قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

صدى البلد

مكافحة التغير المناخي.. نحو مقاربة دستورية

د سارة الغراب
د سارة الغراب
×

تمثل الآثار السلبية التي تواجه دول العالم بسبب التغير المناخي تحديات كبرى ممتدة لن تنتهي بتحقيق شرط معين، وإنما أقصى ما يمكن للبشرية أن تنجزه هو خفض الآثار الناجمة عنه ومكافحته من خلال تضافر الجهود الدولية والعمل على سياسات متوازية تتضمن خفض الانبعاثات الناجمة عن استخدام الوقود الأحفوري من جهة وتقليل الاعتماد عليها في مجالات الصناعة، وفي الوقت نفسه دعم وتنفيذ وتمويل برامج تحقق التنمية المستدامة.


بين هذا وذاك يأتي السؤال الأهم ما الذي يضمن لشعوب الدول قبل الحكومات أن تلتزم كل دولة بمكافحة آثار التغير المناخي. فقد كانت القمة السادسة والعشرون الماضية قمة غير ناجحة لتقاعس الدول الغنية عن تقديم التمويل اللازم للدول الفقيرة المعرّضة لأخطار الجفاف وارتفاع منسوب مياه البحار والحرائق والعواصف. وأصرت كل من الصين والهند على تعديل البيان الختامي للقمة فيما يخص الوقود الأحفوري، حيث تبنى تسريع وتيرة مكافحة الاحتباس الحراري، دون أن يشدد على ضرورة تلبية طلبات المساعدة من الدول الفقيرة.

وعارضت الصين والهند التطرق إلى أنواع الوقود الملوّثة. ولم يتوقف الأمر عند دولتي الهند والصين، فحين طالب الميثاق الدول كافة إلى تسريع خفض انبعاثاتها، من خلال تقديم خطط وطنيّة جديدة بحلول 2022. قاومت الدول الغنية بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ذلك، بحذف أي إشارة في النص حول آلية تمويل للخسائر والأضرار التي تسبّب بها تغير المناخ في العالم النامي. وبدلا من ذلك، تمّ التعهّد فقط بحوار مستقبلي حول هذا الموضوع.


وبرغم عدم وجود اتفاق دولي ملزم لكافة الدول بخفض الانبعاثات الضارة بالبيئة وخفض استخدام الوقود الأحفوري، إلا أنه مع زيادة ضغوط الشعوب حول العالم، وتحديدا دول الغرب، على حكوماتها لمكافحة التغير المناخي، طرح البعض إمكانية أن تكون هناك نصوصا دستورية صريحة تلزم الحكومات بمعالجة آثار التغير المناخي والتقليل من نسب الانبعاثات بشكل دوري كل عام. وقد كانت الحكومة الفرنسية سباقة في الاستجابة لذلك، حيث أعلن الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون في ديسمبر 2020 إلى عقد استفتاء لتعديل الدستور وجعل مكافحة التغير المناخي وحماية البيئة بندا دستوريا. ولكن لم تكتب لهذه التجربة النجاح نظرا لسيطرة اليمين المتطرف على البرلمان وهو ما أعاق تنفيذ تلك الخطوة.


قد تقوم بعض الدساتير، كما في الحالة المصرية، على الزام الحكومات بشكل غير مباشر لمكافحة التغير المناخي. فعلى سبيل المثال يتضمن الدستور المصري بعض المواد التي تصب في ذلك منها المادة (44) والتي تؤكد حق المواطن في التمتبع بمياه النيل وتحظر التعدي عليه أو الإضرار بالبيئة النهرية. كذلك المادة (45) والتي تلزم الدولة بحماية البحار والشواطئ والبحيرات والممرات المائبة والمحميات الطبيعية وتحظر التعدي عليها أو تلويثها. فضلا عن التأكيد على حق كل مواطن في بيئة صحية سليبمة والتزام الدولة بالحفاظ عليها وعد الإضرار بها وذلك وفقا للمادة (46) من الدستور. ولم يقتصر الأمر على المياه فقط وإنما امتد للغذاء بتأكيد حق كل مواطن، في المادة (79)، في غذاء صحي ومياه نظيفة والتزام الدولة بتأمين الموارد بشكل مستدام، وأخيرا في المادة (93)، ألزم الدستور مؤسسات الدولة بالالتزام بالاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان التي تصدق عليها وأن لها قوة القانو وتتضمن المادة اتفاقيات اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخى واتفاق باريس للتغير المناخى.

لا شك أن هذا النهج وهذه المواد تأتي في إطار الحفاظ على البيئة وحماياتها من الإضرار بها، ولكن هذا النهج قد يكون قاصرا لكونه محدد أو مفصل بشكل كبير في بعض القطاعات دون الأخرى ولا يضع خطا عاما ملزما بشأن خفض الانبعاثات وخفض الاعتماد على الوقود الأحفوري وهو الأمر الذي تتهرب منه الدول الغنية أو المتقدمة دوما.

ولذا لابد من طرح نهج جديد في التعامل مع مكافحة التغير المناخي، بأن يتم استغلال قمة المناخ والمناسبات الدولية التي ترعاها الأمم المتحدة في الدعوة إلى وجود بند دستوري ملزم داخل كل دولة، وبعد استفتاء الشعوب عليها، في هذا الشأن، بالإضافة إلى دعم كافة الحركات والتنظيمات المهتمة بالمناخ وأن تدفع دول العالم لتحقيق هذا البند والذي يمكن اعتباره خطوة في سبيل الضغط على الحكومات لمكافحة وعلاج آثار التغير المناخي.