الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

التاريخ يعيد نفسه.. ما الدروس المستفادة من أزمة الصواريخ الكوبية وعلاقتها بالحرب الأوكرانية؟

جو بايدن وفلاديمير
جو بايدن وفلاديمير بوتين

قبل نحو 60 عاما في أيام مثل تلك التي نعيشها اليوم، تجنب الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، بصعوبة كارثة كادت أن تؤدي إلى نشوب حرب عالمية ثالثة، بسبب نشر الاتحاد السوفيتي صواريخ باليستية ذات رؤوس نووية في كوبا، على بعد 90 ميلا فقط من الشواطئ الأمريكية.

 

وفي ظل تزايد خطر اندلاع حرب عالمية نووية بسبب الحرب في أوكرانيا، يتوجب الرجوع إلى الدروس المستفادة من أزمة الصواريخ النووية في كوبا لمعرفة الدروس المستفادة التي تقدمها لنا هذه الأزمة اليوم.

كيف بدأت هذه الأزمة؟

في أكتوبر عام 1962، كانت تلوح في الأفق مخاطر اندلاع حرب نووية عالمية بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، بعدما أرسلت موسكو صواريخ باليستية نووية إلى جزيرة كوبا التي تقع على بعد 90 ميلا فقط من السواحل الأمريكية.

كان يحكم كوبا في تلك الفترة، قائد الثورة الكوبية فيدل كاسترو، الذي أطاح بحليف الولايات المتحدة، الجنرال باتيستا من الحكم، وعندما حاول كاسترو الذهاب إلى الولايات المتحدة للحصول على دعم واشنطن، رفض الرئيس أيزنهاور آنذاك، التحدث إلى الزعيم الكوبي، وهو ما دفعه ليعود أدراجه إلى الاتحاد السوفيتي الذي عرض عليه تقديم الدعم لحكومته.

ولم يكن كاسترو شيوعيا قبل عام 1960 لكنه انجذب إلى الشيوعية من خلال الصداقة والدعم الذي قدمه الزعيم السوفيتي خروتشوف وحكومته.

ومع توتر العلاقات بين كاسترو، والأمريكيين، أقدم الزعيم الكوبي على تأميم جميع الشركات الأمريكية في كوبا، ورفض دفع تعويضات. وهكذا بات للولايات المتحدة دولة شيوعية "في حديقتها الخلفية".

الولايات المتحدة تضع خطة لغزو كوبا

فرضت الولايات المتحدة بعد خطوات كاستروا حصارا كاملا على كوبا، لقي تنديدا من الاتحاد السوفيتي، كما تطور الوضع إلى أن جاء الرئيس الأمريكي السابق، جون كينيدي، ليصدق على خطة لغزو كوبا والإطاحة بكاسترو، وعرفت حينها العملية بـ "خليج الخنازير"، حيث أنزلت المخابرات المركزية الأمريكية 1400 من المنفيين الكوبيين في خليج الخنازير على الساحل الجنوبي لكوبا بهدف إثارة انتفاضة مناهضة للشيوعية.

وفي اللحظة الأخيرة تقريبا، ألغى كينيدي أمرا كان قد وعد به المقاومة الكوبية وهو دعم القوات الجوية الأمريكية لهجومهم، وقد أدى الافتقار إلى الدعم الجوي إلى هزيمة المتمردين بسهولة عندما واجههم 20 ألف جندي كوبي مدججين بالسلاح، وتم اعتقال المتمردين جميعا أو قتلوا.

وقد أدى فشل عملية "خليج الخنازير" إلى تعزيز مركز كاسترو الذي اتفق مع السوفيت على نشر صواريخ متوسطة المدى على أراضي بلاده لردع واشنطن عن التفكير في أي محاولة أخرى لغزو الجزيرة وقلب نظام الحكم الشيوعي فيها. وبذلك صارت كوبا قاعدة عسكرية متقدمة للاتحاد السوفيتي.

الولايات المتحدة تكتشف الصواريخ الكوبية

في 14 أكتوبر عام 1962 التقطت طائرة تجسس أمريكية تحلق فوق كوبا صورا تظهر بناء مواقع إطلاق الصواريخ السوفيتية.

وقدر الخبراء أنها ستكون جاهزة للعمل في غضون 7 أيام. وفي غضون ذلك، اكتشفت طائرة تجسس أمريكية أخرى 20 سفينة سوفيتية تحمل صواريخ نووية في المحيط الأطلسي متجهة إلى كوبا.

وتبعد كوبا 90 ميلا فقط عن ساحل فلوريدا مما يعني أن الولايات المتحدة، بما في ذلك العديد من أكبر مدنها مثل واشنطن العاصمة ونيويورك، ستكون ضمن مدى هذه الصواريخ. لقد كانت حياة 80 مليون أمريكي على المحك.

ماذا كانت أهداف الاتحاد السوفيتي؟

كان الزعيم السوفيتي خروتشوف يعلم أن الولايات المتحدة تمتلك صواريخ نووية متوسطة وطويلة المدى تستهدف الاتحاد السوفيتي متمركزة في تركيا، فقط على "أعتاب" الاتحاد السوفيتي. وربما كان خروتشوف يتطلع للحصول على أداة مساومة في المفاوضات حول برلين.

كما أراد تعزيز موقعه السياسي في الاتحاد السوفيتي وأن يظهر لحكومته أنه لم يكن لينا مع أمريكا.

ورغب خروتشوف في دعم الدولة الشيوعية الجديدة في "حديقة العم سام الخلفية"، والتأكد من أن الأمريكيين لن يحاولوا القيام بعملية أخرى مثل خليج الخنازير للإطاحة بكاسترو.

كيف انتهت الأزمة وما الدروس المستفادة؟

كان أمام الرئيس الأمريكي جون كينيدي خيارين، إما التفاوض مع الاتحاد السوفيتي لسحب الصواريخ السوفيتية من كوبا مقابل إزالة الصواريخ الأمريكية من تركيا، أو الغزو البري لكوبا والمخاطرة بحدوث صدام مع الاتحاد السوفيتي، لكن الرئيس الأمريكي حاول الظهور بمظهر السياسي القوي، وقرر حصار الجزيرة في 22 أكتوبر 1962، لمنع السفن السوفيتية التي تحمل الصواريخ من الوصول إلى الجزيرة.

وفي 23 أكتوبر، أرسل خروتشوف رسالة إلى كينيدي أكد فيها أن السفن السوفيتية ستواصل شق طريقها نحو كوبا ولن تتوقف أمام السفن الأمريكية، لكن فيما بعد عادت السفن السوفيتية تجنبا لحدوث صدام مباشر مع السفن الأمريكية.

وفي 27 أكتوبر أرسل خروتشوف رسالة إلى كينيدي قال فيها، إن مواقع إطلاق الصواريخ ستتم إزالتها في حال أزالت الولايات المتحدة صواريخها في تركيا.

نتائج الأزمة

اعتبر الجانبان أنهما حققا النصر: فقد أنقذ خروتشوف النظام الشيوعي في كوبا من غزو الولايات المتحدة، وتفاوض على صفقة مع الولايات المتحدة بشأن إزالة صواريخ جوبيتر الخاصة بهم في تركيا. ومن جانبه، حافظ كينيدي على وعده الانتخابي ووقف في وجه الاتحاد السوفيتي، وأبقى الصواريخ النووية خارج كوبا.

وأدرك كل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية أنهما كانا على شفا حرب نووية ودخلا في محادثات أدت في النهاية إلى معاهدة حظر التجارب عام 1963 والتي بدأت عملية إنهاء تجارب الأسلحة النووية.

أوجه الشبه والعلاقة بين أزمة الصواريخ السوفيتية في كوبا والأزمة الأوكرانية

تقول صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، إن خطر نشوب حرب نووية برز على مدار الأشهر السبعة الماضية مع استمرار الحرب، مشيرة إلى خطاب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي حذر خلاله من أن القوى الغربية تعرض وحدة الأراضي الروسية للخطر.

وفي حديثه عن المناطق المنضمة حديثا إلى روسيا قال بوتين:" سندافع عنها باستخدام كل الوسائل المتاحة لنا... هذه ليست خدعة".

في المقابل، حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن، من أن تهديدات بوتين يمكن أن تؤدي إلى نشوب صراع نووي قائلا: "لم نشهد آفاقا لحدوث حرب نووية منذ عهد كينيدي وأزمة الصواريخ الكوبية".

صفقة سرية تلوح في الأفق

ويعلق الصحفي الأمريكي، ديفيد سينجر على تصريح بايدن قائلا: "إن منطق بايدن مستوحى من أزمة الصواريخ الكوبية، حيث أشار إلى تلك الأزمة مرتين في حفل جمع تبرعات الحزب الديمقراطي في نيويورك، وهذا مؤشر جيد على ما يدور في عقله".

وتابع قائلا: "في تلك الحالة الشهيرة، فقبل 60 عاما أبرم الرئيس الأمريكي جون كينيدي، صفقة سرية مع نيكيتا خروتشوف، لإزالة الصواريخ الأمريكية في تركيا.. ومع إبرام هذا الاتفاق الذي أبصر النور في وقت لاحق، تم تجنب كارثة كانت ستودي بحياة عشرات الملايين الأمريكيين، وعدد لا يحصى من المواطنين السوفييت".