ناقشت لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشيوخ خلال اجتماعها يومي الأحد والإثنين التقرير المقدم من النائب محمود بكري عضو اللجنة بعنوان "رؤية لترسيخ قيم الشخصية المصرية كأحد مرتكزات الأمن القومي"، تناول فيها التغيرات التي طرأت علي الشخصية المصرية خاصة بعد مشاهدته مصر من أحداث أعقبت أحداث 25 يناير 2011، مطالبا بتشكيل هيئة مستقلة لبناء الإنسان لصياغة رؤية استراتيجية لمواجهة ما تعرضت له الشخصية من تشويه.
وجاء نص التقرير كما يلي :
احتلت دراسة الشخصية مكانة مهمة، وتعرف الشخصية بأنها محصلة عدة عوامل تعمل في وحدة متكاملة تنتج من تفاعل عدة سمات جسمية ونفسية وتحدد أسلوب تعامل الشخص مع مكونات بيئته.
كما أنها ذلك النظام الدقيق المتماسك، المتفرد الديناميكي لمجموعة الصفات الثابتة نسبياً ـ والتي يمكن التكهن بها أيضاً ـ للسلوك الإنساني وللتفكير البشري، تلك المكونة للإنسان الفرد في تفاعله مع الآخرين، والمؤسِسَة لاستجاباته المختلفة لشتى المؤثرات الاجتماعية المحيطة به.
ويعتبر الإهتمام بشخصيات أبناء المجتمع مسألة بالغة الأهمية في وقتنا الحاضر، لذا نرى التسابق بين مختلف دول العالم للإسهام في تربية الإنسان المطلوب وإعداده لهذا العصر. والشخصية المصرية فى قيمها وسلوكها انعكاس للبناء الاجتماعى الذى نعيش فيه، ومن ثم فليست لديها خصائص ثابتة ولكن خصائصها مرنة تقبل التطويع وتحقق لها قدر عال من التكيف.
وتميزت الشخصية المصرية على مر عصور طويلة بسمات كانت أقرب إلى الثبات ولذلك يعتبرها العلماء سمات أصيلة، لتمييزها عن سمات فرعية أو ثانوية قابلة للتحريك مع الظروف الطارئة.
فالمصرى تميز بكونه: ذكيا، متدينا، طيبا، فنانا، ساخرا، عاشقا للاستقرار. وكان هذا يشكل الخريطة الأساسية للشخصية المصرية فى وعى المصريين ووعى غيرهم , وقد أدى إلى الثبات النسبى لهذه السمات ارتباطها بعوامل جغرافية ومناخية مستقرة نسبيا .
حدثت تحولات نوعية فى بعض السمات وتحولات نسبية فى سمات أخرى، فمثلا استخدم البعض ذكاءه فى الفهلوة، وتعددت صور التدين بعضها أصيل وبعضها غير ذلك، وقلت درجة الطيبة وحل محلها بعض الميول العنيفة أو العدوانية الظاهرة أو الخفية، وتأثر الجانب الفنى فى الشخصية تحت ضغط التلوث والعشوائيات، وزادت حدة السخرية وأصبحت لاذعة قاسية أكثر من ذى قبل وأحيانا متحدية فجة جارحة، أما عشق المصرى للإستقرار فقد اهتز كثيرا بعدما أصبحت البيئة المصرية طاردة نحو الخارج بحيث أصبح حلم كثير من الشباب السفر إلى أى مكان لتحقيق أهدافه بعد أن أصبح متعذرا تحقيق الآمال والأحلام على أرض الوطن.
وبناء على ما سبق يمكن القول أن شخصية المصري تغيرت وفقاً واستجابة لتغيرات بيئته المحيطة، تلك البيئة التي تشكل في مجملها ذلك الجوّ المحيط الذي يترعرع فيه الطفل وينشأ: البيت، الأسرة، الجيران، الحي، الأقارب، المدرسة، الشارع، المجتمع، الوطن.
من ناحية أخرى، فقد صاحبت أحداث يناير تغيرات جذرية على الشخصية المصرية من الاتجاه نحو الفوضوية وعدم الفهم السليم للحرية، وتحول مفهوم النقد إلى السخرية، وتحدث الغالبية في أمور غير مدركين لها أو مهيئين لأبعادها، وتجاوز القانون وحرق وتخريب مؤسسات الدولة، مما أدى إلى اهتزاز البيئة القيمية للمجتمع المصري.
إضافةً إلى تأثر الشخصية المصرية نتيجة الفترة الانتقالية الصعبة التي صاحبت أحداث يناير، من سقوط النظام السياسي وما صاحبه من تدهور للوضع الاقتصادي وانخفاض في الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وعجز كبير في الموازنة، وانخفاض قيمة العملة المحلية، وارتفاع سعر الدولار وارتفاع معدلات التضخم، وهروب رجال الاعمال المحليين إلى الخارج، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية، وانخفاض مستوى المعيشة نتيجة الحالة الاقتصادية للدولة وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
علاوة على أن أحداث يناير خلقت حالة من الذعر لدى المواطنين، وعدم شعور المواطن المصري بالأمان، وضعف الانتماء لديه نتيجة حالة الفوضى، بالإضافة إلى زيادة معدل الجريمة وانتشار السرقة ومظاهر البلطجة في الشارع المصري، وانتشار الجرائم المستحدثة التي لم تكن معروفة من قبل كالعنف والتحرش وخطف الأطفال والتنمر واللامبالاة وعدم احترام خصوصيات الآخر ولا حرماته. كما شهدت تلك الفترة زيادة في الاعتصامات والاحتجاجات والمطالب الفئوية، والضغط على صانعي القرار خلال هذه المرحلة الانتقالية على قبولها برغم الوضع السيء وعدم تحمل الموازنة العامة للدولة على تحمل كل هذه المطالب الفئوية.
هذا إلى جانب وسائل التواصل الاجتماعي والتي كانت منصة الدعوة لأحداث يناير، بالإضافة لكونها منصة إطلاق الشائعات والتحريض على العنف والتخريب والتنمر، حيث لا ننسى في هذه الفترة أن داومت القوات المسلحة المصرية على إرسال رسائل نصية قصيرة على الهواتف المحمولة تحث فيها الشعب المصري على “ضبط النفس والحفاظ على مقدرات الوطن”، علاوة على أن سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لفئات الشعب المصري وخاصة الشباب والأطفال بدون وعي ورقابة أدى إلى تفكك الأسرة المصرية وتغيير المفاهيم الأساسية المعروفة عن التنشئة والتي طالما تميزت بها الأسرة المصرية وكانت بها الأكثر تماسكًا وثباتًا.
خلاصة ما سبق أن السنوات التي أعقبت أحداث 25 يناير 2011 أثبتت أن الشخصية المصرية فقدت تكاملها الداخلي، وساد التناقض والإزدواجية بين الملامح الأساسية لمفرداتها التقليدية وذلك وفقًا لما شهدته الأنساق المجتمعية من تراجع وتشوه في كافة مبادئها.
كما رصدت الدراسات السوسيولوجية أيضًا شيوع ما يسمى بأزمة الفساد الأخلاقي والتسيب واللامبالاه ، وعدم الانضباط والفوضى الأخلاقية وعدم الالتزام وزيادة حدة العنف والتطرف بأشكاله المختلفة وظهور أنواع مستحدثة من الجرائم التي كان لها انعكاساتها على بنية الشخصية المصرية، فأصابتها بالتشوه والسلبية فأصبحنا نبحث عن ملامح المصري الأصيل الشهم.