الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إوعى تكره الفقير

نهال علام
نهال علام

بني الإسلام على خمس، وفطرت الحياة على ذات الخمس، ولم تختلف المسيحية واليهودية على فلسفة تلك الخمس، بل حتى الديانات الأرضية والمبنية على الركائز الروحية القائمة على التعددية لم تبتعد عن المفاهيم الأساسية لتلك المعتقدات السماوية.

وإذا ذهب ذهنك أن تلك التراكيب العقائدية هي حفنة من الممارسات الجسدية، فآثم هو عقلك، فذلك درب من تجاهل الحكم الكونية، فخلف كل ركيزة سلسلة من القيم العزيزة، أولها التوحيد لفكرة والإخلاص لتلك البذرة.

صلة ربانية، طاعة قلبية لقدرة الذات الإلهية، تحكمها مسميات عادلة، التسامح والمحبة والرحمة والإيثار، والتواضع والتعاون والتغافل والتعامل مع الأقدار، ومد يد العون وذلك من شيم الشُطار. 

كثيرة هي المعاني الإنسانية، ومهما كانت عقيدتك، فالأجمل هو ممارسة ذلك الرقي الأخلاقي في معاملاتك اليومية، والعظيم والأصل في الرسالة هو انعكاساته على كل ما يحيط بك من معاملات بشرية وخطط مالية ومقدرات وطنية.

شهدنا في الأيام السابقة وقائع المؤتمر الاقتصادي، وهو المؤتمر النوعي الرابع في تاريخ مصر الحديثة، وجاء المؤتمر برؤية واضحة وهي وضع خارطة طريق أكثر تنافسية للثماني سنوات القادمة والتي تفصلنا عن 2030، والقضاء على العقبات التى تعرقل الاستثمارات الأجنبية والمحلية مع وضع حُزم لتشجيع الصناعات المحلية والنهوض بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة.

وجاء كل ما سبق جلياً في جلسات المؤتمر الممتدة على مدار ثلاث أيام والمتعاقبة في أثنائه، ولكن ما كان استثنائياً هو حديث الرئيس في افتتاحية المؤتمر وأحداثه الختامية، والذي أشار فيه لمفهوم المؤتمر الحقيقي في رؤيته الشخصية، وهو تغيير حال المواطن الأكثر احتياجاً والقضاء على الفقر الأكثر إذلالاً.

خرج عن المؤتمر العديد من التوصيات، وجذبت أنظار الكثير محاور الجلسات، ونالت المخرجات قدرا كبيرا من استحسان وتوافق صناع القرار، ولكن الشفافية الصادمة والمكاشفة الحاضرة والأرقام الغير كاذبة، كانت بلا شك عنوان المؤتمر في ذاكرة التاريخ، وكلمات الرئيس ستظل محفورة في وجدان المصريين لسنين وسنين، فلم يألف المصريون من يصارح ويكاشف ويتجاوز الإعجاز فيما حققه، ليتحدث عن العجز فيما لم يبلغه، قُط المصريين جمل وهموم المواطنين لا يمكن اختصارها في بعض جُمل، لذا فما يشعر به المواطن حاضر على طاولة العرض في أي مكان يطأه الرئيس على الأرض.

"إوعى تكره الفقير" من أبرز توصيات الرئيس في المؤتمر الاقتصادي، فهى عبارة إنسانية بصبغة اقتصادية، وتبعها بعبارة أكثر عبقرية بها مفتاح الداء والطريق للدواء "نكره الفقر ونعمل جميعنا على تغييره"، عبارة بها اختصار الآليات الفاعلة التي يجب أن تكون دستور عمل للمصريين، موارد محدودة زيادة سكانية غير مسبوقة وتركة ثقيلة لا تزال آثارها موجودة، انعكست على فقر وعوز لقرابة ٦٠٪؜ من الشعب المصري، ولولا جهود الدولة في العمل على تحسين تلك الأوضاع والعلاج العميق والجذري، لكنا على شفا وطن هار.

أغلظ الرئيس القسم عدة مرات، تحدث بارتجال عن يد الله التى ما فارقت هذا الوطن، عن البركة والعناية الإلهية التى شملت أرجاءه وحلت فوق جنباته، حديث الرئيس فيه روحانية صادقة وإن كانت غير اعتيادية، وليست لغة رسمية تتسم بالروتينية، والغريب في الأمر أن خوان الأرض والعرض، معترضون على هذا الحديث، ولكن ربما لأنهم اعتادوا التجارة باسم الله فاعتقدوا أن الجميع على نهجهم فيصعب عليهم استيعاب أن الرئيس يتاجر مع الله.

في الثماني سنوات المنصرمة أنفقت الدولة ٢٥ مليار جنيه على برنامج تكافل وكرامة، و٢٣ مليار جنيه لتغطية ٦ محافظات بنظام التأمين الطبي الشامل، كما تم مراجعة منظومة التموين وتوجيه الدعم لمستحقيه بدعم يصل ٣٦ مليار جنيه سنوياً، مليارات أنفقت على منظومة الصحة توجت بالقضاء على ڤيروس سي وإنهاء قوائم الانتظار والعديد من المبادرات التى تكتشف المرض قبل أن يفتك بصاحبه، ولن ننسى فاتورة إرهاب قاربت على النصف تريليون جنيه لحماية رغبة المصريين أن لا يحكمهم مرشد ولا عميل.

أما “حياة كريمة”، تلك المبادرة العظيمة التى جائت لتكون طوق نجاة لملايين لم يعرفوا من الحياة إلا اللا آدميتها، مناطق خطرة أمنياً وإنسانياً تم إحلالها واستبدالها بحياة طبيعية تكفل للمواطن سقف يأويه وصرف يعافيه وماء يغنيه وطعام يكفيه وعمل يحميه هو ما تم تقديمه من خلال تلك المبادرة.

وكل ما سبق وصفه الرئيس بخطوة من ألف خطوة يعتزم تقديمها، بعد سنوات طويلة من التردي والقبح كان لزامًا أن يتذكر المصريين أننا ماكنا يوماً أهلاً لذلك القبح، ولكن هذا الاصلاح الاقتصادي الاجتماعي الإنساني يجب أن يكون له ثمن، فالأمم لا تبنى إلا بالهمم، وذلك ما فعله الرئيس الذي غامر بشعبيته ولم يهتم إلا بمسئوليته عن الإصلاح الذي لم يعد هناك مفر منه وإلا ذهب الوطن مع الرياح، وعلى أصحاب الصياح والنواح التحلي بشجاعة الاعتراف، أن مصر كانت على محك الانهيار في البشر والحجر وذلك أصعب ما يواجهه وطن.

جمهورية الإنسان هي العنوان الذي يجب أن نستوعبه ونعمل على فهم فاتورته، وهي ليست بالسهلة أو الهينة، خاصة مع مطرقة الجائحة وسنديان الحرب الروسية الأوكرانية وشبح التغيرات المناخية، ولكن عدم التغيير والتطوير وتناول الدواء المُر يعني فاتورة أكثر فداحة لن ينفع معها أي أفكار صداحة، فقط الرؤية الطراحة التي تتضمن كما وعد الرئيس وأوفى، شقة في متناول الجميع، عمل لكل من يستطيع، طريق لا يعرقل حركة المواطنين، موانئ ومطارات تجذب المستثمرين، واستصلاح زراعي يسد الرمق ويحمينا من العوز في ظل سلاسل الغذاء المتوقفة لأمد خارج الحدود المتوقعة.

خرج الخبراء في المؤتمر الاقتصادي بأفكار اقتصادية، وأوضحت الدولة أرقاما حقيقية، وتحدث الرئيس في ملفات الدولة على كل الأصعدة وهو مليء بالثقة الربانية، حديث اتسم بعلمية التفكير وعقلانية التدبير وروحانية الضمير، والضمير إذا لم يستند على قيمة ومعتقد راسخ فهذا مأزق كبير، لذا تلك المسحة الصوفية الروحانية في شخص الرئيس التي تتقبل الآخر وتؤثر الغير قادر، وتحترم معتقدات الجميع وتعمل بطاقة اليقين.

اطمأن قلبي، أن غداً سيجد أبنائي عدالة الفرصة وعدم الاعتماد على الحظ والصدفة، لذا اليوم ليكن مشغولًا ببناء الابن والوعي والوطن في سبيل غد تعرف الهوية عنوانه والرفاهية طريقه، وذلك مشوار طويل ولكن ليس مستحيلا إذا فهمنا ما يحيط بنا على مستوى العالم من تغيير، حفظ الله مصرنا الحبيبة.