ممالك نهضت وإمبراطوريات انهارت، حضارات نمت و أخرى تدهورت، دول قويت و مارست نفوذها علي حساب جيرانها متعللة باعتبارات تدعي واقعيتها، بينما جيرانها لعجزهم تنادوا بمراعاة مبادئ إنسانية و قانونية، ربما كانوا هم أول من يخرقها لو واتتهم الفرصة و القوة، شعوب عُرفت بقسوتها و وحشيتها تغيرت بالثراء و التعليم و الحضارة عبر الاجيال لتكون اكثر تمدينا و انسانية، و اخري كانت راقية و متقدمة اصابها الاستعمار و الاضمحلال، فباتت تبحث عن هويتها التائهة و إنسانيتها المتوارية، سياسات خارجية تعتمد ان الغاية تبرر الوسيلة، و شعوب كغيرها فيها الصالح و الطالح، لا يهمها سوي ان يحقق زعمائها لها حياة افضل بصرف النظر عن الاضرار بشعوب اخري، و تتقبل سياسة انه لا يوجد اصدقاء دائمون و أعداء دائمون، بل مصالح دائمة، دول نراها عظيمة او صديقة بينما اثرت علي حساب الاخرين بالاستعمار و الاستعباد و سلب الثروات، و دول انقلبت علي اخري ساعدتها، هكذا هو التاريخ لا يرحم الضعفاء، و هكذا هي سياسات وضعت المصلحة فوق المبدأ، و هكذا هي الايام تتداول بينها الدول.
بعين راعها صراعات الحقبة الاخيرة ترددت طويلا في تلبية دعوة صديق اوروبي لزيارته في اسطنبول، و بعين دبلوماسي سابق اوفدته مصر الي بلدان صديقة أو بعيدة لينقل ما يفيد من تجاربها قبلت الدعوة المؤجلة لادرك من واقع اسطنبول كيف أمكن لتركيا ان تجذب ٤٦ مليون سائح عام ٢٠١٨ كسادس اكثر دولة جاذبة لسياحة يمثل دخلها ١١٪؜ من الناتج المحلي الإجمالي للدولة.
بإطلالة بحرية علي البسفور و في نقطة تلاحم بين آسيا و أوروبا و بين البحرين الأبيض و الأسود تقع اسطنبول وريثة عاصمة الدولة الرومانية الشرقية ثم السلطنة العثمانية و تركيا العلمانية حاليا، لتمثل مزيجا من حضارات غربية و شرقية مجاورة للمنطقة العربية و منافسا لقواها تاريخيا، و يتمتع اكثر من عشرين مليونا من مواطنيها بالاضافة للسياح بتلال مدينة عصرية نظيفة جيدة المرافق و التعليم و الخدمات الصحية و بمزارات تاريخية من مساجد و كنائس و قصور و متاحف وبمراكز تسوق و بازارات و انشطة ثقافية و ملاهي و حفلات و مقاهي و مطاعم دولية راقية و اخري شعبية رخيصة ونظيفة تقدم الطعام التركي الشهي.مباني المدينة اوروبية العمارة و تجمع بين المباني التاريخية الخشبية علي ضفاف البوسفور و الحديثة السكنية متوسطة الارتفاع مع تجمعات من ناطحات السحاب لاغراض تجارية او إدارية و مستشفيات بعضها علي مستوي مهني و خدمي راقي و فنادق متراوحة الأسعار.

تشعر العائلات العربية الزائرة بالأمن وبالألفة في مدينة اهلها مسلمون، تزخر بالأسواق و الترفيه و الشواطئ و المزارات الدينية، بينما تشعر السائحات الأوروبيات و كذا التركيات بحرية ارتداء الملابس القصيرة و السير بمفردهن دون تحرش أو نظرات تطفل و تعليق، ويمارس الناس عاداتهم علي تباينها و نمط معيشتهم بحرية في تركيا العلمانية، و ذلك فضلا عن مجاورة تركيا للمنطقتين العربية و الاوروأسيوية و وجود ثاني اكبر مطار في العالم بجانب استانبول و طرق برية و سكك حديدية و مواصلات بحريةكفئة و جوية داخلية رخيصة، اضافة لجودة الاتصالات والمواصلات الداخلية التي تخفف ازدحام المرور، و ذلك بفضل سياسة تشجيع الاستثمار السياحي بضرائب مخفضة و مكافحة البيروقراطية و انخفاض اسعار المرافق و وجود الملايين من الشباب جيدي التعليم القائمين بالخدمات مع الوعي السياحي لدي غالبية المواطنين الذين يظهرون الود و الاحترام و اللطف و الرحمة في معاملة السياح و خاصة كبار السن. و ان تطرق سائح للعداوات التاريخية للدولة البيزنطية و العثمانية و التركية المعاصرة ربما وجد من يرد بالدعوة لنسيان الماضي و التمتع بمزايا المدينة السياحية.
واضافة لاسطنبول و انقرة و ازمير المتقاربين في نمط المعيشة العصرية توجد مدن اخري سياحية قرب اسطنبول و انطاليا التي تنتعش السياحة اليها صيفا للتمتع بالشواطئ و مناظر الجبال و الخلجان و الغابات الطبيعية و التركيبات الصخرية و المغارات و تسلق الجبال و سياحة اليخوت و الغطس، كما يتم ممارسة التزلج علي الجليد شتاء. و تنشط تركيا في مجالات السياحة العلاجية و المؤتمرات و سياحة شهر العسل وسياحة الاعمال كونها تقليديا بين الدول العشرين الاكبر اقتصادا عالميا مع حجم تبادل تجاري كبير.
و يضيف الي ماسبق القوة الناعمة لتركيا و التي تمارسها ايضا من خلال مسلسلات هادفة جاذبة من الناحية الجمالية و الفنية، و تلقي رواجا في آسيا و الدول العربية بل وفي بعض الدول الأوروبية ، و تمثل عنصرا دعائيا يروج الاستثمار و التبادل الثقافي، و ينشر التراث و الجانب الثقافي و الفني و الجمالي و كذا مشاعر المحبة و الاحترام و التسامح تجاه شعبها الذي يجمع بين التأثيرات الاوروبية و الطورانية و العربية و الكردية.