حكم عدم الخجل عند نظر المخطوبة بجرأة حال رؤية خاطبها.. يتساءل الكثيرون عن حدود العلاقة بين الخاطب والمخطوبة وهل هناك حد معين للرؤية وآداب شرعية تحدد التعامل بينهما خلال هذه الفترة لحين اكتمال عقد الزواج.
حكم عدم الخجل عند نظر المخطوبة بجرأة حال رؤية خاطبها
قالت دار الإفتاء، إن الخِطْبة بالكسر: طلب النكاح والتماسه، وهي مصدر في الأصل بمعنى الخطب، والخَطْب: الحاجة، ثم خُصَّت بالتماس النكاح؛ لأنه بعض الحاجات، يقال: ما خَطْبُك؟ أي: ما حاجتُك؟ وفي اشتقاقه وجهان:
(الأول): الأمر والشأن، يقال: ما خطبُك؟ أي: ما شأنُك؟ فقولهم: خَطَبَ فلان فلانة، أي: سألها أمرًا وشأنًا في نفسها.
(والثاني): أصل الخِطْبة من الخطاب الذي هو الكلامُ، يقال: خَطَبَ المرأة، أي: خاطبها في أمر النكاح، والخطب: الأمر العظيم؛ لأنه يحتاج لخطاب كثير. انظر: "المصباح المنير" للفيومي (مادة: خطب، 1/ 173، ط. المكتبة العلمية)، و"اللباب في علوم الكتاب" لسراج الدين الحنبلي (4/ 198، ط. دار الكتب العلمية).
وبينت أنه لعظم أمر النكاح وقداسة رابطته التي تجمع بين الزوجين وتؤلف بين عائلتيهما في علاقة نسب وصهرية؛ كان من الضرر الجسيم بناء هذه العلاقة الشريفة على دغل من الخداع والتدليس، وإخفاء ما يمكن أن يترتب عليه بعد ذلك نزاعٌ ونفرة بين الطرفين، ومن هنا كانت الحاجة ماسة لمشروعية الخطبة، وإتاحة النظر بين الخاطب والمخطوبة للتأكد من حصول الملائمة والقبول التام بينهما قبل الشروع في عقد النكاح، وما يليه من تكاليف وحقوق والتزامات متبادلة بين الطرفين، وقد جاءت الشريعة الإسلامية ملبية لكل هذه الحاجات على أكمل وجه، فجاز للرجل إذا كان جادًّا في طلب النكاح أن ينظر إلى المرأة ليتأكد من ملاءمتها له دون أن يكون استئذانها ولا استئذان أوليائها شرطًا في إباحة النظر للخاطب، فيجوز له النظر ولو على غفلة منها كما قال جمهور العلماء.
وفيما يتعلق بحقوق المخطوبة في النظر، ذكرت أن الخِطبة مجرد وعد بالزواج يمكن لأحد الطرفين فسخه متى شاء، لافتةً إلى أن للخاطب أن يستردَّ الشبْكة من مخطوبته إذا أراد ذلك ولو كان الفسخ من جهته؛ لأنها جزء من المهر الذي يُستحق نصفه بالعقد ويُستحق كله بالدخول.
وأكدت دار الإفتاء في فتوى لها أن الخاطب والمخطوبة أجنبيان عن بعضهما، وبقدر ما تكون البنت أصْوَنَ لنفسها وأحرص على عِفَّتِها وشَرَفِها وأبعد عن الخضوع والتكسُّرِ في كلامها وحديثها، بقدر ما تعلو مكانتها ويعظم قدرها عند من يراها ويسمعها وتزداد سعادتها في زواجها، ومن تَعَجَّلَ الشيء قبل أوانه عُوقِب بحرمانه.
ما الذي يباح للخاطب رؤيته ممن يريد خطبتها؟
قالت دار الإفتاء، إنه قد جاز للرجل إذا كان جادًّا في طلب النكاح أن ينظر إلى المرأة ليتأكد من ملاءمتها له دون أن يكون استئذانها ولا استئذان أوليائها شرطًا في إباحة النظر للخاطب، فيجوز له النظر ولو على غفلة منها كما قال جمهور العلماء.
وصرح بعض الفقهاء كالْأَذْرَعِيُّ من الشافعية وغيره، بأن الأولى للخاطب أن ينظر إليها بغير علم منها ولا استئذان؛ ليتجنب إخفاءها عيـبًا ظاهرًا فيها أو إظهارها تزينًا وحسنًا مصطنعًا فيفوت غرضه من النظر، وكذا ليتجنب إحراجها وإيذاءها إذا استأذنها ونظر ثم أعرض عنها، ولم يستبعد الحنابلة أن يكون النظر بلا إذن منها هو الأولى.
وأشارت الإفتاء، إلى أن الأصل في هذا الباب حديث أبي هريرة رضي الله عنه فيما رواه مسلم في "صحيحه" عنه قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟»، قَالَ: لَا، قَالَ: «فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا».
فدل بمنطوقه على أن مما شرع لأجله نظر الخاطب ومريد النكاح التأكدَ من خلو المرأة من العيوب الظاهرة أو الصفات غير المرغوبة، أو التأكد من قبول الخاطب لها على ما هي عليه في ظاهرها؛ وذلك للاحتراز عن وقوع النفرة والشقاق وتكدير العلاقة بينهما عند اكتشاف تلك الصفات أو العيوب بعد النكاح، ودلَّ الحديث بمفهومه على أن هذا النظر حق للمرأة أيضًا؛ لاشتراك كل منهما في حق الاحتراز عما ينفره ويكدر عليه حياته الزوجية؛ ولاشتراكهما في التضرر بحصول الفرقة، بل ضرر المرأة وأهلها يكون غالبًا أشد.
وجاء في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فيما رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه عن المغيرة بن شعبة، قال: خَطَبْتُ امْرَأَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟» قُلْتُ: لَا، قَالَ: «فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا»، ومعنى قوله عليه السلام: «أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» أي: أحرى أن تدوم المودة بينكما؛ كما قال الإمام الترمذي. فدلَّ الحديث على أن النظر للخطبة مشروع للوقوف على مدى الملاءمة وإمكان التآلف بين الرجل والمرأة، ولتهيئة نفس كل منهما للاندماج مع الآخر في أسرة واحدة وحياة كريمة، فالنظر للخطبة مستحب؛ لأنه يمهد لذلك ويعين عليه.
وورد في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، فيما رواه أبو داود في "سننه" وأحمد في "مسنده" عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ»، قال -يعني جابر-: "فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجها فتزوجتها".
وذهب جمهور العلماء إلى تقييد هذا الإطلاق بما عدا عورة الصلاة، فقالوا بجواز النظر إلى الوجه والكفين دون ما عداهما؛ لأن هذه الأعضاء ليست بعورة؛ ولأنه يستدل بالوجه على الجمال أو ضده، وبالكفين على خصوبة البدن أو عدمها؛ كما قال الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم"، ولأنها مواضع ما يظهر من الزينة المشار إليها في قوله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: 31]، وقد فسر جمهور العلماء من الصحابة ومن بعدهم الزينة الظاهرة بالوجه والكفين، نقل ذلك عن ابن عباس وأنس وعائشة رضي الله عنهم.
وفيما يتعلق بشرط استئذان المخطوبة في جواز نظر الخاطب إليها، أو عدم شرطه بحيث يستوي فعله وتركه، أو شرط عدمه بحيث يجوز النظر إليها وهي لا تعلم، ولا يجوز بعلمها؛ فبحسب الآراء السابق ذكرها قال جمهور العلماء بجواز النظر إلى الوجه والكفين فقط سواء استأذنها أو لم يستأذنها، وذكر الحنابلة أن رؤية ما يظهر منها غالبًا كشعر ورقبة وقدم وساق بغير علمها ولا إذنها لعله يكون الأولى، فيجوز على مذهبهم أن يستأذن في رؤية ذلك، وإن كان خلاف الأولى، واشترطوا كسائر الفقهاء أن يكون النظر من غير خلوة، وقالوا: إن شق عليه النظر أو كرهت المخطوبة ذلك بعث إليها امرأةً ثقةً تتأملُها ثم تَصِفُهَا له ليكون على بصيرة.
ومذهب المالكية أنه يكره للخاطب اسْتِغْفَالُهَا والنظر إليها بغير إذنها وهي لا تعلم؛ حتى لا تقع عينه على ما لا يجوز له رؤيته من العورات.
وشددت الإفتاء على أنه يستحب للخاطب أن ينظر إلى المرأة التي يريد خطبتها ونكاحها؛ ليكون على بصيرة من أمره، وأنه يحلُّ له النظر منها إلى الوجه والكفين بإذنها وبغير إذنها على القول الراجح المختار عند جمهور أهل العلم، وهذا ما عليه الفتوى.