حلفاء لأوكرانيا طلبوا منها تحديد الوقت الذي تكون مستعدة فيه للتفاوض مع روسيا
قلق في الولايات المتحدة وحلفاء أوكرانيا بشأن تناقص مخزونات الأسلحة والذخيرة لديهم
التطورات الأخيرة في خيرسون تقنع روسيا وأوكرانيا معا بإمكانية التفاوض
البيت الأبيض يطلب من زيلينسكي إبداء مرونة للانفتاح على تسوية تفاوضية مع روسيا
مع اقتراب حلول فصل الشتاء، وما يصاحبه من مخاوف بشأن أزمة التضخم واستمرار ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، ومليارات الدولارات التي قدمت إلى أوكرانيا في صورة مساعدات مالية وعسكرية، يتجدد الجدل داخل الولايات المتحدة عن المنعطفات التي يحتمل أن تأخذها الحرب التي دخلت شهرها التاسع.
وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية في تقرير لها أن الولايات المتحدة وحلفاءها تعهدوا بالاستمرار في دعم أوكرانيا، لكن هناك أصوات تتعالى في واشنطن بالتساؤل عن حجم الأراضي التي يمكن أن يكسبها أي من طرفي الحرب وتكلفة ذلك بالنسبة لكل منهما، لكن كبار المسئولين الأمريكيين يرجحون أن فرص أوكرانيا هي الأعلى في هذا الصدد، لا سيما بعد انسحاب القوات الروسية من مقاطعة خيرسون وتقدم القوات الأوكرانية لاستعادتها.
وقال الجنرال مارك ميلي رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، في كلمة له بالنادي الاقتصادي في نيويورك الأربعاء الماضي، إنه ينبغي على الطرفين أن يدركا أن النصر العسكري بالمعنى الحقيقي قد لا يتحقق بالقوة العسكرية وحدها، وأنهما بحاجة لإيجاد وسائل أخرى تقود إلى النصر، لافتا إلى أن الفرصة سانحة للانخراط في المفاوضات، وفي نفس اليوم الذي أعلن فيه ميلي عن رؤيته قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن الوقت المناسب لإطلاق عملية التفاوض قد يحين قريبا.
وبالنظر إلى احتمالية ألا تتمكن أوكرانيا من استعادة المزيد من أراضيها التي تسيطر عليها القوات الروسية خلال الأسابيع المقبلة، فإن بعض المسئولين في الولايات المتحدة وأوروبا يتوقعون أن يزداد الضغط الشعبي المطالب بالتوصل إلى تسوية للصراع.
وقال مسئول بإحدى دول غرب أوروبا، إن حلفاء أوكرانيا يطلبون منها في الوقت الحالي تحديد الوقت الذي تكون مستعدة فيه لبدء التفاوض مع روسيا وكلما أسرعت في اتخاذ هذا القرار كان ذلك أفضل.
ومن جانبهم يتفق المسئولون الأمريكيون مع بايدن في أن الوقت لم يحن بعد لاتخاذ مثل هذا القرار، وأن الأسابيع والشهور القادمة سوف تمنح الطرفين الفرصة للإقدام على هذه الخطوة، كما تساور المخاوف الولايات المتحدة وحلفاءها بشأن تناقص مخزون الأسلحة والذخائر لديهم بمعدل سريع، حيث قدمت الولايات المتحدة وحدها مساعدات لأوكرانيا بما يقارب 19 مليار دولار هذا العام فقط، وهو ما يفوق المساعدات الأوروبية بفارق كبير.
وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن إنه سينتظر ليرى ما إذا كانت أوكرانيا مستعدة للتوصل إلى تسوية مع روسيا، وإنه على الطرفين أن يضمدا جراحهما ويقررا ما الذي سوف يفعلانه خلال الشتاء، وستظهر الأسابيع القادمة مدى استعداد كل منهما لتقديم تنازلات من أجل السلام أم لا.
ويرى هؤلاء المسئولون الغربيون أنه من المهم أن تتحلى كييف بالمرونة المطلوبة للانفتاح على حل تفاوضي ينهي الحرب، وخلال زيارة له إلى كييف في الرابع من نوفمبر الجاري، نقل مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي جيك سوليفان رسالة من الرئيس بايدن إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والدائرة المقربة منه بهذا المعنى.
وقال اثنان من الدبلوماسيين الأوروبيين شهدا المحادثات بين سوليفان وزيلينسكي، إن الأول أوصى الثاني بضرورة أن يعيد ترتيب الأولويات وفقا لما يمليه الواقع على الأرض، وعلى رأسها الدخول في مفاوضات مع الجانب الروسي، بما يحقق أهداف كييف وبينها الهدف المعلن باستعادة أوكرانيا لشبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا إلى أراضيها عام 2014.
ولطالما أكد سوليفان وعدد من المسئولين البارزين في إدارة بايدن أن واشنطن لن تمارس أي ضغوط على كييف بشأن الانخراط في عملية دبلوماسية، وأنها ستركز على دعم أوكرانيا في جبهات القتال حتى تكون في موقع قوة حين تجلس إلى مائدة المفاوضات، وهو موقف يثير حيرة حلفاء الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي، لكن اثنين من كبار المسئولين الأوروبيين ذكرا أن مسئولي وزارة الخارجية الأمريكية قد طمأنوا شركاءهم الأوروبيون بشأن التحول الملحوظ في مواقف واشنطن من الحرب.
يذكر أن القوات الأوكرانية استولت على مدينة خيرسون جنوبي أوكرانيا إثر انسحاب القوات الروسية من عاصمة المقاطعة التي تحمل نفس الاسم يوم الجمعة الماضي، وهو ما يعد تطورا لافتا في مجريات الحرب ويمكن اعتباره بمثابة هزيمة رمزية للكرملين، وثاني أكبر تقدم للقوات الأوكرانية خلال أقل من ثلاثة أشهر، ومن المرجح أن ينهي احتمالية تقدم القوات الروسية صوب مدينة أوديسا وهي أكبر ميناء في أوكرانيا.
ومع هذا التقدم للقوات الأوكرانية على الأرض، أعلن الرئيس زيلينسكي وكبار مساعديه أن التفاوض مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن يصل إلى حد الاستسلام، ويرى عدد من حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين أن كييف ليست مضطرة للخضوع لشروط بوتين، وأنها تستطيع استعادة المزيد من الأراضي إذا استمر الدعم الغربي لها معززا موقفها في التفاوض.
وقال وزير دفاع لاتفيا أرتيس بابريكس إن حلفاء كييف لن يمارسوا أي ضغوط عليها، فهم يعلمون أن روسيا هي من بدأت الحرب وهي من يستطيع إنهاءها فورا إذا أرادت، واتفق معه عدد من قادة دول شرق وجنوب أوروبا، حيث يرون أن الضغط على أوكرانيا سيضعفها وسيخلق شعورا لدى شعبها أن كفاحه ضاع سدى، كما أنه سيوصل رسالة إلى روسيا مفادها أن الفرصة سانحة لتعافيها اقتصاديا، ويحقق هدفها في إحداث انقسام بين أعضاء الحلف، لذا يستبعد هؤلاء القادة أن توقف روسيا الحرب إلا بعد تحقيق كامل أهدافها الاستراتيجية.
وكان بوتين قد قال في وقت سابق إن روسيا منفتحة على خيار التفاوض، وأن كييف ستوافق عليه إذا أصدرت لها واشنطن الأمر بذلك، ورجح بعض المسئولين الغربيين أن التراجع الروسي في ميادين القتال دفع موسكو إلى التنازل عن شروطها المسبقة بشأن التفاوض، ومنها قبول المجتمع الدولي لضمها عددًا من الأقاليم الأوكرانية.
ورغم ذلك يقول مسئولون أمريكيون وأوروبيون إنهم لا يرون الكثير من المؤشرات على استعداد الكرملين لإجراء مفاوضات جادة، وقد اتفق وزراء خارجية مجموعة السبع خلال اجتماعهم الأخير على أن الأمر متروك لأوكرانيا لتقرر الظروف السياسية والعسكرية المناسبة لوقف إطلاق النار وبدء المفاوضات، وأصدر المشاركون في الاجتماع بيانا مشتركا قالوا فيه إن ادعاء الكرملين استعداده للتفاوض لا يمكن تصديقه بينما يصعد بوتين القتال.
وقال زيلينسكي الاثنين الماضي إن شروط أوكرانيا للتفاوض تتضمن استعادتها للأقاليم التي ضمتها روسيا، والحصول على تعويضات من الأخيرة، وتقديم مرتكبي جرائم الحرب الروس للمحاكمة.
ويعتقد بعض أعضاء حلف الناتو أن أوكرانيا ستحاول إحراز المزيد من التقدم على الأرض، حيث تهاجم المناطق القريبة من روسيا والتي تتواجد فيها القوات الروسية لفترة طويلة وتعزز دفاعاتها فيها باستمرار، في الوقت الذي تقصف فيه روسيا البنية التحتية الأوكرانية وتقطع الكهرباء والمياه عن ملايين الأوكرانيين.
وعلى الجانب الآخر يرى البعض أن الحرب لن تنتهي قريبا وأن أوكرانيا يمكنها الصمود أكثر من ذي قبل بفضل ترسانة الأسلحة الدفاعية التي وصلت إليها خلال الأسابيع الماضية والتي يمكنها اعتراض الصواريخ والطائرات المسيرة الروسية.
وقال دبلوماسي غربي إن حلفاء الولايات المتحدة كانوا يتخوفون من إقناعها لأوكرانيا بالجلوس إلى مائدة المفاوضات قبل التحول النسبي في موازين القوى على الأرض لصالحها.