قابلته لأول مرة منذ عشر سنوات في المعادي، وكنت جئت أتعرف عليه بعد أن كتب مقدمة أول كتاب لي، وكالعادة في القاهرة المزدحمة وصلت خجولا متأخرا حوالي ربع الساعة فوجدته منذ الموعد منتظرا في الشارع، ولم يعاتبني رغم مقامه الأدبي والروائي المعروف مصريا وعربيا و المهني الرفيع وكيلا سابقا لوزارة الثقافة ، وأنه كان قد بلغ من العمر الخامسة والثمانين، بل كان بالغ التواضع وآسر الود، ودعاني لحضور اجتماعات نادي القصة الذي كان يرأسه فوجدته يشيد بكاتب ناشئ بكلمات تشي بالصدق وبمسؤولية تصعيد و دعم الأدباء الشبان.

ثم قابلته اجتماعيا في بعض لقاءات أسبوعية منتظمة يعقدها مع خلصائه فوجدته دائما بشوشا عفيف اللسان، تنطق كلماته بالمسئولية عن الآخرين رفقا و لطفا و احتواء. كان دوما كريما معي في كتابة مقدمة كتابين أصدرتهما و في لقاء إذاعي عن أحدهما فقارنني بالأديب الكبير يحيي حقي ،بل ذكر ان من لم يقرأ كتابي الثاني فقد درسا عظيما في الحياة، و لم تساعده الظروف علي تقديمي للهيئة العامة للكتاب و وزير ثقافة سابق لينهض بنشر أعمالي بحرص علي المساعدة كما لو كانت لكتبه شخصيا، كان يمنح بقلب و بدأب و صدق كل ما يستطيع، و يقدم النصح مخلصا، و دوما متاحا للتواصل، و لا يشكو أبدا من صحته رغم تقدم سنه و تراجع صحته، بل قابلته و هو يكتب مقدمة كتابه الأخير بعنوان مباهج الحياة بعد التسعين في بشر و حماس.

رجل من الرعيل الأول، مواليد الربع الاول من القرن العشرين؛ هذا الجيل الذي اعتنوا بتعليمه و غرس القيم فيه، فأنتج اهم مفكرينا ومثقفينا وفنانينا الذين نزهو بهم حتي الان، فهم بالجمع بين مزايا أهل الشرق و الغرب معلمو أجيال تعدي تأثيرهم مصر الي العالم العربي و احيانا دوليا، و هو بالتأكيد من ذلك الطراز الفريد الدءوب المعطاء الخلوق المسئول رقيق القول لطيف المعشر، و هو بتلك الإيجابية و الديناميكية لم يزل يري للحياة مباهج بعد التسعين، كروح تتجاوز آلام و حدود الجسد، فيمنح القدوة لمن يريد ان يكون دوما إيجابيا و فعالا، و ان يتمسك بالفطرة و القيم و التوافق النفسي و المجتمعي في عالم متغير.

اختاره الله في معيته، لكنه سيبقي مثالا للمسئولية المجتمعية و قدوة خلقا و علما.
وداعا يوسف الشاروني الإنسان