الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كل الأوراق في يدها.. الصين وسيطا للأزمة الأوكرانية باتفاق الجميع

فلاديمير بوتين وشي
فلاديمير بوتين وشي جين بينج

تتوالى التصريحات الغربية الموجهة إلى الصين، من أجل أداء دور الوساطة لوقف الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا، سواء أكان ذلك اليوم، أو في أي مفاوضات مستقبلية بين الطرفين، وتزايدت تلك التصريحات مع عقد قمة العشرين اليوم بإندونيسيا، ولقاءات مباشرة بين قادة الغرب والرئيس الصيني.

ووفقا لما ترصده تحليلات المواقف ومقاييس المصالح، فإن الصين بالفعل تمتلك القدرة على لعب هذا الدور، بل وتمتلك أدوات الضغط على روسيا إذا تطلب الأمر، وفي ذات الوقت لديها مصالح يمكن أن تحققها من هذا الدور.

فرنسا أحدث من يلجأ لرئيس الصين 

أحدث من طالب بدخول الصين كوسيط، كانت فرنسا، حيث ذكرت وكالة “بلومبرج” للأنباء، نقلاً عن مسؤول فرنسي، أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، طلب من الرئيس الصيني شي جين بينج خلال لقاء على هامش قمة مجموعة العشرين، دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتفاوض مع أوكرانيا.

وخلال الاجتماع، طلب ماكرون من شي جين بينج حث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على وقف التصعيد والعودة إلى طاولة المفاوضات، وبحسب المسؤول، فإن موقف الصين من الأزمة الأوكرانية يصبح أكثر إيجابية بعد اجتماع الزعيمين، كما يعتزم ماكرون زيارة الصين عندما يصبح ذلك ممكنًا بسبب القيود المفروضة بسبب فيروس كورونا.

إسبانيا توجه الطلب للصين بشكل عاجل

فيما قالت المتحدثة باسم الحكومة الإسبانية، إيزابيل رودريجيز، إن رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، طلب من الرئيس الصيني شي جين بينج، استخدام نفوذه لتحقيق الاستقرار لإنهاء الصراع في أوكرانيا.

وقالت رودريجيز، في مؤتمر صحفي، إن "رئيس الوزراء بيدرو سانشيز دعا الرئيس الصيني لاستخدام نفوذه كقوة استقرار لإنهاء الحرب”.

دعوات متكررة "الغرب غير صالح للوساطة"

وكان مفوض السياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، حث بدوره الصين على التوسط لإنهاء الحرب الروسية ضد أوكرانيا في أكتوبر الماضي، حيث قال في مقابلة مع صحيفة "إل موندو" الإسبانية، إنه "يتعين على الصين التوسط في محادثات سلام مستقبلية بين روسيا وأوكرانيا، نظراً إلى أن الدول الغربية لا يمكنها لعب هذا الدور".

وأضاف وزير الخارجية الإسباني السابق، والرئيس السابق للبرلمان الأوروبي: "ليس هناك بديل، نحن (الأوروبيون) لا يمكن أن نكون وسطاء، هذا واضح، ولا يمكن أن تكون الولايات المتحدة أيضاً، يجب أن تكون الصين، وأنا أثق في ذلك".

الخارجية الصينية: نعم مستعدون 

واستمرارا لموقفها السابق لم ترفض الصين لعب هذا الدور، وهو ما أكد عليه وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، حين أعلن أن بكين مستعدة للعمل مع روسيا لتنسيق الاتصالات رفيعة المستوى في مجالات عدة، وأضاف، خلال لقائه بوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف على هامش قمة مجموعة العشرين، أن بكين ستواصل التمسك بموقف حيادي ومعتدل وتلعب دورا بناء في أزمة أوكرانيا. 

وأشار يي، إلى أن الصين سعيدة لإبداء روسيا مؤشرات على استعدادها للحوار، مؤكدا على أن تأكيد روسيا أنها لن تدخل حربا نووية "موقف مسؤول"، قائلا : "يسعدني أن أرى استعداد روسيا للحوار والموافقة على استئناف تنفيذ اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية".

لهذا.. الصين لديها أرضية كبيرة كوسيط 

ولمعرفة كيف أصبحت الصين هى المرشح الأوقى للعب دور الوساطة مع روسيا، علينا أن نرصد كيف كان تعاملها مع الأزمة منذ بدايتها، وأنها حرصت على عدم كسب عداء أي طرف، خصوصا الطرف الروسي، وهذا مواقفها في نقاط.. 

في 25 فبراير 2022، امتنعت الصين عن التصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لقرار لشجب الغزو.

في 1 مارس، أجرى وزيرا الخارجية الأوكراني والصيني دميترو كوليبا ووانغ يي أول مكالمة هاتفية بينهما منذ بداية الغزو، وذكرت وسائل إعلام صينية أن وانغ أبلغ كوليبا بأنه «قلق للغاية» بشأن المخاطر التي يتعرض لها المدنيون وأنه كان من الضروري «تهدئة الوضع قدر الإمكان لمنع تصعيد الصراع».

في 9 مارس، عقد الزعيم الصيني شي جين بينغ اجتماعا بالفيديو مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز ذكر فيه أن الصين «تتألم لرؤية ألسنة الحرب تشتعل في أوروبا» ودعا الدول الثلاث إلى تعزيز مفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا.

في 15 مارس، كتب السفير الصيني لدى الولايات المتحدة تشين جانج مقالًا في صحيفة واشنطن بوست ذكر فيه أن «الصراع بين روسيا وأوكرانيا لا يفيد الصين»، وأن «السيادة والسلامة الإقليمية لجميع البلدان، بما في ذلك أوكرانيا، يجب احترامها؛ ويجب أن تؤخذ المخاوف الأمنية المشروعة لجميع البلدان على محمل الجد».

في 18 مارس، عقد الزعيم الصيني شي جين بينغ والرئيس الأمريكي جو بايدن اجتماعا بالفيديو لمدة ساعتين حول الصراع في أوكرانيا. وقال البيت الأبيض للصحافة بعد المكالمة إن بايدن حذر شي جين بينغ من «عواقب إذا قدمت الصين دعما ماديا لروسيا».

الصين تملك مفاتيح روسيا 

ولكن السؤال الهام الذي يطرح نفسه، هل الصين تمتلك أوراق الضغط التي يحتاجها أي مفاوض للإجبار الطرف الروسي "الأقوي" على الاستجابة للتفاوض وما يترتب عليه من نتائج، وهنا نجد أن روسيا كان لا يمكنها القيام بتلك الحرب لولا قيام الصين بدور الرئة التي يتغذى عليها الروس.

فقبل الحرب حضر الرئيس بوتين إلى الصين ومعه وفد من 54 شخصية ضمت كبار رجال الأعمال والصناعيين والتجار والمصرفيين والخبراء في شتى القطاعات، انكبّوا على دراسة ملفاتهم لمحادثات سيقوم بها بوتين مع القيادة الصينية.

وبالفعل تم التوقيع على عقود لتزويد النفط والغاز قيمتها 117 مليار دولار ضمنها عقد مدته 30 سنة لزيادة تزويد الصين من الغاز الروسي عن طريق سيبيريا بكمية 10 مليارات متر مكعب سنوياً تضاف إلى اتفاقية سابقة لتزويدها بـ35 مليار متر مكعب بحلول العام 2025، كذلك تم التوقيع على عقود لتصدير القمح والشعير.

من يستعرض المشهد يتبين له أن قرار الرئيس بوتين اجتياح أوكرانيا كان قد اتُخذ عند زيارته بكين، وأن الاتفاقيات الاقتصادية كانت لتعويض ما يمكن أن تقوم به الدول الأوروبية والولايات المتحدة من عقوبات ومنع للاستيراد من روسيا. 

لتلك الأسباب اعتبر الأستاذ في معهد الدراسات السياسية بجامعة جينان، شياو لونغ، أن الصين هي المرشح الأبرز للعب دور الوساطة بإجماع أطراف النزاع كافة، وخصومها السياسيين، بما في ذلك الولايات المتحدة وحلفاؤها.

وأضاف شياو لونغ، تصريحات صحفية، أنه في ظلّ العقوبات الخانقة التي فُرضت عليها، فإن الصين هي اليوم بمثابة الرئة التي يمكن أن تتنفس روسيا من خلالها، وبالتالي فإنه ليس من مصلحة موسكو إحراق جميع المراكب".

وبحسب ما رأى، فإنه "يبدو أن كل العقوبات التي تهدف إلى وقف الحرب لا تعمل، وهو أمر شدّدت عليه الصين مراراً"، وقال شياو لونغ في هذا الإطار: "انظر إلى كوريا الشمالية، فعلى الرغم من جميع العقوبات المفروضة عليها، إلا أنها لا تزال تجري تجارب صاروخية بشكل دوري، وهذه حقيقة تنبّه لها المجتمع الدولي متأخراً، لذلك هم يلجأون إلى الصين الآن، ويتوسلون من أجل أن تلعب دور الوسيط".

الصين متضررة 

ويعد تضرر الصين من استمرار الحرب، أحد أكبر الدوافع للموافقة على لعب هذا الدور، ففي دراسة نشرها معهد «بروكينغز» الأمريكي عن الأزمة، وخاصهً تأثيرها على الاقتصاد العالمي والأوروبي تحديداً، قالت، إن الصين تأثرت سلباً بسبب ضعف القدرة الشرائية المستوردة للإنتاج الصيني، بعد جائحة كرونا، بشكل كبير.

وذكر المعهد أنه مع بداية انحسار الوباء أظهرت الأرقام بوادر للتعافي الاقتصادي، إلا أن الحرب أعادت المخاوف من جديد، خصوصا أن الدراسات الاقتصادية، تشير إلى أن استمرار الحرب الأوكرانية وتصاعد أسعار النفط والغاز ومواد أولية وغذائية سيؤدي إلى تضخم كبير وانهيارات مالية، وتوقعت الدراسة انخفاض الاستيراد من الصين إلى ما دون 380 مليار دولار في الربع الأول من العام 2023.

هل تكون تايوان ورقة تفاوض مع الغرب؟ 

وهناك مؤشرات تلمح إلى إمكانية استغلال الصين لهذا الموقف وتسعى إلى تحقيق مكاسب، حيث أنها بمنطق المصالح بين الدول، ستطلب ثمنا لضغطها على روسيا، وهو الموافقة الدولية على عودة تايوان إلى حضن الدولة الأم. 

ورغم أن هناك استحالة لتحقيق هذا؛ إلا أنه من الممكن تحقيق مصالح ما في هذا الملف، ويظل العائق في تحقيق الغرب لمطالب الصين بهذا الملف، إلى أن ضم تايوان إلى الصين إلى جانب كونه كسراً لكل المواثيق والمعاهدات والوعود الدولية سيجعل الصين الدولة الأكثر قوة وسيطرة وتفوقاً في العالم. 

فتايوان تنتج 92 في المائة من الشرائح الإلكترونية (micro chips) الأكثر تطوراً، وهذه تشّغل معظم ما يستعمله البشر في حياتهم اليومية، من الهواتف المحمولة إلى أجهزة الكومبيوتر والراديو والتلفزيون إلى السيارة والطائرة والأجهزة الطبية والآلات الصناعية والزراعية، والقائمة لا تنتهي، فإذا ضمت الصين تايوان فإنها ستحكم سيطرتها على العالم، وهذا ما لن يتم القبول به.

التكتيكات على الأرض تمهد الأجواء 

ودائما ما تكون الأوضاع على أرض المعركة مؤثرة في قرارات التفاوض، وفي تلك الزاوية، أصبحت التكتيكات الحالية تمهد الأرض لتلك المفاوضات، خصوصا مع محادثات سرية مباشرة في تركيا  بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية لحسم بعض النقاط على الأرض.

ويقول آصف ملحم، مدير مركز "JSM" للدراسات ومقره موسكو، إن التحركات على الأرض متفق عليها، فانسحاب القوات الروسية من الضفة الغربية لنهر خيرسون هو خطوة متفق عليها بين جميع الأطراف، أي هي مُجرَّد تكتيك عسكري لا أكثر.

وأشار ملحم، خلال تصريحاته لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أن القوات الروسية انسحبت ودخلت محلها القوات الأوكرانية دون أي اشتباكات بين الطرفين، كما أن الحديث عن إمكانية انسحاب القوات الروسية من خيرسون بدأ منذ عدة أسابيع؛ خاصة بعد تصريح الجنرال سورافيكين في أكتوبر الماضي عن "قرارات صعبة في خيرسون".


-