قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

صدى البلد

صواريخ بولندا .. حادث عابر أم محاولة لتوريط الناتو في حرب مع روسيا؟

حلف الناتو
حلف الناتو
×

يمثل حادث سقوط صاروخين داخل أراضي بولندا وما أسفر عنه من مقتل مواطنين بولنديين مساء الثلاثاء الماضي تطورا مهما للغاية في مجريات النزاع الدائر في أوروبا، وقد تعاملت الدول معه قبل أن تتكشف الحقيقة بأسلوب لافت للنظر.

اتهام روسيا أولا ثم التحقيق

وذكر تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، أن أوكرانيا بادرت باتهام روسيا بإطلاق الصاروخين، حيث قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن الهجوم يمثل تهديدا روسيا للأمن الجماعي لدول أوروبا، واصفا إياه بالتصعيد الواضح، كما قال وزير الخارجية الأوكراني ديمترو كوليبا إن ما حدث هو جزء من نظرية مؤامرة لإظهار أن أوكرانيا هي من أطلقت الصاروخين في محاولة منها لصد قصف جوي روسي على أراضيها.

ورغم ثبوت خطأ هذه الاتهامات بحق روسيا، إلا أن هذا الخطاب شكل ضغطا على الدبلوماسيين الغربيين، الذين يخشون أن تؤدي لغة كييف المتطرفة ومطالبتها بالرد على هذا العدوان، إلى جر حلفائها إلى مواجهة جماعية وشاملة ضد روسيا، حيث سارعت دول البلطيق المتاخمة لروسيا إلى الدعوة لتفعيل بنود ميثاق حلف الناتو المتعلقة بالدفاع المشترك عن دوله ضد أي تهديد.

ومن جانبه اقترح وزير دفاع لاتفيا أرتيس بابريكس أن يعزز الناتو قدرات الدفاع الجوي لبولندا وبعض الأقاليم الأوكرانية، كما أكدت رئيسة وزراء إستونيا كايا كالاس على أهمية دعم الغرب لأوكرانيا عسكريا وماليا وإنسانيا، وفي المقابل اتسم رد الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا الغربية بالهدوء والاتزان، ويظهر ذلك في دعوتهم لعدم استباق الأحداث وانتظار تكشف الحقائق.

ويعكس هذا التأني في رد فعل الولايات المتحدة وبعض حلفائها الأوروبيين رغبة واضحة في تجنب التصعيد الذي قد يفضي إلى تحرك عسكري جماعي لدول حلف الناتو، حيث أعرب بعض المسئولين الأمريكيين والأوروبيين ومنهم الرئيس الأمريكي جو بايدن وعدد من مسئولي الحكومة البولندية، عن اعتقادهم بإمكانية أن يكون الحادث ناتجا عن انحراف في مسارات الدفاعات الجوية الأوكرانية.

ويظهر هذا الحادث أن الأخطاء عادة ما تقع خلال الحروب، وأن بعض الأسلحة المستخدمة في الحرب الروسية الأوكرانية هي أسلحة قديمة، وبالنظر إلى حجم الضربات الصاروخية المتبادلة بين طرفي النزاع، فإنه من المدهش عدم وقوع مثل هذه الحوادث من قبل منذ بدء الحرب.

حادث بولندا يكشف انقسام الناتو

وتشير أحداث يوم الثلاثاء إلى أنه في حال تكررت هذه الأخطاء داخل منطقة الناتو مستقبلا، فإن رد فعل الأطراف المعنية لن يكون موحدا ومتوافقا كما قد يعتقد البعض، كما تشير إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية تعيد تشكيل تاريخ منطقة وسط وشرق أوروبا وتاريخ حلف الناتو على السواء.

ويبرز تساؤل هام بالنسبة لبولندا وبقية دول الناتو وبخاصة ذوات الحدود مع روسيا، عن إجراءات الحماية التي كانت ستتخذها الولايات المتحدة وحلفاؤها في حال كان الحادث ناجما عن هجوم روسي متعمد.

ورغم أن المادة الخامسة من ميثاق الحلف تنص على اعتبار أي هجوم مسلح على أي من أعضائه بمثابة هجوم على جميع الأعضاء، إلا أن الأزمة الراهنة توضح أن على بولندا والدول الصغيرة في الحلف إدراك أن تعريف الهجوم المسلح وما يترتب عليه من تضامن فعلي بين أعضائه، يختلف تبعا للظروف والوقائع على الأرض.

ولطالما ظل احتمال تعرض بولندا أو أي من دول البلطيق لهجوم روسي بالخطأ أو عن عمد واردا منذ اندلاع حرب أوكرانيا، ويبدو أن الناتو مستعد لتفعيل المادة الخامسة من ميثاقه فقط في حالة وجود تهديد نووي وشيك، حيث سبق أن انتهكت روسيا الأجواء السويدية والدنماركية عدة مرات ولم يحرك الناتو ساكنا، وهو ما يبعث برسالة إلى الشعب البولندي الذي فقد اثنين من مواطنيه نتيجة الحادث، مفادها أن الخط الفاصل بين الحرب والسلام يُطمس عن عمد، وستدرك دول الجوار مع روسيا خلال الأيام والأسابيع القادمة ما يستحق دعم الناتو والولايات المتحدة العسكري من الأحداث وما لا يستحق.

وعلى الرغم من أهمية التحقيق الذي تجريه السلطات البولندية في ملابسات الحادث، وأهمية اللهجة الهادئة التي يتحدث بها كبار الدبلوماسيين منعا للتصعيد، إلا أن رد فعل سكان المدن والقرى المتاخمة لروسيا قد لا يتسم بنفس الدرجة من الحكمة، في وقت يتساءلون فيه عن مصيرهم المحتمل في حال تكرر سقوط القذائف داخل بلادهم الأعضاء في الناتو.

أوروبا والخوف من روسيا

ومما لا شك فيه أن هذه الحرب قد أيقظت الخوف الكامن داخل دول شرق أوروبا، من أن يتكرر اختراق القوات والأسلحة الروسية لبولندا كما حدث عدة مرات خلال آخر 300 عام، وقد أظهرت نتائج استطلاع للرأي أجري في أعقاب اندلاع الحرب في أوكرانيا، أن 84% من الشعب البولندي يتخوفون من إمكانية أن تمتد الحرب إلي بولندا في أي لحظة معرضة حياة المدنيين للخطر.

ولا تنظر معظم شعوب شرق أوروبا إلى الحرب في أوكرانيا كحدث منفرد، بل كحلقة في مسلسل العدوان الروسي المستمر والمتصاعد دائما، وهو ما يعكس انعدام ثقتهم في حلفاء بلادهم الغربيين، وفي حين بدا الرد الرسمي من الحكومة البولندية فاترا، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في تلك البلدان بتصاعد نبرة الغضب لدى روادها من أن أسوأ مخاوفهم بدأ يتحقق.

ويرى كثير من البولنديين ونظرائهم في دول البلطيق أن الحرب لن تنتهي إلا بإحدى نهايتين لا ثالث لهما، إما إيقاع هزيمة نكراء بروسيا على غرار ما آلت إليه ألمانيا بنهاية الحرب العالمي الثانية، أو على الأقل تدمير الإمبراطورية الروسية مثلما حدث في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991.

ومع إصرار بولندا، سيتعين على قادة الناتو التفكير بجدية فيما إذا كان الحادث يتطلب الاستعداد لرد عسكري حاسم، مثل الإسراع بنشر الدرع الصاروخية على امتداد الجناح الشرقي للحلف، ويبدو أن اقتراح المستشار الألماني أولاف شولتس بنشر الدرع في أكثر من اثنتي عشرة دولة أوروبية هو مجرد بداية.

ومن المتوقع أن يسرع الوضع الحالي التوصل إلى قرار في هذا الصدد، وبدلا من فرض المزيد من العقوبات على روسيا ستطالب الدول المعنية بنشر المزيد من قوات الناتو والأنظمة الدفاعية بها، وستمثل تداعيات الحادث اختبارا لمدى تلاحم الغرب في التعامل مع روسيا، وأي تلكؤ في التحرك سيكون بمثابة خيانة للشعب البولندي الذي لا يزال هجوم الروس والنازيين على بلاده في بداية الحرب العالمية الثانية ماثلا في ذاكرته الوطنية.