الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مؤتمر المناخ Cop27

نهال علام
نهال علام

ربما لازال من المُبكِر إصدار حكماً نهائياً بخصوص مؤتمر المناخ cop27 الذي تنظمه مصر في نسخته الحالية، ولكن بعد ما سبق من أحداث وتداعيات يمكن التعليق بالرأي بشكل حيادي، فلا مجال للشك أن ما رأيناه لم يكُن أبداً عادي، وتلك عادة بلادي أن تبهرنا في كل حدث يُجرى على أرضها، ويُنظم بإيديها.

 

١٣٠ طائرة رئاسية حلقت في سماوات الأجواء المصرية لتحل ضيفاً على مؤتمر التغيرات المناخية، ٤٠ ألف ضيف مجتمعون في شرم الشيخ لرأب الصدع الذي ارتكبته البشرية في التعدي على حقوق الكرة الأرضية، حلوا أهلًا ونزلوا سهلاً في ربوع شرم الشيخ الذي تصيب من يزورها سحراً، وسط تغطية إعلامية مكثفة بحضور ٤ آلاف صحفي وإعلامي من ٤٥٠ وكالة وقناة وموقع إعلامي عالمي.

 

نقاشات وجلسات، تأملات وحوارات، أمنيات وإرادات، تضافرت لتغيير الواقع الملموس للغيب المأمول، استمعنا لما يحدث في الجانب الآخر من الأرض هذا الجانب الإنساني والمعاناة الحية التي تعجز عن نقلها التغطية الإخبارية، فربما تطالعنا النشرات المتواترة عن أنباء السيول والفيضانات والانهيارات والزلازل المتواترة، ولكن هناك جانب آخر للمأساة لا يجوز اختصارها في بضع منازل مهدمة وعدد من الأرواح المزهقة.

 

التأثيرات المباشرة للتغيرات المناخية واضحة، أما ما شهدناه من تداعيات جانبية وأثار تدميرية لتلك الغضبة البيئية هو ما جعل تقييم الأمور يجنح لأن ندرك أننا بلغنا مرحلة مفجعة، تجعل لتلك النسخة من مؤتمر الأطراف ضرورة حقيقية والخروج بتنفيذات ليس من باب الرفاهية.

 

ولكن بينما كنت أتابع الجلسات وكلمات الوجع والألم وبعض العبارات التي تحاول أن تحمل الأمل، شرد ذهني في رؤية مصر الاستباقية، وكيف كانت لها تلك الاستراتيجية الاستثنائية في التداعيات المناخية، في دولة لم تشهد الزلزال إلا مرة في عمرها، ولا تمتلك غابات وكل ما لديها أراض واسعة من الصحراوات.

 

أتعجب من قدرة القيادة السياسية على قراءة المستقبل بتلك النظرة الاستشرافية، في بداية تسلم مقاليد الحُكم ووسط زخم المشكلات الطارئة من أركان الدولة المتداعية وحدود الوطن المتربص بها ومحدودية الموارد وفاتورة الأوضاع الصعبة التي عاشتها مصر في السنوات التي تلت ٢٠١١، إلا أن التحول الأخضر كان في أجندة الرئيس كضرورة اقتصادية واجتماعية ذات مسؤولية حقيقية محلياً وعالمياً.

 

وإذا تذكرنا أنه في اتفاقية باريس التي شاركت مصر فيها بقوة وإيمان حقيقي رغم أن حجم انبعاثاتنا الكربونية ٠.٦٪؜، انسحب ترامب الرئيس الأمريكي الذي تتسبب بلاده في حجم انبعاثات يتجاوز ٢٠٪؜،


أما كلمة الافتتاحية التي أدلى بها رئيس الجمهورية المصرية على مرأى ومسمع من كل المحافل الدولية، كلمة أصابت كبد الواقعية وحازت على تقدير خاص وتأييد من كافة الحاضرين والغائبين لما اتسمت به من مصداقية، وهي بشأن حتمية توقف الحرب الروسية الأوكرانية، ليستعيد العالم هدؤه ويلتقط أنفاسه، بعد إن انهكته الآثار الاقتصادية.

 

شهدت تلك النسخة المناخية المنظمة على الأراضي المصرية الكثير من الأمور الغير تقليدية وتلك خاصة ببصمة الشراكة المصرية، وذلك من خلال مبادرتين واعدتين، الأولى مبادرة المنتديات الإقليمية الخمسة التي أسفرت عن ٤٠٠ مشروع إقليمي على مستوى العالم وسيتم عرض ٦٠ منها خلال المؤتمر لبدء التنفيذ الفعلي لها.

 

بالإضافة لمبادرة المشروعات الخضراء الذكية التي اطلقتها الحكومة المصرية وأيضاً ستعرض نتائجها خلال المؤتمر كنموذج لتوطين العمل فللمرة الأولى يتواجد الشباب بمشاركات فاعلة داخل المنطقة الزرقاء، بل ويشارك أيضًا الأطفال في إحدى الجلسات، كما شهدت تلك النسخة أكبر منطقة خضراء في تاريخ مؤتمر الأطراف بمساحة ١١ ألف متر مربع لتستوعب أكبر قدر من مشاركة كل الجهات المعنية، وهؤلاء ممن لديهم مسؤولية مناخية، وخاصة أن نسخة cop 27 هي الأضخم حضوراً والأكثر استقبالاً للمشاركين.

 

التخفيف والتكيف، ضمان التمويل العادل والتعاون في سبيل تحقيق العدالة المناخية هي الأهداف المأمولة من تلك المؤتمرات، وعلى مدار ٢٦ نسخة لم يكن هناك إلا شعارات فضفاضة وكلمات رنانة، ولكن في تلك النسخة يتطلع العالم صدقاً لطوق النجاة التي ستلقيه الدول الكبرى في إطار مسؤوليتها في ترميم ما أفسدته انبعاثاتها، وبالفعل للمرة الأولى نتطرق لحديث الأرقام وأولها المنحة الأمريكية لمصر لتمويل مشروعات الطاقة المتجددة والتحول الأخضر والتي بلغت ٥٠٠ مليار دولار، كما خصصت الولايات المتحدة ١٥٠ مليون دولار لأفريقيا للبدء في ذات الأمر.

 

ولأن لازال في cop بقية، فبالقطع سيظل الحديث متواصل في ذات الإطار دون محاولة استباقية، ونترقب عن كثب نحن وكل العالم ما سيحدث من مفاوضات واتفاقات على مدار الأيام القادمة، ولكن مما لا شك فيه أن تلك النسخة هي نسخة فارقة ذات علامة بارقة فيما مضى وما هو آت.

 

ولن تبقى إلا التحية الموصولة لجنود الظل شباب البرنامج الرئاسي والمتطوعين القائمين على تنظيم وترتيب فعاليات مؤتمر المناخ، فاللجنة المنظمة التى ابهرتنا مرات بتنظيم مؤتمرات الشباب السابقة والفعاليات المختلفة لم يكن غريباً عليها هذا النجاح الواعد، لجنة شباب من المصريين على مختلف خبراتهم ومجالاتهم وتعدد لغاتهم حيث تتواصل اللجنة بثلاثة عشر لغة مختلفة، استطاعت أن ترسم الضحكة على وجه الضيوف من صالات الوصول وحتى صالات المغادرة، وتلك هي الذكرى الباقية والرهان على إنسانية التجربة ومكسبها الحقيقي واستدامة البصمة المصرية في قلوب ضيوفها من كل بقاع الأرض.