الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

شرم الشيخ

نهال علام
نهال علام

لكل مكان حكاية، ولكل شخص مرّ به ألف قصة إذا تشابكت أطرافها قد لا تقيم رواية، فالمكان أحد العوامل المرتبطة بالزمان وأحياناً يتعلق بقدرتك على التذكُر أو النسيان!

ومما لا شك فيه أن للمكان عُمر، يهرم أو ينتابه الصبا بحسب ما قُدر له من تغيير أو تطوير، وقد يذهب في مجاهل الغيب والتهميش، وليس كل تطوير يعني الجميل من الملامح والتفاصيل، فأحياناً يد التغيير تكون هي مطرقة التدمير، فالأماكن كالشخوص تتأثر وتؤثر في كل ما يحيط بها، ولا تنطق إلا بما يفكر قادتها.

ولأبدأ بذاتي، وأطرح عليكم بعض قصاصاتي وبها غير القليل من ذكرياتي وإن اختصرت كلماتي.

زرت شرم الشيخ من عدة أشهر وكلي شغف، عولت أنه شغب مشاعر الفرح التي لازمتني إثر حضور مؤتمر الشباب، ولكن ما كان خفياً أصبح جلياً، فالمدينة عروس في أوجها، مسالمة ووديعة كم هي بديعة، شعرت برياح المحبة والسلام، ناعمة وبهية، جميلة وصبية، دون تفكير المدينة بها لمسات التغيير المغموس بالتطوير، والمدمغ بشعار الهوية الشرماوية ذات الصبغة المصرية.

ولأني كان لدي متسع من القلب وأظن بعض نضج من العقل، فجاء اكتمال النبأ أن ما أشعر به هو نتاج رؤية وطنية تبناها رئيس الجمهورية، وذلك ماجعل رسالة المدينة حقيقية ومرئية وبها مصداقية.

مدينة ساحرة ولكن لم يتجلَ سحرها إلا لمن آمن بها، فتحول أمرها من مدينة بها مسحة من الجمال، لبقعة هي قبلة للسحر والجمال.

وبعد أيام قليلة من رحيلي عن المدينة وقد تركت بصمتها في طيات روحي، إذا بها تعلن استضافتها لمؤتمر المناخ cop27 ويصاحب ذلك إعلان القيادة السياسية تحويلها لمدينة خضراء ذكية، كأول مدينة من نوعها في مصر، وعلى أن تكون بداية سلسلة التحول لباقي المدن المصرية.

ودار بذهني سؤال! كيف سيصبح شكل المدينة، التي ستتجمل على جمالها وكيف ستبدو عندما يزداد بهائها!
ولأن داء الأيام أنها قصيرة، فقد مرت سريعة واليوم أكتب لكم من جنبات المدينة الخضراء الذكية الساحرة الفريدة.

المدينة تحولت من الهوية البصرية للبصمة الدماغية فلن تسلى ما تبصره إلا لو ذهب عنك رأسك، شرم الشيخ تحولت لقطعة فنية، لوحة رسمت بإبداع وسط الجبال التي تقف شامخة وضاحكة لما تراه من تحول أخضر وتغير أبيض.

سائق السيارة الذي أقلني من المطار وهو شاب صعيدي ظل يحكي بانبهار أن شرم أصبحت أحلى من أوروبا، ضحكت من حماسه وسألته وهل رأيت أوروبا لتحكم بتلك الثقة! 

فأجابني بذات الثقة أنه لم يرَ أوروبا، ولكن يومياً يرى ويتحدث مع عشرات الأوروبيين، وهم من أخبروه أن شرم الشيخ أصبى وأجمل من بلادهم ونقل لي عن لسانهم، أمنياتهم بأن يقضوا فيها ما بقي من حياتهم.

في جوانب المدينة حركة مستديمة للسيارات الذكية التي تعمل بالغاز وفق مبادئ الاستدامة، والأتوبيسات التي تعمل بالكهرباء، والفنادق التى تعتمد على الطاقة المتجددة وأعمدة الإنارة التي تعمل بالألواح الشمسية، حيث تم إنشاء ٣ محطات طاقة شمسية على أطراف المدينة.

افتتحت الحديقة المركزية على مساحة 40 فدانا بمنطقة المثلث الأخضر، تُعد الحديقة المتنفس الرئيسي بمدينة شرم الشيخ، حيث تحتوي على مسارات للمشاة بطول حوالى 2500م، وأماكن للترفيه، ومسرح مكشوف لإقامة الفعاليات الثقافية والفنية، إلى جانب توافر ساحات وأماكن مخصصة لإقامة المعارض، كما تحتوى على مول تجاري، ومجمع للبنوك، والعديد من المطاعم المختلفة، إضافة إلى وجود بحيرات مائية، وعدد من نوافير المياه، وحديقة مخصصة للأطفال، وتصل مساحة المناطق الخضراء، داخل الحديقة المركزية إلى 25 فدانا تضم مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأشجار.

ومن معالم التحول الكبيرة في المدينة الممشى السياحي الذي يبلغ طوله ١٠ كم وعرض ١٠ أمتار، وهو ليس بممشى رياضى فقط ولكن متنزه فني حضاري بمثابة معرض فني مفتوح.

هل حدثتكم عن الجبال التي تمت إنارتها فبدت كالنجوم التي تشق ظلام الليل، وهل أخبرتكم عن تدريب العاملين والمقيمين أنفسهم على كيفية التعامل الأخضر مع البيئة، وتطوير مهاراتهم للتعامل مع السائحين، هل أطلعتكم على تطوير المطار ومضاعفة قدرته الاستيعابية لتصل إلى ١٠ ملايين شخص سنوياً، ولكن المطار على مستوى البشر والحجر ينطق بما طرأ عليه من تطوير النظام والمنظومة.

أماكن انتظار السيارات مخططة ومميكنة بالكامل، المقاعد الذكية في الطرقات والحدائق والتي تعمل بالطاقة الشمسية لتتمكن من شحن هاتفك دون استخدام كهرباء مصدرها وقود أحفوري، سيارات الأجرة مزودة بكاميرات وتطبيق لتحديد تحركاتها.

الفنادق تخلصت من الأكياس البلاستيكية، ومن أجمل ما رأيت زجاجات المياه الزجاجية التي تم صنعها بأيادِ مصرية، ويتم إعادة تدويرها، كما أن المدينة بأكملها مجهزة بسلال القمامة المخصصة لإعادة التدوير، كما أنها بها ماكينات لتجميع الزجاج والبلاستيك والعبوات المعدنية، ألم أحدثكم إنها خضراء.

تم إنشاء ثلاثة كباري علوية لتسهيل الحركة في التقاطعات الحيوية، كما خضعت ٢٠٠ كيلومتر من الطريق للتجديد بما يتماشى مع المعايير العالمية، ومع تلك التفاصيل أصبحت المدينة أكثر عبقرية.

شرم الشيخ مدينة عالمية بهوية مصرية، وصبغة ذكية، وناس مهنية، ارتقت لمستوى المدينة والمسئولية، ولا يسعني من الكلمات إلا تمني تكرار تلك التجربة الحضارية في جنبات البلاد، وزيارة شرم الشيخ مدينة السلام كلما أوتينا من النصيب سبيلاً، وهي الروح التي تهفو لما يشبهها، وأنا أهفو إليها قبل أن أتركها.

فسلام على أرض المحبة والسلام، من قلب خرج منها يحمل بحجم الأرض سلاماً ومحبة وفخر، لكل ما قدمته القيادة السياسية لمصر وفي مقدمتها شرم الشيخ، وقبل ساعات من مؤتمر المناخ أهلاً بضيوف مصر الكرام وكلنا من شمال مصر لجنوبها وليست مدينة السحر وحدها تقع علينا مسئولية، فالضيوف على أرضنا ومن كل بقاع مصر هم على رأس اهتماماتنا، ونحن لها.