احتلت صفقة استحواذ رجل الأعمال الأمريكي الكندي الملياردير إيلون ماسك على منصة التغريدات القصيرة تويتر حيزا لا بأس به من الاهتمام الإعلامي، اهتمام يعكس الدور المتعاظم الذي تلعبه مواقع التواصل الاجتماعي في حياة الناس على اختلاف ثقافاتهم وجنسياتهم ومعتقداتهم، لكن ما إن تمت الصفقة حتى وردت الأنباء عن محاولة ماسك فرض سيطرته على إدارة تويتر بشكل صدامي مع جمهور مستخدميها وموظفيها على السواء، وهو ما يراه البعض إيذانا بانهيار المنصة.
العلامة الزرقاء.. معركة إيلون ماسك الأولى مع جمهور تويتر
وما يبدو للمراقبين الآن أن ماسك يتخذ من القرارت ما يعجل بانهيار أشهر منصة للتدوينات القصيرة، وتمثل إشكالية الدفع مقابل توثيق الحسابات بالعلامة الزرقاء أول صدام بين ماسك ومستخدمي تويتر، ومن الممكن أن تدفع الكثير منهم إلى العزوف عن توثيق حساباتهم.
وحسبما أورد تقرير لمجلة فوربس الأمريكية، فإن إتاحة مزية توثيق الحسابات على تويتر تعود إلى عام 2009، وقد لاقت إقبالا كبيرا من مستخدميه بحلول عام 2010، رغم أنها اعتُبرت من دواعي الغرور ورغبة المستخدم في إظهار مدى أهميته، لكن مع مرور الوقت تضاءلت أهميتها في نظر المستخدمين الذين أثارت شغفهم في البداية، حيث سرعان ما اكتشفوا كونها أمرا شكليا لا يعطي مزايا إضافية لإمكانيات التدوين أو عدد متابعي الحسابات، وبحلول عام 2014 أدرك معظم المستخدمين أن الاهتمام المبالغ فيه بنشر التدوينات وجذب المتابعين سعيا وراء نيل علامة التوثيق الزرقاء يعد مضيعة للوقت.
وبهذا الإدراك انقسم مستخدمو تويتر إلى نوعين؛ هم المشاهير والعوام، وبات من الجلي أن حسابات المشاهير لا تمثل مسألة حياة أو موت لاستمرار التطبيق من عدمه، بل كان مستخدموه يضربون المثل يوميا على تزايد الإقبال على استخدام التطبيق حتى أصبح ركنا ركينا من ثقافة الناس في عالم اليوم، ومن المؤسف أن يتعرض تويتر لخطر الانهيار في وقت يرجح فيه أنه لم يعد مكونا ثقافيا يتمتع بنفس درجة الأهمية التي حظي بها سابقا.
تويتر يتحول إلى سجن
منذ أن أتم ماسك صفقة الاستحواذ على الشركة التي تدير التطبيق، اتخذ عدة قرارات من شأنها إحداث تغيير جذري في أسلوب إدارته، حيث منع العمل عن بعد وأقال نصف الموظفين وبعض المديرين التنفيذيين، في مؤشر على مدى صعوبة الفترة القادمة تحت قيادته، وقد ألمح ماسك مؤخرا إلى أن إفلاس شركة تويتر غير مستبعد، مقترحا إجراء تعديلات تضمن تحصيل نصف الأرباح عن طريق رسوم يدفعها المستخدمون.
ويأتي فشل سياسة الإعلانات ليعمق الأزمة، فقرارات ماسك تضر بها بدلا من أن تحسن استغلالها، ومن الواضح أنه يجهل أهمية بناء علاقات جيدة مع المعلنين، على الرغم من نجاحه في إدارة شركة تسلا لصناعة السيارات ورواج إنتاجها على مستوى العالم، لكن تويتر لا تصنع منتجات، بل يمكن اعتبار مستخدميها(عبر تدويناتهم) بمثابة منتجها الوحيد.
وفي شركة تأسست بناء على فكرة جني الأرباح من خلال عرض الإعلانات على المستخدمين، لا بد من التركيز على وضع خطة إعلانية حكيمة، ويبدو أن ماسك ينظر إلى تويتر باعتباره فضاءً لممارسة الديمقراطية، فهو يوفر مساحة مفتوحة ومتاحة للجميع للتعبير الحر عن الرأي، ومن المفارقة أن هذا ينطبق على منصات أخرى مثل "لينكس" و"ويكيبيديا" بالإضافة إلى المكتبات المحلية.
قرارات غبية.. إيلون ماسك يسيء فهم تويتر
وتصنف منصة تويتر باعتبارها شركة تجارية، فلا يجب أن تكون مفتوحة ومجانية بشكل كامل إلا إذا أصبحت كيانا غير هادف للربح، لكن من الصعوبة بمكان الجمع بين استهداف الربح من خلال بيع علامة التوثيق من جانب، والحفاظ على قيم الانفتاح والحرية من الجانب الآخر، فالأمران لا يجتمعان في كيان واحد.
وكان ماسك قد أعلن مؤخرا أن "تويتر مقبل على الكثير من الخطوات الغبية"، منها فرض 80 ساعة عمل أسبوعيًا على موظفي الشركة، وإلغاء الوجبة المجانية التي توفرها الشركة لهم، في خطوة يعتقد بها ماسك أنه يعيد هيكلة الإمبراطورية الاقتصادية للمنصة، وهي سياسة لها ما بعدها من التداعيات السلبية.
لكن قد لا يفكر رواد مواقع التواصل الاجتماعي بنفس الطريقة، فهم يرتادون تلك المواقع لأنهم يجدون فيها المرح ويتعلمون أشياءً جديدة كل يوم، فلا يعقل أن ينتظر أحد منهم المشاركة في إعادة التنظيم التأسيسي أو الاهتمام بالأمور الفنية لتلك المواقع أو ابتكار وسائل لتعظيم أرباحها، ويمكن القول إن الوقت قد فات لإحداث تغيير جذري على أي تطبيق، فالمنتج الذي يتعاطى معه الجمهور إما أن يكون جاذبا له أو لا يحتل أي مساحة من اهتمامه، ولا توجد منطقة وسطى بين الاختيارين.
وربما يكون ماسك قد اشترى شركة تويتر لمجرد أن يقيل طاقمها الإداري، وربما يعتقد أن وجود تطبيق مفتوح لرغبات كل من هب ودب من مستخدميه سيتبوأ موقعا مميزا في سوق منصات التواصل الاجتماعي رغم انعدام الأرباح الناتجة عن هذه السياسة تقريبا، أو ربما اشتراها لإشباع رغبته في التدوين ونشر الملصقات الساخرة.
ورغم هذه المعطيات لا يسع الجميع إلا أن ينتظر ويراقب ما إذا كان تويتر سيحتل مكانا بارزا كعملاق التواصل الاجتماعي على غرار المكانة التي تحتلها شركة تسلا في مجال التصنيع، أم ستجلب عليه إدارته الجديدة الوبال مثلما يحدث الآن في موقع فيسبوك بسبب تغير أسلوب الإدارة، بشكل ينذر بانهيار التكنولوجيا بوجه عام.