لم تعد أزمة التزود بالمواد الاستهلاكية والغذائية في تونس وانقطاعها من الأسواق والمحلات التجارية مقتصرة على بضائع دون أخرى، لكنها شملت خلال الأسابيع الماضية أغلب المواد الأساسية التي صار العثور عليها بمثابة المهمة المستحيلة التي يخوضها عدد من التونسيين يوميا.
وشكل انقطاع مادة الحليب من الأسواق خلال الأسابيع الأخيرة، بعد فترة من الاضطراب على امتداد أشهر، هاجسا لا فقط لدى المستهلكين في ضوء الحاجة الماسة للحليب في نمط الاستهلاك اليومي للتونسيين، وإنما أيضا لدى الفلاحين ومنتجي الألبان، وذلك وسط اتهامات بلجوء المنتجين لسياسة المضاربة والاحتكار بهدف زيادة أسعار بيع الحليب المعد للتعليب.
وفي وقت اعترفت وزارة الفلاحة في تونس بالاضطراب المسجل في التزود بالحليب متعهدة بإيجاد حل لإنهاء الأزمة في وقت سريع، تواصل انقطاع إنتاج الحليب، وانعكس ذلك مباشرة على افتقاده من المحلات التجارية، مما أصبح ينبئ بأزمة حادة، وذلك في ضوء تداول تصريحات من مسئولين في إتحاد الفلاحة والصيد البحري، المنظمة المهتمة بشئون المزارعين بأن مادة الحليب ستفتقد نهائيا من تونس في غضون أسبوع واحد.
وسجلت الفضاءات التجارية الكبرى ومسالك توزيع الحليب نقصا فادحا منذ أكثر من عام، إذ إن أزمة الحليب لا تبدو وليدة الأشهر الأخيرة ولكنها تعود إلى 2021، بحسب ما أكده مدير الإنتاج الحيواني بالاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، منور الصغيري، في تصريحات صحفية.
ووفقا لـ"سكاي نيوز عربية" قال الصغيري: "أزمة انقطاع الحليب من أكبر الأزمات التي تسجلها البلاد في المواد الأساسية والاستهلاكية وأكثرها امتدادا، ذلك أنها تعود إلى النصف الثاني من سنة 2021 تقريبا، وتحديدا منذ تسجيل أسعار الأعلاف التي يتم توريد موادها الأولية من الخارج ارتفاعاً مهولا لم يتزامن معه ارتفاع في سعر الحليب عند الإنتاج، أي أن الفلاح الذي يتحمل عبء زيادة أسعار الأعلاف حافظ على نفس تسعيرة بيع الحليب عند الإنتاج".
وتابع الصغيري: "الأعلاف التي تقدم للأبقار لإنتاج الحليب هي أساس الأزمة، فالمعلوم أن كلفتها تصل إلى 65 في المائة من إنتاج الحليب، وتبلغ بحسب العملة التونسية 1.65 دينار (ما يقارب 0.55 دولار) للتر الواحد، وبالتالي في حال استمرت أسعار البيع على ما هي عليه الآن، سيكون من الصعب جدا أن يتواصل الوضع على هذه الشاكلة وسيجد الفلاحون أنفسهم أمام حتمية التوقف عن الإنتاج لارتفاع التكلفة".
وبدأت أزمة انقطاع الحليب منذ النصف الثاني للعام 2021، وسط نقص فادح في توفر هذه المادة الأساسية في نمط الاستهلاك اليومي، قبل أن تتحول إلى معضلة حقيقية استفحلت خلال الأشهر الأخيرة وسط اتهامات للموزعين باحتكار الحليب لترفيع أسعاره، فيما أطلق منتجو الألبان ومربو الأبقار جرس الإنذار حول انهيار منظومة الإنتاج، بسبب الخسائر اليومية التي تناهز بحسب تقديراتهم 300 دينار (100 دولار يوميا).
وكانت وزارة الفلاحة تعهدت في بداية شهر أكتوبر الجاري بإيجاد حلول للأزمة، وذلك بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الفلاحين ومنتجي الألبان، إلا أن النقص الفادح في توفر الحليب في المحلات لا يزال مستمرا وسط مخاوف من استفحال الأزمة.