لطالما عُد الذهب استثمارا فعالا لحماية مدخرات الأفراد من الآثار المالية السلبية المحتملة، وأخطرها هبوط سوق الأوراق المالية والتضخم، لكن في عالم اليوم تخبو سمعة الذهب التاريخية كاحتياطي اقتصادي آمن، مع لجوء المستثمرين لإجراءات سوقية أخرى كمهرب من ارتفاع تكاليف مواجهة الأزمات الاقتصادية.
ووفقًا لمجلة "إنتربرينور" الأمريكية، فرغم ارتفاع معدلات التضخم حاليا لمستويات قياسية، فإن أسعار الذهب لم ترتفع بالقدر الذي كان متوقعًا، وقياسًا إلى الدولار انخفضت أسعار الذهب بنسبة تفوق 10% هذا العام وهو ما يقوض مزاعم اعتبار الذهب ملاذا آمنا من التضخم، ومع اكتشاف هذه الحقيقة يلجأ التجار والمستثمرون في الأسواق المالية إلى تطبيق ما يعرف باستراتيجة التحوط، بخلق وضع معاكس في السوق لتعويض أي خسائر تسببت فيها حالة السوق الأولى.
وتعد سياسة التحوط أبسط من شراء وثيقة تأمين، وبالحديث عن استراتيجية التحوط في مواجهة التضخم، فهي تعني حماية رأس المال من الآثار المدمرة له، وبالتالي يلجأ أصحاب رؤوس الأموال للاستثمار في للأصول الثابتة التي لا تتأثر بالتضخم المتزايد. ويعد الاستثمار في أدوات التحوط هو الحل المضون للحفاظ على القوة الشرائية لأموال المستثمرين في المستقبل وتقليل المخاطر التي يمكن أن يتعرضوا لها.
وعندما يكون الارتفاع في معدل التضخم طفيفًا لا تضطر البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة، ما يعني أن الفائدة الحقيقية، التي تحتسب بخصم نسبة التضخم من سعر الفائدة الرسمي، تكون بالسالب بالنسبة للأصول الثابتة كالسندات الحكومية، وبالتالي فعند انخفاض أسعار الفائدة إلى مستويات متدنية للغاية، يصبح الذهب بأسعاره المرتفعة عامل حماية من التضخم، ويمكن المستثمرين من حفظ قيمة أموالهم من الانهيار.
وفي مارس الماضي وكنتيجة مباشرة للحرب الروسية الأوكرانية، تجاوزت أسعار الذهب حاجز 2000 دولار للأوقية، ولكن رغم أن التضخم ارتفع بشكل كبير، فقد شرعت أسعار الذهب في الهبوط على نحو لم يكن متوقعًا خلال الأشهر الماضية، كما تم رفع الفوائد البنكية مما دفع المستثمرين لبيع الذهب الذي لا يدر الفوائد، وشراء الأصول التي تدرها.
ويكمن الإغراء الحقيقي في جني المزيد من العوائد التي توفرها السندات أو الممتلكات أو أسهم الشركات المقيدة في البورصات العالمية، بالإضافة إلى مزايا السيولة النقدية الوفيرة، ونظرا لهذه التطورات فقد الذهب قدرته على منافسة الأصول والعملات والسندات بشكل كبير، ولا تعتمد قيمة كل من هذه الأصول على الأخرى، فجميعها تعمل بشكل منفصل لعدة أسباب منها الخطة التي يسير وفقها الاقتصاد والتغيرات في السياسات المالية والنقدية وغيرها.
وتختلف قيمة الأصول عن بعضها البعض، بسبب عوامل مثل العرض والطلب ونظام الفوائد البنكية والتضخم والناتج المحلي الإجمالي، لذا يتعين على المستثمرين النظر إليها جميعا باعتبارها متساوية في الأهمية.
ويرى بعض المحللين أن الذهب لا يزال وسيلة مناسبة لمواجهة التضخم قبل أن يحدث، إلا أن الوضع يتغير بشكل جذري مع حدوث تضخم كبير في الأسعار.
ففي حالة حدوث التضخم بالفعل يكون الأوان قد فات للتحوط ضده، كما تنخفض أسعار الذهب مع انتعاش الدولار أيضا، فضلا عن كون الدولار الأمريكي هو العملة المعيارية لتحديد قيمة سبائك الذهب، ويرى كيفن لام خبير التخطيط المالي المعتمد ومؤسس شركة "فاونداري فاينانشال" أن الأهمية الحقيقية للذهب تكمن في قدرته على حفظ القيمة الشرائية للعملات على المدى الطويل (100 عام على سبيل المثال)، لكنه لا يساهم في السيطرة على التضخم على المدى القصير.