تحظى قضية تغير المناخ باهتمام واسع يجعلها موضوع الساعة، خاصة في أوساط الباحثين المعنيين بمشكلات البيئة وضرورة المحافظة عليها، فمن موجات الحرارة والجفاف إلى انخفاض الدخل الفردي والقومي، تعيد الأزمة تشكيل وعي البشر وسلوكهم، ويجتهد العلماء في إيجاد حلول لها على الصعيدين البيئي والاقتصادي على حد سواء.
وكلفت الموجات الحارة التي تتسبب فيها الأنشطة البشرية الاقتصاد العالمي ما يقرب من 16 تريليون دولار منذ تسعينيات القرن الماضي وفقا لما أوضحته دراسة أجريت في هذا الشأن.
وحسبما ذكرت صحيفة الجارديان البريطانية، تناولت الدراسة الآثار الاقتصادية للارتفاع الشديد في الحرارة على البنية التحتية والنشاط الزراعي والقدرة الإنتاجية وصحة الإنسان وغيرها من القطاعات.
وقال جاستن مانكين أستاذ مساعد علم الجغرافيا في كلية دارتماوث والباحث المشارك في الدراسة التي نشرت في مجلة "ساينس أدفانسز"، إن التكلفة الاقتصادية التي يتكبدها العالم بسبب الاحتباس الحراري أكبر مما كان متوقعا، ومن المرجح أن تزداد مستقبلا.
وأشارت الصحيفة إلى أنه الرغم من انخفاض معدل مساهمة المناطق الاستوائية في الانبعاثات الكربونية، إلا أنها تتحمل مع دول النصف الجنوبي من العالم بشكل عام الجزء الأكبر من الأعباء الاقتصادية الناتجة عن الاحتباس الحراري، بسبب مناخها الطبيعي الحار الذي يفاقم الشعور بآثار الموجات الحارة، بالإضافة إلى ضعف اقتصادها الذي يجعلها عرضة للأزمات الاقتصادية والتكاليف المرتفعة للتكيف مع أزمة المناخ.
وبالاستعانة ببيانات 66% من سكان العالم، فقد راجع الباحثون في الدراسة قياسات درجات الحرارة للخمسة أيام الأكثر حرارة في الفترة بين عامي 1992 و2013، وقارنوها ببيانات اقتصادية محلية لنفس الفترة مقسمة حسب المناطق.
وأوضح كريستوفر كالهان الباحث بكلية دارتماوث وأحد أعضاء فريق العمل بالدراسة، أنها أظهرت طيفا واسعا من الآثار على الناس والاقتصادات.
وأضاف أن الموجات الحارة تقتل المحاصيل الزراعية وتسبب بعض الاعتلالات الصحية كضربات الشمس، وكذلك آثار أخرى كتزايد الميول العدوانية لدى الأشخاص وإصابات العمل، كما تخفض كفاءة الأداء العقلي.
ووفقا لما قاله ليوني وينز الباحث بمعهد بوتسدام لأبحاث آثار المناخ، وهو ليس عضوا مشاركا بالدراسة، فإن الدراسات التي تناولت هذا الموضوع حتى الآن مبنية على متوسط المعدلات، لكن هذا قد يؤدي إلى إغفال آثار الأحداث المحلية والمؤقتة.
وأكد وينز أن الدراسات لم تظهر مدى معاناة الإنسان من ارتفاع الحرارة، وما هو المهم بالنسبة له وما يؤثر على صحته وإنتاجيته وتصرفاته المتطرفة وتقلباته المزاجية من يوم لآخر ومن أسبوع لآخر.
وكشفت الدراسة أن أغنى دول العالم كأوروبا وأمريكا الشمالية، تعاني من نقص نصيب الفرد السنوي من الناتج الإجمالي المحلي بنسبة 1.5% بسبب الارتفاع الشديد في الحرارة، مقارنة بالدول ذات الدخل القومي المنخفض مثل الهند وإندونيسيا، التي سجل نصيب الفرد من الناتج الإجمالي المحلي فيها انخفاضا سنويا بنسبة 6.7%.
ولفت مانكين إلى أن من يتحمل القدر الأكبر من الخسائر الاقتصادية لأزمة المناخ هي الدول الأقل دخلًا وغير المنخرطة أو المستفيدة من النشاط الصناعي، ويتم تشجيع تلك الدول على التطور وتنفيذ مشاريع تنموية صناعية لمواكبة عجلة الاقتصاد العالمي الذي يستغلها بشكل ظالم، وهي إذ تتبنى مثل هذه الاستراتيجيات الاقتصادية، تفاقم من معاناتها جراء الاحتباس الحراري الذي تساهم فيه الدول المتقدمة في النصف الشمالي من العالم بالقدر الأكبر.