كيف تكون البركة في الرزق ؟، لعل البركة من أهم المسائل التي تشغل الكثيرون، ليس فقط لأن نزعها من الأشياء تجعلها من علامات قيام الساعة، وإنما كذلك لارتباطها بالرزق ، الذي يعد حاجة أساسية للبشر مادامت الحياة، وهذا ما يطرح السؤال عن كيف تكون البركة في الرزق ؟، خاصة وأن البركة في الرزق هي النماء والزيـادة، وهي الرخاء والسعة في الأرزاق المعنوية والمادية المشروعة، وهي كل شيء يدخل البهجة والفرحة على النفس، ما يشير لأهمية معرفة كيف تكون البركة في الرزق ؟.
كيف تكون البركة في الرزق
كيف تكون البركة في الرزق ؟، ورد أننا نسمع كلمة البركة كثيرًا ولكن لا نجدها فى حياتنا، فلا يوجد بركة فى الرزق أو فى الوقت، وذلك لبعدنا عن أسباب جلب البركة لطغيان متاعب الحياة المادية على الناس، من هنا يمكن تحديد كيف تكون البركة في الرزق ؟، والتي تتحقق بعدة أعمال ، وهي :
أولاً: تلاوة القرآن الكريم: قال تعالى : { وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ } [ الأنعام92 ] ، وقال تعالى : { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ } ، فالقرآن الكريم جعله الله تعالى بركة من خلال تدبره والسير على تعاليمه فى شؤون الحياة، ولهذا قال نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم عن البيت الذى يتلى فيه القرآن: "تسكنه الملائكة تهجره الشياطين ويتسع بأهله ويكثر خيره"، كما أن قراءة القرآن الكريم من جملة الأعمال الصالحة النافعة المباركة ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ ، فَإنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعاً لأصْحَابِهِ " [ رواه مسلم ]، فالله عز وجل يرفع بالقرآن أقواماً ، ويخفض به آخرين ، فوا أسفا على من هجر القرآن ، وغفل عن فضله وشرفه ومكانته وبركته .
ثانيًا : البسملة وذكر الله والدعاء: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان لأصحابه لا مبيت ولا عشاء"، والدعاء من أجَلِّ العبادات ، وأرفعها منزلة عن ملك الأرض والسموات ، فالدعاء هو العبادة ، والدعاء صلة بين العبد وربه ، فيجب على العبد ألا يغفل عن هذا الباب العظيم ، والحبل الممدود بين الله وبين عبيده ، فبالدعاء تستجلب البركة والرحمة والمغفرة من الله الرحيم الرحمن ، وهناك أمثلة على الدعاء الذي ينفع الإنسان وينفع غيره وبه تستجلب البركة والخير في الرزق والعمر والمال والولد.
ثالثا: الصدقة: من أسباب البركة على البيت التصدق خاصة صدقة السر فإنها تطفئ غضب الرب.
رابعا: بر الوالدين ، وصلة الرحم : بر الوالدين وصلة الرحم من أعظم أسباب استجلاب البركة ، بركة العمر ، وبركة المال ، وبركة الوقت ، وبركة الأبناء ، وهكذا دواليك ، ثم إن البر والصلة متصلة بالله تعالى ، من وصل رحمه وصله الله ، ومن قطع رحمه قطعه الله تعالى ، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الكبائر : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس ، واليمين الغموس " [ رواه البخاري] ، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم : أي الأعمال أحب إلى الله ؟ قال : " الصلاة لوقتها " قلت : ثم أي ؟ قال : " بر الوالدين " قلت : ثم أي ؟ قال : " الجهاد في سبيل الله " قال : حدثني بهن ولو استزدته لزادني [ متفق عليه ] ، وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره ، فليصل رحمه " [ متفق عليه ] ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من سره أن يبسط له في رزقه ، وأن ينسأ له في أثره ، فليصل رحمه " [ رواه البخاري والترمذي ] ولفظه قال : " تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ، فإن صلة الرحم ، محبة في الأهل ، مثراة في المال ، منسأة في الأثر " [ صححه الألباني رحمه الله ] ، ومعنى منسأة في الأثر : يعني به الزيادة في العمر . وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن صلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار تزيد فى الرزق وتطيل العمر.
خامسا: التبكير فى طلب الرزق: جاء فى الحديث الشريف "بورك لأمتى فى بكورها" أى الخروج لطلب الرزق باكرا، أي البكور في كل أمر : فعن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم بارك لأمتي في بكورها " [ أخرجه أحمد ] ، فالبكور فيه خير وبركة ، ومن أعظم البكور ، أن تصلي الفجر في وقتها مع جماعة المسلمين ، ولا تؤخرها إلى ما بعد طلوع الشمس ، فليس ذلك ببكور ، بل ذلك تأخير وفتور وضمور ، ومن البركة أن تعمل بتجارتك وأعمالك باكراً ، وتسافر باكراً ، فكل ذلك مجلبة للبركة ، وفوز بحصول بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن صخر الغامدي رضي الله عنه ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اللّهُمَّ بارِكْ لأمَّتِي في بكورهم " قال : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية بعثها أوّل النهار ، وكان صخر رجلاً تاجراً ، وكان لا يبعث غلمانه إلا من أوّل النهار ، فكثر ماله حتى كان لا يدري أين يضع ماله " [ أخرجه أحمد وأخرجه الترمذي وقال : حديث حسن ] .
فهذه بركة في المال والرزق بسبب البكور ، فما أعظم البكور في العمل ، لبركة الرزق والراتب المترتب على ذلك ، فكم من الناس من حصَّل الملايين وأكثر جراء البكور في العمل ، وعلى العكس من ذلك ، فكم من الناس من خسر بسبب التكاسل ، وعدم الاستيقاظ مبكراً ، فلا يأتي عمله إلا متأخراً ، حتى نُزعت البركة من ماله والعياذ بالله ، فليكن البكور هو همك ودأبك ، لتنال الدعوة المحمدية ، والبركة النبوية .
سادسا: إقامة الصلاة: إقامة الصلاه لوقتها، قال الله تعالى: "وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ".
سابعا: التوكل على الله حق توكله: لما ورد فى الحديث: "لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصا وتروح بطانا"، والتوكل مأخوذ من الوكالة ، وكل فلان أمره إلى فلان : أي فوض أمره إليه ، واعتمد فيه عليه ، فالتوكل عبارة عن اعتماد القلب على الموكل ، ويجب أن يكون حال العبد مع ربه في التوكل ، كحال الطفل مع أمه لا يعرف سواها ، ولا يشكو لغيرها ، ولا يفضي إلا لها ، ولا يعتمد إلا عليها ، وإن حصل له أمر ، فأول خاطر يخطر على قلبه ، وأول سابق إلى لسانه : يا أمَّاه ، فمن كان تألهه إلى الله ، ونظره إليه ، واعتماده عليه ، كُلِّف به كما يكلف الطفل الصبي بأمه ، فإذا مسته ضراء قال : يا الله ، وإن أصابته سراء قال : الحمد لله ، هكذا فليكن التوكل على الله والاعتماد عليه في كل شؤون الحياة .ولا يعتقد شخص أن التوكل على الله ، ترك التكسب ، وهجر العمل ، والبقاء في البيت بانتظار الرزق دون فعل الأسباب ، ومن اعتقد ذلك فقد ضل عن سواء السبيل ، بل ذلك أمر محرم في الشرع .
والشرع قد أثنى على المتوكلين ، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي غُفر له ما تقد من ذتبه ، وما تأخر ، والذي يرعاه ربه في كل شؤونه ، ومع ذلك فهو صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة مهاجراً إلى المدينة ، لم يخرج دون فعل الأسباب ، بل استأجر من يدله على الطريق ، وأخذ الزاد والراحلة التي توصله إلى قصده ، هذا هو التوكل المحمود ، أن تبذل الأسباب ، وتعتمد على المسبب وهو الله سبحانه وتعالى ، فلن يضيعك ما اعتقدت ذلك ، وعن عمر بنِ الخطاب رضي الله عنه قال : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم يقول : " لو أنكم تتوكلونَ على اللَّهِ حقَّ توكلهِ ، لَرزقَكم كما يَرْزُقَ الطَّيرَ ، تغدوِ خماصاً ، وتروحُ بِطَاناً " [ رواه الترمذي وقال : حسن صحيح ، وابن ماجة ] ، الطير تغدو صباحاً تبحث عن قوت لها ولصغارها ، فتذهب في الصباح الباكر ، عند بزوغ الشمس ، ولا تعود إلا وهي شابعة من فضل الله تعالى ، وتعود بالرزق لصغارها ، لتطعمهم إلى اليوم التالي وهكذا .
ثامنا: مواصلة الاستغفار: والاستغفار بحد ذاته مصدرا للرزق كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب".
تاسعًا : الرضا بالقضاء : عن ابنِ عبّاسٍ رضيَ الله عنهما قال : لما كان بينَ إِبراهيمَ وبينَ أهلهِ ما كان خرجَ بإِسماعيلَ، ومعهم شَنةٌ فيها ماءٌ، فجعلَتْ أمُّ إِسماعيلَ تشرَبُ من الشَّنَّةِ فيَدِرُّ لبنُها على صبيِّها حتى قَدِمَ مكةَ فوَضعَها تحتَ دَوحةٍ، ثمَّ رَجع إِبراهيمُ إلى أهلهِ، فاتبعَتْهُ أمُّ إِسماعيلَ حتى لما بلَغوا كداءَ نادتهُ من ورائهِ: يا إِبراهيمُ إلى من تَتركُنا ؟ قال: إلى الله. قالت: رضيتُ بالله. قال: فرجعَت فجعلَت تَشرَبُ منَ الشَّنَّةِ ويدِرُّ لبنُها عَلَى صبيِّها، حتى لما فَنِيَ الماءُ قالت: لو ذَهبتُ فنظرتُ لعليِّ أُحسُّ أحَداً. قال: فذَهَبت فصعِدَتَ الصَّفا فنظرت ونظرت هل تُحِسُّ أحداً ؟ فلم تحِسَّ أحداً. فلما بَلغتِ الوادي سَعَت وأتَتِ المروةَ، ففعلَتْ ذلك أشواطاً، ثمَّ قالت: لو ذهَبتُ فنظرتُ ما فعلَ ـ تعني الصبيَّ ـ فذهَبَتْ فنظرتْ فإِذا هو على حالهِ كأنهُ يَنشغُ للموت، فلم تُقرَّها نفسُها، فقالت: لو ذهبتُ فنظرتُ لعليِّ أُحسُّ أحداً، فذهبتْ فصعِدتِ الصفا فنظرت ونظرت فلم تُحِسَّ أحداً، حتى أتمتْ سبعاً، ثم قالت: لو ذَهبتُ فنظرتُ ما فعل، فإِذا هي بصَوتٍ، فقالت: أغِثْ إن كان عندَكَ خيرٌ، فإِذا جبريلُ، قال: فقال بعَقِبهِ هكذا، وغَمزَ عَقِبَهُ على الأرضِ، قال: فانبثقَ الماء، فدَهَشَتْ أمُّ إسماعيلَ فجعلت تَحفِرُ، قال: فقال أبو القاسمِ: لو ترَكَتْهُ كان الماء ظاهِراً، قال: فجعَلَت تشربُ منَ الماء ويَدِرُّ لبنُها على صَبِيِّها. قال فمرَّ ناسٌ من جُرهُمَ ببطن الوادي فإِذا هم بطَيرٍ، كأنهم أنكروا ذلك، وقالوا: ما يكونُ الطيرُ إِلا على ماءٍ، فبعثوا رسولهم فنظَر، فإِذا هم بالماء، فأتاهم فأخبرهمِ، فأتَوا إليها فقالوا: يا أم إِسماعيلَ أتأذَنينَ لنا أن نكونَ معَكِ، أو نَسكُنَ معكِ ؟ فبلغَ ابنُها فنكحَ فيهم امرأةً. قال: ثمَّ إِنهُ بدا لإبراهيمَ فقال لأهلهِ: إِني مُطَّلِعٌ ترِكتي. قال: فجاءَ فسلَّمَ فقال: أينَ إسماعيلٌ ؟ فقالتِ امرأتهُ: ذهبَ يَصيدُ. قال: قولي لهُ إذا جاء: غَيرْ عَتبةَ بابك. فلما جاءَ أخبَرَته، قال: أنتِ ذاك، فاذهَبي إلى أهلِكِ. قال: ثمَّ إنه بَدا لإبراهيمَ فقال لأهلهِ: إِني مَطَّلِعٌ تَرِكَتي. قال فجاء فقال: أين إسماعيلُ ؟ فقالتِ امرأتهُ: ذهبَ يَصيدُ، فقالت: ألا تَنزلُ فتطعَمَ وتَشرَب ؟ فقال: وما طعامكم، وما شرابُكم ؟ قالت: طعامُنا اللحمُ وشرابُنا الماء ـ قال: اللّهمَّ باركْ لهم في طعامِهم وشرابهم . قال: فقال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: بركةٌ بدعوةِ إِبراهيم. ثمَّ قال إنه بَدا لإبراهيمَ فقال لأهله: إِني مُطَّلِع تَرِكتي، فجاءَ فوافقَ إسماعيلَ من وراءِ زَمزَم يُصلِحُ نَبْلاً له، فقال: يا إسماعيلُ إِنَّ ربَّكَ أمرَني أن أبنيَ لهُ بَيتاً. قال: أطِعْ ربَّك. قال: إِنه أمرَني أن تُعِينَني عليه، قال: إِذَن أفعَلُ ـ أو كما قال. قال: فقاما فجعل إبراهيمُ يبني وإِسماعيلُ يُناوِلهُ الحجارة، ويقولان : { رَبَّنا تقبَّلْ منّا إِنكَ أنتَ السميعُ العَليم } [ البقرة 127 ] [ متفق عليه ] .
عاشرا: سور البقرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه ، اقرءوا الزهراوين : البقرة وآل عمران ، فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف ، يحاجان عن أصحابهما ، اقرءوا سورة البقرة ، فإن أخذها بركة ، وتركها حسرة ، ولا تستطيعها البطلة - السحرة- " [ أخرجه مسلم ] .
أحد عشر : تقوى الله عز وجل : قال تعالى : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [ الأعراف96 ] .ولو أنَّ أهل القرى صدَّقوا رسلهم واتبعوهم واجتنبوا ما نهاهم الله عنه, لفتح الله لهم أبواب الخير من كلِّ وجه, ولكنهم كذَّبوا, فعاقبهم الله بالعذاب المهلك بسبب كفرهم ومعاصيهم. إذاً ما هي التقوى ؟ لقد عرف جمع من أهل العلم التقوى بتعريفات مختلفة في المعنى ، متوافقة في المضمون ، قال الحَلِيمي : حقيقة التقوى فعل المأمور به ، والمندوب إليه ، واجتناب المنهي عنه ، والمكروه المنزه عنه ، لأن المراد من التقوى وقاية العبد نفسه من النار ، وهو إنما يقي نفسه من النار بما ذكرت ، وقيل التقوى : أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية ، بفعل الطاعات ، واجتناب المنهيات .وقال علي بن أبي طالب رضي الهج عنه : التقوى : العمل بالتنزيل ، والخوف من الجليل ، والرضا بالقليل ، والاستعداد ليوم الرحيل .قال تعالى : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً } [ الطلاق2-3 ] ، فالتقوى تزيد في بركة العمر والرزق ، ويحصل المتقي مطلوبه منها .
إثنا عشر: الاستخارة : قيل : ما خاب من استشار ، وما ندم من استخار ، فالإنسان قبل أن يُقدم على أمر ما ، كشراء سيارة ، أو شراء أرض أو منزل ، أو أقدم على الزواج من امرأة أو أسرة معينة ، فإنه ينبغي له ألا يقدم على ذلك حتى يستشير أهل الخبرة من الناس في ذلك ، ليدلوه على الطريق الصواب ، وإن كان رأيهم يحتمل الخطأ والصواب ، لكن يسأل الثقات الأثبات ، وتعالى الله عن عباده علواً كبيراً ، فليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، ينبغي لكل مسلم ألا يقدم على أمر حتى يستخير الله تعالى ، فعند الله الخيرة ، وعنده الخير لعباده ، وقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك ، فإذا أراد المسلم أن يقدم على أمر من الأمور ، فعليه بالاستخارة ، يستخير رب الأرض والسماء ، فهو سبحانه أعلم بما ينفع عباده ، وهو سبحانه الهادي إلى أفضل الطرق ، وأقوم السبل .
عن جابرِ بنِ عبدِ اللّه رضيَ اللّهُ عنهما قال : " كان رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُعلِّمُنا الاستخارةَ في الأُمورِ كما يُعلِّمنا السورةَ منَ القرآنِ يَقولُ : " إذا همَّ أحدُكم بالأمرِ فلْيَركعْ رَكعتَينِ منِ غيرِ الفريضةِ ، ثمَّ لِيَقُلْ : اللَّهمَّ إني أستخيرُكَ بعلمك ، وأستَقدِرُكَ بقُدرَتِكَ ، وأسألُكَ من فضلكَ العظيمِ ، فإنَّكَ تَقدِرُ ولا أقدِرُ ، وتَعلمُ ولا أعلَمُ ، وأنتَ علاَّمُ الغُيوب ، اللهم إِنْ كنتَ تَعلم أن هذا الأمرَ ـ ثم يسمِّيه بعينِهِ ـ خيراً لي في عاجلِ أمري وآجِلِهِ ـ قال : أو في دِيني ومعاشي وعاقِبةِ أمري ـ فاقدُرْه لي ويَسِّرْه لي ثم باركْ لي فيه ، وإن كنتَ تَعلم أنه شرٌّ لي في ديني ومعاشي وعاقبةِ أمري ـ أَو قال في عاجِلِ أمري وآجِلِه ـ فاصرفه عني ، واصرِفني عنه ، واقْدُرْ لي الخيرَ حيثُ كان ثم رضِّني به " [ أخرجه البخاري ] .
ثلاثة عشر: البعد عن الفسق : والفسق نوعان : فسق أكبر : مخرج من ملة الإسلام ، كالكفر والنفاق ، أو جحد أمر من أمور الدين كأركان الإسلام ، وأركان الإيمان ، أو تحليل أمر محرم معلوم من الدين بالضرورة ، كتحليل الربا أو الزنا أو اللواط ، أو السرقة وغير ذلك كثير .فسق أصغر : وهو ارتكاب الذنوب ، واقتراف المعاصي ، دون حل لها ، بل يعلم أنها حرام ، ومع ذلك يتبع هواه والشيطان ، ويعصي الرحمن ، فهذا فسق لا يخرج من دين الإسلام ، لمعرفة العبد حرمته ، ولكن تجرأ على المعصية اتباعاً للهوى والشهوات ، فهذا على خطر عظيم إن لم يتدارك نفسه بالتوبة النصوح ، والعودة إلى الله تعالى قبل الموت .
قال تعالى : { قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ } [ التوبة53 ] .المنافقون ينفقون أموالهم كيف شاءوا ، وعلى أي حال ، طائعين أو كارهين , لن يقبل الله منهم نفقاتهم ; لأنهم قوم خارجون عن دين الله وطاعته.فمن لم يتقبل الله منه ، فليس في نفقته بركة ، وسيعود ألم ذلك على الشخص نفسه .
ومن تقبل الله منه نفقته ، فهو على خير كبير ، وأجر عظيم ، وما وقع بلاء ولا فتنة ولا نُزعت بركة إلا بذنب ، ولا زادة بركة ورفع بلاء إلا بتوبة .
أربعة عشر: من أراد بركة الدنيا وخيرها في الآخرة ، فليعمل عملاً صالحاً ، ولتكن غايته رضا ربه وخالقه ، فينتفع بما يأخذه من الدنيا بالتنمية ، وفي الآخرة بأجر النفقة [ فيض القدير6/3277 ] .عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قالَتْ : قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : " إن الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ ، فَمنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا بَارَكَ اللّهُ لَهُ فِيهَا ، وَرُبَّ مُتَخَوِّضٍ في مَالِ اللّهِ وَرَسُولِهِ لَهُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " [ رواه الطبراني بإسناد حسن ، وصححه الألباني في الصحيحة برقم 1592 ، وفي صحيح الجامع 1/3410 ] . وَعَنْ عَبْدِ اللْهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولَ : " إن الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، فَمنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا بَارَكَ اللّهُ لَهُ فِيهَا، وَرُبَّ مُتَخَوِّضٍ فِيمَا اشْتَهَتْ نَفْسُهُ لَيْسَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ النَّارُ " [ رواه الطبراني في الكبير ورواته ثقات وصححه الألباني في صحيح الجامع وهو في الصحيحة 4/123 ] . وكم من الناس من فقدوا البركة لأنهم أخذوا الأموال من الحرام ، وساهموا بها في الحرام ، وأنفقوها في وجوه الإثم والعدوان ، فكانت النتيجة محق لبركة المال ، واستمتاع الزوجة به والأولاد بعد ممات وليهم ، ثم يحاسب على ماله من أين اكتسبه ، وفيم أنفقه ، فليحرص العبد جاهداً أن يكون ماله حلالاً ، ولا يأكل إلا حلالاً ، ولا يُطعم ماله إلا تقي نقي ، فهناك البركة والخير العظيم . فمن أخذ هذه الدنيا بحقها ، وعلم أن لله فيها حقاً ، وأنفق وتصدق ، فهذا مبارك له في ماله وعمره وولده ووقته .قال تعالى : { وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } [ الروم 6-7 ] .
أسباب البركة في الرزق
- تقوى الله - عزوجل - والتقرب إليه بالطاعات
- التوكل على الله - سبحانه وتعالى - مع الأخذ بالأسباب
- التسمية في كل الأحوال
- الذكر والدعاء
- شكر الله تعالى وحمده
- التوبة والاستغفار
- السعي في الكسب أخذا بالأسباب
أنواع الرزق
- رزقُ الإيمان: فالمؤمن بربّه والمؤمن بوجوده هوَ صاحبُ رزقٍ عريض وعطاءٍ عظيم، ولأنّ الرزق هوَ نفعٌ للإنسان ومن مميزاته أنّهُ يأتي دوماً بالخير، فالإيمان رزقٌ يؤدّي بصاحبهِ إلى دُخول الجنّة والسعادة في الدُّنيا والآخرة.
- رزقُ العِلم والفقه والحِكمة: فالعِلم هو ميراث الأنبياء، وكذلك الحِكمة هيَ عطاء عظيم؛ لأنَّ الله قالَ عمّن أوتي الحكمة بأنّهُ أوتيَ خيراً كثيراً، وكذلك الفقه والفهم هوَ رزق واسِع؛ لأنَّ من يُرِدِ اللهُ بهِ خيراً يُفقّههُ في الدين.
- رِزق الصحّة والعافية: الصحة هيَ نعمةٌ ورزقٌ لا يملكها كثيرٌ من الناس، ومن كانَ مُعافىً في بدنه فكأنّهُ قد ملكَ الدُنيا بأسرها، فليست نعمةٌ في الدنيا -بعدَ الإيمان بالله- تعدلُ نعمة الصحة والعافية.
- رِزق المال: وهوَ رزقٌ يعتاش منهُ الإنسان، ويقضي بهِ حوائجه، وينتفع بهِ هو وأهله.
- رزق الزوجة الصالحة: فإن الزوجة الصالحة من الرزق الذي يهبه الله لعباده، وبذلك جاءت الإشارة النبويّة؛ حيث صحَّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (الدُّنيا متاعٌ، وخيرُ متاعِ الدُّنيا المرأةُ الصَّالحةُ).
- رِزق الذُريّة الصالحة: رزقُ الذريّة الصالحة من خير ما يتحصّل عليه الإنسان في الدنيا؛ لأنَّ الذريّة الشقيّة تُشقي صاحبها وتُشقي المُجتمعات، بينما الذريّة الطيّبة تَسعد بها أنت ومن حولك، وهي قُرّةُ عين ومصدر للسعادة.
- رزق محبّة الناس : فالإنسان القريب من الناس والمألوف عندهم هوَ شخصٌ محظوظ قد ألقى الله لهُ القَبول في الأرض وبين عباده، فكم من شخصٍ ذائع الصيت بكرمِ أخلاقه وحُسن سُمعته! وكم من شخصٍ منبوذ بين الناس مُحتقَر عندهم بغيض إلى قُلوبهم!.