الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

البطل.. شخصية مصر

نهال علام
نهال علام

كنت طفلة حالمة بلاشك، لم أكترث أين سيلقينى مدد الخيال وإن كان على المحك، بين الواقع أو ما أراه ساطع كانت تلك مملكتي التي لم أكن لأقبل مساس حصونها وذلك كان الصك، لحرية لتفكير والبحث عن مشاهد الحياة بما يجعلها بعد مضي السنوات هي حصني الأثير من تقلبات الزمان ورياح التغيير.

 

لم أدع ساكناً إلا حركته، وما بقيت على متحرك إلا وسكنته، عشقت عالمي الذي عشته لحظات وعاشني ما تلا من سنوات، وعلى رأس تلك المعتقدات بلادي الحبيبة مصر العجيبة!

 

ما رأيتها إلا امرأة، هيفاء سمراء مليحة، حلوة التقاطيع وجميلة التقاسيم ورفيعة القد والمقام، ذكية قوية عفية، صلبة التكوين صلدة التقويم، ناعمة الضحكة مبهجة بالفطرة، قادرة على التدبير لا يعصى عليها أمراً مهما كان عسير، كبيرة في وسط جيرانها، حائط صد في وجه أعدائها، ولكن أكبر منحها ومحنها تتلخص في أبنائها، فمنهم الحريص على دفعها للقمة وقليلهم شغله الشاغل دفعها للهاوية، وذلك كله وارد فكما قالوا قديماً البطن قلابة، ولكن الجينات الأصلية غلابة، ومانراه على الأرض المصرية دليل على صدق النية وصفاء الإخلاص والعزيمة التي تستحقهم تلك الدولة العظيمة.

 

كل دولة لها شخصية، وهي كالأم تكسب أبنائها بعض الصفات الجينية، ولكن يظل هناك الابن الأقرب لها وذلك الذي وكأنه ما ترعرع يوماً في حضن قلبها.

 

تلك الشخصية والصفات الاستثنائية تنعكس ايجاباً في كل أمر من مقدرات الدولة المصرية، وعند كل تمثيل تشارك فيه القيادة السياسية، وحدث بلا حدود عن تنظيم الدولة الطموح لأي أمر معهود.

 

شهدنا وقائع مؤتمر المناخ، والذي كان بمثابة حجر الارتكاز لما ستكون عليه النسخ القادمة في الأساس، والذي جاء برؤية مصرية وخرج بطعم تلك الهوية التي لم يكتب لها التاريخ أن تصبح نسياً منسياً.

 

ولن اتحدث هنا عن المخرجات الإيجابية من صفقات وتمويلات أجنبية، ولا الاتفاقات والمبادرات التي فازت بها مصر، لكن حديثي عن المكاسب الإنسانية والنفسية التي حصدتها الدولة المصرية.

 

وتلك المكاسب بدأت منذ إعلان قبول طلب مصر تنظيم مؤتمر المناخ في نسخته الحالية، فذلك التكليف به الكثير من التحديات وأيضاً التشريف، خرج المؤتمر بأصداء غير اعتيادية استطاع أن يجذب أنظار العالم لمصر الحضارية، فالتحول الذي شهدته شرم الشيخ لمدينة خضراء نظيفة هو إحدى النقط المضيئة في ملف الدولة المصرية، وقدرتها الانجازية.

 

أما الشخصية المصرية، وتلك الملامح شديدة الخصوصية بمصر أم الدنيا كانت هي البطل في هذا المؤتمر، فملامح السعادة التي تطل على وجوه المنظمين وروح التعاون وبهجة الأماكن وخفة ظل الأحداث التي تصنع الذكريات، تتسق تماماً مع صورة مصر في مخيلتي كطفلة والتي تجلت بوضوح وتجسدت بجلال في أروقة المؤتمر.

 

ولن اتطرق للتصريحات التي خرجت على لسان الحضور من الجانب المصري والذي يشهد بروعة التنظيم، ولن التفت للتعليقات الرسمية التي ذُكر فيها أنها نسخة مميزة ومثمرة وناجحة، ولا لتلك الاشادات الدولية والعالمية، ولكن سأذهب للتعليقات "النفسية " وهي التي تخضع للتقليدية وإن كانت في إطار من الرسمية ولكنها خرجت من القلوب بأريحية.

 

نجد جون كيري مبعوث الأمم المتحدة للمناخ أدلى في بيان رسمي بأن الجهود المصرية المبذولة لإنجاح تلك القمة مذهلة، بينما صرح جو بايدن رئيس الولايات المتحدة أن شرم الشيخ هي المكان الأنسب لإقامة مؤتمر المناخ، أما الحفاوة الأفريقية والود والامتنان الحقيقي الذي تشعر به دول القارة تجاه الشقيقة الكبرى مصر، التي ما خذلت تلك الدول وبالفعل حصلت القارة للمرة الأولى على منحة أمريكية قدرها١٥٠ مليون دولار، ولنستدعى صور ملكة أسبانيا عند الهرم في لحظات عفوية، والرئيس الفنزويلي وهو يجوب شوارع شرم الشيخ ويتبادل الضحكات مع كل الموجودين، أما دعوة الرئيس الهندي لنظيره المصري لحضور قمة العشرين القادمة، وغيرها من لحظات الدفء الحقيقي وصور السيلفي مع الرئيس المصري في ود ظهر بوضوح.

 

أما في ختام جلسات المؤتمر والتي كللت بالنجاح مسيرة جهود الدولة المصرية التنظيمية والتفاوضية فذلك صك التألق الناجع في استضافة تلك النسخة، والتي تجسدت في انشاء صندوق الخسائر والأضرار وهو قرار تاريخي وسبق حقيقي يضاف لانجازات الدولة المضيفة، وأولى الخطوات نحو العدالة المناخية العالمية تم تقديمها للعالم من الأرض المصرية.

 

مصر كانت صادقة النية، قوية العزيمة وإرادتها حقيقية لذلك كلل الله بالنجاح مسيرتها المناخية، التي انتبهت لأهميتها وخطورتها القيادة السياسية منذ اليوم الأول لتقلد حكم الجمهورية قبل ثماني سنوات.

 

وستظل مكاسب مصر من مؤتمر المناخ أكبر دليل يعضد للتاريخ مدى نجاح تلك النسخة، حيث وقعت وزارة التخطيط على ٩ اتفاقيات ومبادرات من خلال صندوق مصر السيادي يبلغ حجمها ٨٣ مليار دولار، وحصلت على المنحة الأمريكية التي بلغت ٥٠٠ مليون دولار أمريكي لدعم التحول الأخضر، بينما هناك ١٤ مشروع بشراكات مختلفة مع السويد والنرويج والدنمارك لإقامة مشروعات الهيدروجين الأخضر، ذلك بإلإضافة للاتفاق الأكبر عالمياً مع الجانب الإماراتي فيما يخص مشروع توليد الطاقة من الرياح، وغيرها من الاتفاقيات والشراكات الدولية.

 

نجحت مصر في تنظيم مؤتمر المناخ بشهادة القاصي والداني، وبرعت في فرض هويتها وبسط شخصيتها على أجواء تلك النسخة، فاستطاعت أن تحفر في ذاكرة زوارها مكاناً لن يُنتزع أبداً، وزرعت في وجدان روادها رافداً إنسانياً لن ينضب طالما تتجدد منابعه بصدق العمل واتساق الخطى.

 

كما أضافت إنجازا جديداً عظيماً وبديعاً وهي اللمسات الرائعة على شرم الساحرة، لتبقى رسالتها كما عهدناها هي رسالات السلام للعالم من أرض السلام، وهاهي اليوم تبعث رسالة جديدة للعالم المتضرر والدول الفقيرة والإنسان الذي يعاني في كل مناحي الأرض من تقلبات ذات الأرض، بأن الشراكات العالمية ممكنة ورسالة الإنسانية غالبة، طالما هناك من يعمل لها ويؤمن بها، ومن مدينة السلام أهدي إليكم التحية والسلام من جنبات مدينة مصرية بعثت للعالم أجمل صور الصداقة والحضارة والعدالة والأريحية، وهدية مؤكدة ببداية رد الحقوق لأصحابها.