في مناظرة انتخابية عقدت في ولاية كنساس قبيل انطلاق السباق الانتخابي نحو البيت الأبيض في أكتوبر عام 1984، تعرض الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريجان، الذي كان يبلغ آنذاك 73 عاما، والذي كان يطمح إلى الفوز بولاية ثانية، إلى سؤال بدا محرجا عن مدى ملائمة وضعه الصحي الذي يفرضه عمره المتقدم على كفاءة أدائه كرئيس للبلاد.
وذكر تقرير لإذاعة "إن بي آر" الأمريكية أن التساؤل الذي كان يدور في مخيلة جميع الأمريكيين دار حول كونه أكبر الرؤساء سنا في تاريخ البلاد والإرهاق البادي على ملامحه، وساق مدير المناظرة إدوين نيومان مثالا توضيحيا للسؤال عن مدى قدرة ريجان على تركيز ذهنه إذا داهمه النعاس خلال اجتماع لمناقشة شئون الأمن القومي، وقد بدا الانزعاج على ريجان الذي أجاب بابتسامة مصطنعة بقوله إنه لا يولي مسألة السن أي أهمية، وأضاف ساخرا أنه لن يستغل حداثة سن منافسه في الانتخابات وقلة خبرته لتحقيق مكاسب سياسية، في إشارة منه إلى نائب الرئيس السابق وعضو مجلس الشيوخ المخضرم والتر مونديل ذي الـ 56 عاما في ذلك الوقت، والذي كان يدرك مدى ضآلة فرصته لهزيمة ريجان.
ويبدو أن مقولة "التاريخ يعيد نفسه" صحيحة، حيث يتكرر نفس الأمر الآن مع الرئيس الأمريكي جو بايدن وهو الأكبر سنا بين جميع الرؤساء الأمريكيين على مر التاريخ، وقد أظهرت استطلاعات للرأي وجود انطباع لدى معظم الناخبين بمن فيهم الديمقراطيين بأنه طاعن في السن لدرجة قد تعوقه عن أداء مهام منصبه بالكفاءة المطلوبة، وقد أجاب بايدن عن تساؤل حول هذا الأمر خلال مقابلة له مع قناة "سي بي إس" التلفزيونية الأمريكية بقوله إن على الجميع أن يراقبوا أفعاله وتنفيذه لجدول أعمال مزدحم بهمة ونشاط عاليين.
ويتم بايدن عامه الثمانين اليوم، وقد قال في وقت سابق إنه سيناقش مع أسرته خلال الشهرين القادمين مسألة ترشحه لفترة رئاسية ثانية، والتي سينهيها، إن فاز بها، في عمر السادسة والثمانية عام 2028، وأكد أن الأمر لا يتعلق به وحده بل أيضا بعائلته التي اعتاد أن يأخذ رأي أفرادها بعين الاعتبار.
وبالعودة إلى مثال ريجان، فقد ثار التساؤل حول سنه حتى قبل مناظرة كنساس، حيث بدا أكثر من مرة أنه لا يحسن التعبير عن مقاصده، وكثيرا ما كان يستخدم الكلمات الخطأ أثناء الحديث ويخلط المصطلحات السياسية بتلك المتعلقة بمهنته السابقة كنجم سينمائي، وهو ما تكرر مع بايدن غير مرة في مختلف المناسبات الرسمية، ولم تفوت وسائل الإعلام الفرصة لإبرازه كما فعلت سابقا مع ريجان.
ولطالما حاول ريجان أن يخفي توتره وعدم ارتياحه تحت عباءة التظاهر بالود والهدوء المصطنع، لكن بعد دقائق من مراوغته في الرد على سؤال مناظرة كنساس، لفتت كلمته الختامية خلالها النظر إلى حقيقة ما يشعر به، حيث سرد قصة عن رحلة قام بها مع قرينته نانسي ريجان عبر الطريق السريع لولاية كاليفورنيا، فلم يستطع الاسترسال فيها لمدة دقائق، وقد لاحظ الحاضرون داخل القاعة مدى ارتباكه وفقدانه خيط الحديث وهو ما اضطر نيومان لمقاطعته وإعادة الانضباط للقاعة التي سرت فيها الهمهمات.
وقد عُزي تشتت انتباهه خلال فترته الرئاسية الثانية إلى تقدم عمره، لكن ناخبيه لم ينزعجوا من هفواته الظاهرة، فبعد أن أنهى حقبة رئاسته بفترتيها، صوتت 40 ولاية لصالح نائبه جورج بوش الأب، الذي كان يصغره بـ 13 عاما وينتمي إلى الجيل الذي شهد الحرب العالمية الثانية.
وبعد ترك ريجان لمنصبه بعدة سنوات، كشف النقاب عن إصابته بمرض آلزايمر، وهو المرض الذي أودى بحياته لاحقا، وأثار هذا التساؤلات عما إذا كانت أعراض المرض قد ظهرت عليه في وقت مبكر من فترة رئاسته الثانيه.
ويعد بايدن أول رئيس يصل إلى عمر الثمانين أثناء وجوده في منصبه، حيث لم يتعد أكبر ثلاثة رؤساء سابقين سبعينيات أعمارهم أثناء فترات حكمهم، وهم دوايت أيزنهاور الذي كان في السبعين من العمر قبل نهاية فترة حكمه في يناير 1961، وريجان الذي كان في السابعة والسبعين عندما غادر البيت الأبيض، وأخيرا الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي كان أكبر الرؤساء عمرا يوم تنصيبه، وكان في الرابعة والسبعين بنهاية فترة رئاسته السابقة ، وقد أعلن نيته الترشح لانتخابات 2024، وفي حالة فوزه بها سينهي فترته الرئاسية الأولى في عمر الثانية والثمانين.
وفي حين يتقاعد الطيارون المدنيون عند سن الخامسة والستين، وهو تقاعد إلزامي بموجب القانون الفيدرالي، وأحيانا يتم تمديده لسن السبعين لبعض القضاة، إلا أن القانون لا يحدد سن تقاعد إلزامي لأي من المسئولين الفيدراليين نزولا على قرار الناخبين، فقد أعيد انتخاب عضو مجلس الشيوخ الجمهوري عن ولاية آيوا تشارلز جريسلي ذي الـ 89 عاما لست سنوات إضافية، كما تقاعد عضو الشيوخ الجمهوري عن ولاية ساوث كارولاينا ستورم ثارموند عام 2003 في سن المائة.
لكن أعضاء مجلس الشيوخ ليسوا بأهمية رؤساء الدولة، فهم يستطيعون قضاء إجازات ليوم أو أسبوع أو حتى شهر، ولا يتحملون مسئولية الحقيبة النووية وتبعاتها على مدار اليوم.
وينص الدستور الأمريكي على ألا يقل سن عضو الكونجرس عن 25 عاما وألا يقل عمر كل من الرئيس ونائبه عن 35، بدون حد أقصى حيث لم يهتم مؤسسو الدستور عام 1787 بتحديده، ومن المرجح أن السبب في هذا أنهم كانوا في أعمار صغيرة نسبيا بمتوسط 26 إلى 42 عاما، وكان أكبرهم بنيامين فرانكلين الذي كان يبلغ من العمر 81 عاما.
وظهر التباين العمري بين المرشحين في أوضح صوره في انتخابات عام 1992، حيث ترشح الرئيس الأسبق بيل كلينتون ذو الـ42 عاما لفترته الرئاسية الأولى ضد بوش الأب الذي كان يكبره بـ 22 عام، وكان كلينتون لا يزال يعرف بـ "الحاكم الصغير" منذ انتخابه كحاكم لولاية أركنساس وهو في عمر ال32، وهي الفجوة العمرية الأوسع بين مرشحي الحزبين الرئيسيين منذ ما قبل الحرب الأهلية الأمريكية.
وفي عام 1996 ترشح كلينتون لفترة رئاسية ثانية وهو في سن الـ 50، مما أعاد إثارة حالة الجدل عن مسألة السن خلال المناظرة الرئاسية التي عقدت قبيل انطلاق السباق الانتخابي في نفس العام، حيث كان خصمه وعضو مجلس الشيوخ الجمهوري لفترة طويلة بوب دول يبلغ من العمر 73 عاما، وقد علق كلينتون على الأمر قائلا إن كبر السن لا يشكل عائقا أمام السيناتور بوب ليكون رئيسا، بل يكمن العائق الفعلي في قدم أفكاره.
ومن جانبه، لم يعر دول أي اهتمام للإشارات السلبية حول مسألة عمره، ولم يبد مرتبكا عندما تعثر مستندا إلى حاجز حديدي هش في طريقه للمنصة خلال مؤتمر لحملته الاتخابية، وقد اعتبر هذا الموقف دليلا على أهمية أن ينتبه المرشحين لمناصب قيادية لكل حركاتهم وسكناتهم في المجال العام، خاصة أولئك المتقدمين في العمر منهم.