الوطني وكانت الأكثر شيوعا؛ و أيديولوجية ماركسية وجدت طريقها إلى الأوساط الطلابية من خلال تحركاتهم في الخارج، و احتكاكهم باليسار الأوروبي، و من خلال وعي فكري متقدم بالقضايا الوطنية و الاجتماعية في مصر.
فبعد الاحتلال البريطاني لمصر، دفع الحماس الجارف المثقفون الثوريون و في مقدمتهم الطلبة إلى صفوف الحزب الوطني لأنه كان يهاجم الاحتلال بقوة داعيا إلى الحكم الذاتي، وإن كان ذلك في ظل الإمبراطورية العثمانية..
إلا أن ضعف القوى الاجتماعية في الحزب الوطني و عزلتها السياسية عن الجماهير أضعفت الحزب من الداخل، ولكنه كثف من نشاطاته في الخارج من خلال الجمعيات الطلابية في أوروبا. وقد كان لاحتكاك هذه الجمعيات بالأوساط الأوروبية ذات الطابع اليساري و المؤيدة للقضية المصرية، ما طور من مفاهيم ومبادئ الحزب في نفوس الطلاب.
ولما كانت هذه الجمعيات على اتصال دائم بطلاب الداخل فقد وزع الحزب سنة 1907 منشورا في القاهرة بتوقيع "شباب الحزب الوطني" يدعو المصريين إلى دراسة الاشتراكية والاهتمام بها.
بدء الحركة الطلابية في مصر
وبدأت الحركة الطلابية في مصر منذ 112 عامًا، التي أسسها الزعيم مصطفى كامل باشا تحت مسمى "نادي المدارس العليا" تحديدًا بعام 1905، وفي ذلك الوقت كانت الحركة الطلابية يغلب عليها الطابع الليبرالي الملكي، حيث إن الحزب الذي أسسه مصطفى كامل تحت مسمى "الحزب الوطني"- آنذاك- كان مناديًا بجلاء الإنجليز من مصر والاستقلال مع الاحتفاظ بالتبعية العثمانية والحكم الملكي في مصر.
أول المصطلحات استخدامًا في الحركات الطلابية
ويعد مصطلح "الليبرالية" أول المصطلحات استخدامًا في الحركات الطلابية في مصر، وتعرف الليبرالية - التي أنشئت في عصر التنوير تحديدًا بالقرن الـ 17 الميلادي - بأنها حركة سياسية مستقلة، تنص على أن للفرد حق طبيعي في الحياة، الحرية، والملكية الخاصة، وذلك وفقا للمؤسس الأول لليبرالية كفلسفة مستقلة وهو مفكر الإنجليزي جون لوك.
بدأت الحركة الطلابية في مصر في التغيير بعد وفاة مؤسسها مصطفى كامل باشا، حيث تولى زمام الأمر الزعيم محمد فريد، حيث توجهت الحركة إلى العنف أو ما يسمى حزب اليسار، وانقسمت الحركة الطلابية في ذلك الوقت إلى جزئين أولهما برجوازية ليبرالية، التي نشرها الحزب الوطني وكانت الأكثر شيوعًا، والثانية أيديولوجية ماركسية، التي جاءت على أيدي الطلاب الذي سافروا إلى الخارج واحتكوا بالغرب، وجاء الانقسام لبث الزعيم محمد فريد روح الحركات الاحتجاج وتوزيع المنشورات والعمل السري؛ لأنه كان يرى أن ذلك يهدف لدعم وتطوير الحركة الطلابية بالحركة الوطنية في ذلك الوقت.
وفي هذه الحقبة الزمنية بدأت مصطلحات السياسة في البزوغ داخل مصر، فشهدت البرجوازية، وهي طبقة اجتماعية ظهرت في القرنين 15 و16، تمتلك رؤوس الأموال والحرف، كما تمتلك كذلك القدرة على الإنتاج والسيطرة على المجتمع ومؤسسات الدولة للمحافظة على امتيازاتها ومكانتها بحسب نظرية كارل ماركس، أي أنها الطبقة المسيطرة والحاكمة في المجتمع الرأسمالي، وهي طبقة غير منتجة لكن تعيش من فائض قيمة عمل العمال، أما عن المركسية، فهي نسبة كارل ماركس، وهو فيلسوف من أصول ألمانية يهودية من القرن التاسع عشر، بالاشتراك مع فريدريك إنجلز، وتهدف تلك المدرسة إلى تحسين أوضاع العمال المهضومة حقوقهم من قبل رأس المال، والقضاء على استغلال رأس المال للإنسان العامل في المقام الأول.
انتقلت الحركة الطلابية في مصر لدور وطني، فلم تعد الحركة الطلابية مجردة داخل نفسها معبرة بعض الشيء عن أحوال الوطن في العمل السري، ولكنه في تمام التاسعة من صباح يوم 8 مارس لعام 1919 من أمام "بيت الأمة" هتف صوت الطلبة بـ "الاستقلال التام أو الموت الزؤام.. سعد سعد يحيا سعد"، وذلك عقب صدور قرار القوات البريطانية باعتقال الزعيم سعد زغلول يوم 8 مارس 1919.
في ذلك الوقت كان بمقدمة الحركة الطلابية طلاب كلية الحقوق، ثم جاء طلاب مدراس المهندسخانة، والتجارة، الزراعة والطب ودار العلوم، والإلهامية الثانوية، والتجارة المتوسطة، والقضاء الشرعي، وشهد هذا اليوم اعتقال 300 طالب إثر المشدات التي حدثت بين الجانب البريطاني والجانب المصري بميدان السيدة زينب.
أصبحت الحركة الطلابية في مصر أحد ضلوع الرأي العام وأشدها تأثيرًا، فبدأت بالصدام مع حزب الوفد، الذي لم تجده الحركة خير قيادة تستطيع الانتصار على الإنجليز؛ لصدور بيان الوفد منسوب إلى الطلاب تدعي فيه توقف التظاهرات والاعتذار عن أحداث العنف، واستمرت الحركة الطلابية في المطالبة بالإفراج عن سعد زغلول بربوع الوطن بتاريخ 2 أبريل من العام نفسه، وصولًا بصدور دستور 1923 الذي لعب فيه الطلاب دورًا هامًا بفوز سعد زغلول برئاسة الحكومة المصرية.
إنشاء الجامعة الحكومية
ومع صدور مرسوم بقانون إنشاء الجامعة الحكومية باسم الجامعة المصرية- جامعة القاهرة حاليًا- وتحديدًا في 11 مارس 1925، شهدت الحركة الطلابية عملية قيد والحد من تحركاتها نظرًا لصدور القانون رقم 22 لسنة 1929 الذي أصدرته وزارة محمد محمود باشا- آنذاك- بضغط من الإنجليز وهو القانون الخاص بحفظ النظام في معاهد التعليم ونصت مادته الأولى على "أن يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر أو بغرامة من عشرين إلى خمسين جنيها كل من استعمل القوة أو العنف أو الإرهاب أو التهديد أو المناورات أو الأعطية أو الوعود أو أي طريق أخرى لدعوة تلاميذ وطلبة المدارس أو الكليات أو غيرهما من معاهد التعليم أو الانقطاع عنها أو إلى تأليف لجان أو جماعات سياسية للطلبة أو الانضمام إليها أو إلى حضور اجتماعات سياسية أو إلى الاشتراك بأية طريقة كانت في تحرير أو توقيع أو طبع أو نشر أو توزيع محاضرات سياسية أو احتجاجات موجهة إلى السلطات بشان مسائل أو أمور لها صبغة سياسية".
وبعد مرور قرابة 6 أعوام من القانون وتحديدًا بتاريخ 13 نوفمبر 1935 اجتمع الطلاب بشكل رسمي بحرم الجامعة رافضين بيان وزير الخارجية البريطاني السير صامويل هور، الذي جاء به "أنه عندما استشيرت الحكومة البريطانية في شان دستور 1923 نصحت بعدم إعادته أو إعادة دستور 1930 لأن الأول ثبتت عدم صلاحيته لمصر والآخر يتعارض مع رغبات المصريين.. 9 نوفمبر 1935"، تسبب هذا في تولي الطلبة زمام الأمور غضبًا لتدخل بريطانيا في الشأن المصري، وخرج الطلاب في مظاهرة سلمية الأولى التي صدموا بها بالبوليس، ثم اليوم التالي بالمظاهرة الشهيرة بـ "كوبري عباس"، التي شهدت محاصرة البوليس لـ 300 طالبًا من أعلى الكوبري، وإطلاق النيران التي تسببت في مقتل طالب الزراعة "محمد عبد المجيد مرسى" وجرح طالب الآداب "محمد عبد الحكم الجراحي" جرحا بالغا مات على أثره في اليوم التالي.
إلى ذلك الوقت لم تكن الحركة الطلابية في مصر تحت منظومة واحدة، حتى أعلنت الحركة الطلابية تنظيم "اللجنة العليا للطلبة"، والتأكيد على استقلالهم عن الأحزاب السياسية، ودعت اللجنة لتكوين "جبهة متحدة" لجميع أقطاب الرأي في مصر.
عادت مرة أخرى الحركة الطلابية إلى السرية مرة أخرى إبان الحرب العالمية الثانية، والعودة مرة أخرى للعلنية تعبيرًا عن الوطنية، مطالبين بالاستقلال الوطني، والعدالة الاجتماعية سويًا.
كانت الحركة الطلابية في ذلك الوقت مشتتة حتى حاولت تجميع نفسها مرة أخرى تحت مسمى "لجنة أعمال الشباب" - في سبتمبر 1945- ضمت الطلبة المنتمين إلى "الحزب الوطني، والوفد، والأحرار الدستوريين، والهيئة السعدية، والكتلة الوفدية، والإخوان المسلمين، ومصر الفتاة وبعض المستقلين لتحقيق وحدة الحركة الطلابية"، ولما كان من المتعارف عليه أن الإخوان المسلمين دائمًا ما يريدون أن يكون لهم اليد العليا في أمور اللجنة انفرط عقد اللجنة، وعادت الحركات الطلابية مرة أخرى في الانقسام.
وعلى الرغم من أن ما حدث في يوليو 1952 كان يحظى بتأييد الطلاب على العموم، وأنهم أيدوا النظام الحاكم الجديد في البداية بعد رحيل الملك، فإن تأييدهم لم يدم طويلًا.
وبدأت تصادمات الحركة الطلابية مع الحكومة عام 1954، وكان السبب في الأساس تعارض فكر الحركة الطلابية مع فكرة الحكم العسكري؛ فأعلن طلبة جامعة القاهرة تشكيل جبهة طلابية للتعبير عن معارضتهم لهذا الحكم، وقامت إثر هذا اصطدامات عنيفة بالشرطة، لدرجة اضطرت الحكومة إلى إغلاق الجامعة، وحين استؤنفت الدراسة بعد ذلك، استؤنفت بالتدريج؛ فرقة بعد أخرى لتجنب حدوث صدامات جديدة، بجانب بدء الحكومة في القيام بحيل مختلفة للتحكم في نشاط الطلاب في الجامعات.
فبداية هذه الحيل كان تطبيق نظام امتحان نصف السنة لشغل وقت الطلبة مبدئيًّا، مع ضغط أمني متزايد بالجامعة، فقد تمركزت فرق مؤقتة من القوات المسلحة على أبواب الجامعات، بالإضافة إلى التواجد المستمر لـ "حرس الجامعة" من أفراد الشرطة في كل كلية. هذا بالإضافة إلى إلغاء نظام الانتخاب في اتحادات الطلاب، ليحل نظام التعيين بديلًا منه عام 1953 وإلى 1959.
وتزامنًا مع هذا، حاولت الحكومة تسيير نشاط الطلاب في الاتجاه الذي ترغب هي فيه، فقامت بإنشاء منظمات سياسية تابعة ومؤيدة لها في الجامعة، مثل: منظمة الشباب الاشتراكي، وطليعة الاشتراكيين (التنظيم الطليعي)، وحاولت أيضا توجيه نشاطهم في غير السياسة بإنشاء المجلس الأعلى لرعاية الشباب، والذي كان معنيًّا أكثر بتنظيم الأنشطة الترفيهية والرياضية، تحت إشراف وزارة التعليم العالي التي نشأت في تلك الفترة، والمجلس الأعلى للشباب.
وعلى الرغم من أن نظام الانتخاب في الاتحادات الطلابية عاد بعد اللائحة الطلابية التي صدرت عام 1958 بموجب قرار جمهوري، فإن هذه اللائحة ذاتها نصت على أن يهتم الاتحاد بالمسائل الاجتماعية فقط، بجاب أنه لم يكن اتحاد طلاب خالصًا، فالمجلس الأعلى للاتحاد كان يتكون حينها من 12 عضوًا من هية التدريس، و9 خريجين، و8 فقط من الطلاب، وعدل ذلك في لائحة أخرى صدرت عام 1963، فاقتصرت العضوية على الطلاب، ولكن بقي أعضاء هيئة التدريس كـ "مستشارين" للجان الاتحاد، ثم في تعديل آخر عام 1966، صار "ألمستشارون" "روادًا" للجان، والرواد يعينون من قبل إدارة الكلية، ولا تعقد أي اجتماعات صحيحة إلا برئاسة الرائد، ولا يتخذ أي إجراء تقريبًا إلا بموافقته، كما كان رائد الاتحاد العام لطلاب الجمهورية يعينه تنظيم "الاتحاد الاشتراكي العربي" التابع للحكومة.
مع تواجد الجمهورية المصرية شهدت الحركة الطلابية عددا من الاتجاهات، أبرزها الناصرية نسبة للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ثم مع مجيء الرئيس الراحل محمد أنور السادات شهدت مصر حركات طلابية ضخمة؛ وذلك لما شهدته مصر والوطن العربي من تغيرات سياسية في الشرق الأوسط كان معها عدد من الجبهات الطلابية.
ومن هنا جاءت لائحة 1979 الطلابية، التي نصها السادات لكي يحجم هذه التحركات الطلابية، التي ألغى من خلالها اتحاد طلاب الجمهورية، كما ألغى السادات اللجنة السياسية في اتحادات الطلاب وحرم جميع أشكال العمل السياسي داخل الجامعة، وكان على نهجه الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، الذي قيد الحركة الطلابية داخل الجامعات المصرية.
وفي أعقاب ثورة 25 يناير 2011 لم تشهد مصر سوى انتخابات اتحاد الطلاب سوى انتخابات 2013 والتي كانت على لائحة 2007 التي أصدرها مبارك، وتم الطعن فيها لعدد من الأسباب لعدم وجود استناد رسمي على تدشين الانتخابات الطلابية على لائحة 2007 أم 2013، حيث إن الأولى تنص على عدم التصعيد لانتخابات اتحاد مصر، فيما الثانية تنص على وجود انتخابات التصعيد.