عرف مشوار الملحن فـريـد الأطرش الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده بالصعوبة، وكان طريقا طويلا مملوء بالدموعوالآهات، ودائم القلق على فنه، وعرف بالعناد الشديدحتى لو أضر بنفسه، وشبهه أصدقاؤه بالمثل الدرزي المشهور «عنزة ولوطارت»، وحكاية هذا المثل معروفة عند اللبنانيين والسوريين.
وحسب كتاب «فريد الأطرش واسمهان» الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، تمنى فريد الأطرش التلحين لصوت سيدة الغناء العربي أم كلثوم، وعندما فاتح عبد الوهاب في هذا الرأي أجابه: «فريد.. طباعك وطباع أم كلثوم لا تتمشى معا، لا بد أن يتنازل واحدمنكما عن طباعه، فأنت لا تقبل أي تعديل في الحانك، وثومة.. تغير..وتغير .. وتغيرا».
وكانت أم كلثوم تحترم فريد وفنه، فلم يكن بينهما أي خلاف، واختلفتالآراء وتضاربت، إلا أن الأغلبية اتفقوا أن البداية كـانت في نهايةالستينيات وبداية السبعينيات، حول أغنية «وردة من دمنا» للأخطلالصغير، بينما أضافت كاميليا ابنة أسمهان أن خالها كان بصدد تلحينأغنية «كلمة عتاب ياحب» شعر أحمد شفيق كامل لأم كلثوم أيضا قبلوفاته، ورحل فريد تاركا لحنه على العود، ليكمله بليغ حمدى وتغنيه وردة.
وجاءت في رواية لأم كلثوم: أنها طلبت من فريد أن يلحن لها أغنيةتصلح لأدائها في إحدى حفلاتها إلا أن فريد رفض، واعتبر هذا الطلبمن أم كلثوم إهانة له وتقليلاً من شأنه، وأصر أن تغنى وتسجل أولا أغنية«وردة من دمنا» على أن يقدم لها بعد ذلك أغنية تغنيها في حفل منحفلاتهاكانت هذه هي شخصية فريد، الاعتزاز بنفسه، كما كان عنيدا فيتعامله مع الآخرين فلم يتفقا، وأسدل الستار على فكرة غناء أم كلثوملأغنية من ألحان فريد الأطرشوالمحاولة الثانية ذكرها الشاعر أحمد شفيق كامل في قصته: أنه عندما كان يعمل مـستشارا تجاريا في السـفارة المصريةبالسعودية، التقى بالسيدة أم كلثوم التي كانت تقوم بأداء عمرة وقال لها:لدى كلمات تصلح أن تعطيها لفريد الأطرش ليلحنها لك فقالت: سمعنی.
وأسمعتها «كلمة عتاب يا حب بتدور عليك» فوافقت على أن أعطيهاألحانه لفريد، وكانت فرحته كبيرة عندما أبلغته خبر استعداد أم كلثوم لغناء ألحانه.
لحن فريد الأغنية، وكان الوسيط بينهما عازف الكمان الأول بفرقة أم كلثوم أحمد الحفناوي: حددت أم كلثوم موعدا للاستماع إلى الأغنية، فحمل فريد عوده وتوجه إلى فيلا أم كلثوم في شارع أبو الفدا، واسمعها اللحن وكان في مقامالتهاوند على الصبا. وبمجرد أن انتهى من عزفه، فاجأته أم كلثوم بقولها: «يا ريت يا فريد كنت عملت اللحن من مقام الكرد»، فاحتضن فريد عوده وهم بالخروج من الغرفة وهو يقول في عصبية : «أنا الملحن.. أنا الذي أحدد الأغنية من مقام إيه.. وليه .. وإزاى!».
وخرج فريد وهو يتحسر على وفاة شقيقته أسمهان، فلو أنها على قيد الحياة لما اتجه الى أية مطربة سواها.
عن لقاء حنجرة أم كلثوم وألحان فريد قال عبد الوهاب: «المشاريع كانت كثيرة .. والأحلام أكثر، ولكن لا شيء تحقق .. لماذا؟».
فريد الأطرش كان موهوبا وواثقا من نفسه ثقة كبيرة، فاللحن في يدهكان لا يستغرق أكثر من دقائق معدودة.. كان عندما يلحن لا يدخل علىلحنه أي تعديل.. مهما كان..!! ولا يضيع وقته في الوسوسة عملا بالمثلالقائل: ليس في الإمكان أبدع مما كان.
هكذا كان فريد، لا مناقشة، ولا تراجع، ولا مراجعة، ولا تصويب، أما أم كلثوم فهي المناقشة بعينها، هي الدقة، هي قمة الوسوسة، هي الاقتناع الكامل بكل حرف في الكلمة، وفي الجملة الموسيقية .
كم رفضت من أغاني وألحان، لأن المؤلف رفض تغيير كلمة واحدة، وكمرفضت من ألحان لأن الملحن رفض النزول لإرادتها.