على مدار الأشهر الأخيرة شكل ارتفاع سعر الدولار الأمريكي أمام العملات الرئيسية والمحلية في العالم حدثا مفصليا في أداء الأسواق المالية والاقتصاد العالمي، حيث أحدث صعوده المتواصل حالة من الارتباك في الاقتصادات القوية والهشة على السواء، ومع ذلك تلوح في الأفق مؤشرات على أن هذا الوضع الشبيه بسباق تكسير العظام ربما يكون قد أوشك على الانتهاء.
الدولار يهبط بعد أعلى ارتفاع في عقدين
وذكر تقرير لقناة "سي إن إن" الأمريكية، أن الدولار سجل انخفاضا بنسبة تفوق 4% خلال الربع الحالي والأخير لهذا العام، وهو انخفاض يأتي بعد ارتفاع وصل إلى مستواه الأعلى منذ 20 عامًا، وأشار تقرير أصدره بنك سوسيتيه جنرال الفرنسي الأسبوع الماضي إلى تراجع حالة التهافت في الأسواق المالي العالمية على الاستثمار في الدولار لأول مرة منذ شهر يوليو من العام الماضي.
ولفت مسئولون في بنك جولدمان ساكس الأمريكي في تقرير أصدره البنك مؤخرا عن توقعاتهم لعام 2023، إلى أن الأسواق المالية تسودها حالة من القلق المتزايد من هذا التحول، حيث يخشى المستثمرون من تعرضهم للخسائر التي يتسبب فيها أحيانا تصحيح الأوضاع الخاطئة بشكل سريع وحاد.
وجاءت مستجدات التضخم في الولايات المتحدة كأول مؤشرات التغيير، حيث عزز تباطؤ وتيرة ارتفاع الأسعار خلال شهر أكتوبر الماضي، التوقعات بشأن اتخاذ الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) قرارا بإبطاء وتيرة رفع أسعار الفائدة قريبا، وكان الارتفاع المتكرر لها على مدار العام الحالي أحد أهم أسباب ارتفاع سعر الدولار أمام العملات الأخرى بالتبعية، وهو ما دفع المستثمرين للتحول للاستثمار في الأصول المالية الأمريكية التي تدر عوائد مرتفعة، مثل سندات وأذون الخزانة الأمريكية.
اقتصاد العالم.. توقعات متضاربة
وتدعم بعض العوامل التوقعات الإيجابية بشأن أداء الاقتصاد العالمي إجمالا في الفترة القادمة، ومن أهمها التفاؤل بشأن تخفيف الصين لقيود مكافحة فيروس كورنا، ومواصلة الحكومة الأمريكية محاولاتها لحل أزمة الرهن العقاري في البلاد، بالإضافة إلى الطقس الخريفي الدافئ في أوروبا الذي يقلل من مخاوف نقص الطاقة خلال الشتاء القادم، وستنعكس هذه العوامل على تحسن أداء العملات العالمية وتعافيها من آثار ارتفاع الدولار، وبات من الواضح أن التضخم في الولايات المتحدة يتجه للانخفاض، وأن أوروبا لن تواجه أزمة صعبة في الشتاء كما كان متوقعا، وأن الصين ستعمل على تحقيق المزيد من النمو الاقتصادي أكثر من ذي قبل.
لكن في المقابل، تبرز لهجة أكثر حذرا في الحديث عن التوقعات المستقبلية بشأن الاقتصاد العالمي، فالصين لا تزال تشدد قيود مكافحة كورونا رغم أمل المستثمرين في أن يغير الرئيس الصيني تشي جين بينج هذه السياسة، وقد ارتفع سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل اليوان الصيني أمس الاثنين بعد الإعلان عن إغلاق لمدة خمسة أيام في منطقة جوانجتشو الصينية، وهي ملتقى رئيسي لحركة المواصلات العامة.
كما أن هناك حالة من الشك تدور حول خطط الاحتياطي الفيدرالي المستقبلية، بالإضافة إلى صعوبة التكهن بمسار الحرب في أوكرانيا، والتخوف من إقدام روسيا على تصرف يقلب حسابات أوروبا بشكل حاد، وكان تقرير بنك سوسيتيه جنرال قد حذر من الإفراط في التفاؤل بشأن هبوط الدولار بشكل كبير، مشيرا إلى إمكانية مواصلته الارتفاع.
ويعد ارتفاع تكلفة واردات الغذاء والطاقة، وصعوبة تسديد فاتورة الديون من أمثلة الآثار السلبية لارتفاع سعر صرف الدولار في مقابل العملات المحلية على العديد من دول العالم، بشكل قد يهدد بانزلاقها إلى حالة من الفوضى والاضطراب السياسي، لذا يترقب قادة العالم ما سيحدث في الفترة المقبلة.