في كل مرة يعاني العالم من تأزم الأوضاع الاقتصادية، يبرز ارتباط العملات العالمية بـ سعر الدولار الأمريكي كأحد أهم عوامل الأزمة إن لم يكن سببها الرئيسي، ومع استحالة فك هذا الارتباط، تحاول دول العالم اتخاذ إجراءات للسيطرة على تقلب سوق الأوراق المالية ووقف تدهور قيمة عملتها.
ويسجل الدولار(وهو عملة التجارة الدولية) أعلى مستوياته تاريخيا أمام عملات العالم الرئيسية والوطنية على مدار عدة أشهر منذ مايو الماضي، ضاغطا على قيمة اليوان الصيني لتصل إلى مستواها المسجل عام 2008، وعلى اليورو والين الياباني عند مستوياتهما المسجلة عامي 2002 و1998 على الترتيب، وعلى الجنيه الإسترليني عند أدنى مستوى له تاريخيا.
وحسبما ذكر تقرير لصحيفة "إيكونوميك تايمز" الهندية، يعد الارتفاع الكبير لسعر الفائدة البنكية في الولايات المتحدة، وتباين السياسات المالية في أكبر اقتصادات العالم، من أهم عوامل قوة الدولار، كما أن التعثر الذي تعاني منه اقتصادات دول أخرى كانت تعد ملاذات آمنة للاستثمارات يمنح الدولار الأفضلية في فترات تعثر النمو وتجنب المخاطرة كما هو الحال الآن، وعلى سبيل المثال، قد أدى تدخل بنك اليابان (البنك المركزي الياباني) لدعم قيمة الين واختلال موازين التجارة الدولية إلى فقدان الين لوضعه كملاذ آمن.
ورغم أن بنك اليابان اشترى مبلغًا من الين بقيمة 20 مليار دولار أمريكي لأول مرة منذ عام 1998، فإن الين يظل ضعيفا، كما تتزايد التحديات التي يواجهها كل من الجنيه الإسترليني واليورو بشكل يكرس اختلال التوازن بينهما وبين الدولار مما ينذر بالخطر وبانهيار أكبر لتقييماتهما على المدى الطويل.
وتساهم التوقعات بتباطؤ النمو وعدم الرغبة في المخاطرة وقرارات الاحتياطي الفيدرلي (البنك المركزي الأمريكي) في في تدافع المستثمرين إلى شراء سندات الحكومة الأمريكية، التي تشكل حجر الزاوية ضمن عوامل ارتفاع الدولار، ولكي تعود قيمة الدولار للانخفاض أمام العملات الأخرى، أو على الأقل ترتفع بوتيرة أبطأ، يجب أن تتغير هذه العوامل، لكن هذا الهدف لا يزال بعيد المنال حتى الآن، بشكل تصعب معه السيطرة على أزمات الأسواق المالية، خاصة مع استمرار اتجاه الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة.
ومن المتوقع أن تنخفض وتيرة ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة مع بداية العام المقبل، لكن لا يعني هذا بالضرورة تعافي العملات الأخرى أمام الدولار، ففي بعض الأحيان في الماضي كان الدولار يستمر في الارتفاع رغم تدخل الاحتياطي الفيدرالي كما حدث عامي 1985 و2019، وفي حالة الوضع الراهن سيحتفظ الدولار بقوته أمام معظم العملات الرئيسية بسبب وضعه كملاذ آمن، وسط انهيار التجارة الدولية وارتفاع أسعار السلع.
ولا ينبغي استباق الأحداث بتوقع انخفاض الدولار بشكل كبير مستقبلا، لكن رغم ذلك قد يشهد عام 2023 تنوعا أكبر في سوق العملات الأجنبية، مما يتيح فرصا أوسع لاستعادة بعض العملات لقوتها في مختلف أنحاء العالم.
وفي هذه الأوضاع الاقتصادية غير المستقرة، يحسن خفض التوقعات وتبني افتراضات واقعية، فعادة ما يتجنب المستثمرون المجازفة بأموالهم في مناخ سياسي غير مستقر، ما يؤدي لارتفاع سعر صرف الدولار، ومن المرجح أن يؤثر مسار النمو الاقتصادي للصين على النظرة المستقبلية لحركة السلع، وإذا استمر معدل التضخم على ما هو عليه في الولايات المتحدة، فسيكون من الصعب على الاحتياطي الفيدرالي التوقف عن رفع أسعار الفائدة عندما تصل إلى 5% كما يستهدف، وقد يتجه إلى الاستمرار في رفعها إلى أعلى من هذه النسبة، وهو ما سيؤدي بدوره إلى ضغط الدولار بقوة أكبر على عملات العالم.