قيام الليل من سنن الأنبياء والأتقياء، قيام الليل هو الملاذ الذي يلجأ إليه المؤمنين، قيام الليل ينير وجوه أصحابه، فقيام الليل بمثابة مدرسة للمخلصين التي يتعلمون فيها التقوى، فقد قال الحسن البصري في قيام الليلعنما سأله أحد الناس: (ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوهًا؟ قال: لأنهم خلوا بالرحمن، فألبسهم نورًا من نوره)، وقد شرف الله النبي صلى الله عليه وسلم بالمقام المحمود نتيجة قيام الليل، فقال الله تعالى (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا).
قيام الليل هو حصن المسلم الحصين، وملاذه الذي يفر له، فهو ذلك الحبل المتين الذي يصله بالله سبحانه وتعالى، قيام الليليداوي جروح المسلمين ويغذي أراحهم، حيث أن الله يوزع الأرزاق في الثلث الأخير من الليل، وورد ذلك في السنة النبوية فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، حتى ينفجر الفجر) حديث متفق على صحته.
قيام الليل شرف المؤمن
قيام الليل شرف المؤمنلأنه من العبادات الجليلة التي لها منزلة خاصة عند الله عز وجل، قيام الليل من الخصال الحميدة التي تقربنا من الله، فقد جاء في قيام الليل شرف المؤمن في حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتاني جبريل فقال: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت وأحبب من شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزي به واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل وعزه استغناؤه عن الناس) رواه الحاكم والبيهقي وحسنه المنذري والألباني.
جاء في شرف قيام الليل أحاديث كثيرة وكذلك فضائل عديد منها، حيث أن قيام الليل من أفضل الصلوات التي لها ثواب كبير وأجر عظيم بعد الصلاة المفروضة، فقد جاء عن إن قيام الليلمن أفضل الطاعات بعد الصلوات المفروضة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل) رواه مسلم، وفي حديث آخر يبين القيمة الكبيرة التي تمتلكها صلاة قيام الليل، فعن صهيب بن النعمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الرجل تطوعا حيث لا يراه الناس تعدل صلاته على أعين الناس خمسا وعشرين).
قيام الليل من أفضل الأعمال التي يمكنها تكفير الذنوب، كذلك أيضا قيام الليليجلب الرزق للعبد ويزيده منه حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ: (ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل من جوف الليل ثم تلا قول الله تعالى من سورة السجدة: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) رواه الترمذي بسند صحيح.
قيام الليل يقرب العبد من ربه، فكل ما يسعى إليه العبد هو أن يكون قريبًا من المولى عز وجل كي يحقق سعادته في الدنيا والآخرة، عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول (أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الأخير فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن) رواه الترمذي، أمنية القلوب، وسعادة العبد، وقرة عينه أن يبقى قريبًا من الله.
يقع العبد منا كثيرًا في الغفلة، وخير ما يفيق المسلم من الغفلة ويطردها عن قلبه ويبقيه يقظًا هو قيام الليل، فقد جاء في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين) رواه أبو داود بسند صحيح.
قيام الليل كم ركعة
قيام الليل ليس لها عدد ركعات معين، لأنه ورد اللفظ فيه بشكل مطلق في قول الله سبحانه وتعالى: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) فلم يذكر الله في الآية الكريمة عدد معين من الركعات، النبي وأصحابه كانوا يقومون معظم الليل ويكثرون من العبادة، وقد وصف الله النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصفَهُ)، وهذا الوصف عام لقيام الليل بدون تحديد عدد ركعاته.
وقد ورد في عدد ركعات قيام الليلبالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان إحدى عشر ركعة، قالت السيد عائشة رضي الله عنها عندما سألت عن كيفية صلاة النبي لقيام في رمضان: (ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلى أربع ركعات، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعًا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثًا، فقلت يا رسول الله تنام قبل أن توتر؟ قال: تنام عيني ولا ينام قلبي)، كما ورد أيضا أن النبي صلى ثلاثة عشر ركعة، فقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها في وصفها لقيام الليل بالنسية للنبي صلى الله عليه وسلم: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاثة عشرة ركعة من الليل منها الوتر وركعتا الفجر).
قيام الليل الساعة كام
قيام الليل غير مقيد بوقت محدد، فهو متسع مثل صلاة الوتر وصلاة التراويح، قيام الليل يبدأ من بعد صلاة العشاء وينتهي مع طلوع الفجر، فمن الجائز أن يكون قيام الليلقي أول الليل أو في وسطه أو في آخره، حيث صلى النبي صلاة قيام الليل قي كل هذه الأوقات، فقد جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (ما كنا نشاء أن نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل مصليًا إلا رأيناه ولا نشاء أن نراه نائمًا إلا رأيناه).
لكن يظل الثلث الأخير من الليل هو أفضل الأوقات لقيام الليل، حيث ورد في حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنها أنه قال: (قلت يا رسول الله أي اللي اسمع قال جوف الليل الآخر فصل ما شئت)، كي ينال المسلم أجر قيام الليل وفضله كاملًا فيستحسن أن تكون صلاته في الثلث الأخير من الليل، فكلما كان وقت الصلاة متأخرًا من الليل كان الأجر أكبر، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (عندما سألت عن عمل النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: كان يحب الدائم، قال: أي حين كان يصلي؟ فقالت: كان إذا سمع الصارخ، قام فصلى)، ومعنى الصارخ هنا أي الديك الذي يصيح قبل بزوغ الفجر، أخرجه الأمام مسلم في صحيحه.
والسبب الذي يرجع إليه تفضيل قيام الليل في الثلث الأخير، أنه وقت النزول الإلهي، إذ أن الله سبحانه وتعالى يبسط فضله فيستجيب لعباده، ويغفر لهم، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حتى يبقى الثلث الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له) أخرجه البخاري في صحيحه.