يشهد العراق أكبر عملية اختلاس في تاريخه، هزت الرأي العام العراقي خلال اليومين الماضيين، إضافة لما يعانيه العراق من أزمات متلاحقة أبرزها أزمات القطاع الصحي وقضايا الفساد، وكشف القضاء العراقي تفاصيل "اختلاس للمال العام" تورط فيه العديد من المسؤولين الرسميين، معلناً استدعاء العشرات من كبار موظفي الحكومة للتحقيق.
أكبر عملية اختلاس في تاريخ العراق
وكشف بيان رسمي صادر عن هيئة الضرائب أن مبلغ 2,5 مليار دولار، جرى سحبه بين سبتمبر 2021 وأغسطس 2022 من بنك الرافدين الحكومي، عبر 247 صكاً مالياً، حرر إلى خمس شركات، قامت بصرفها نقداً مباشرةً.
وأفاد البيان الصادر عن مجلس القضاء الأعلى الثلاثاء "قررت محكمة تحقيق الكرخ الثانية المختصة بقضايا النزاهة استقدام مدير عام الهيئة العامة للضرائب ومعاونه، والمشرف على القسم المالي والرقابي ووكيل القسم المالي ومدير القسم المالي".
وأضاف أن القرار "يأتي وفقا لاحكام المادة 340 من قانون العقوبات عن تهمة احداث الضرر العمدي باموال وزارة المالية بصرف مبالغ الامانات الضريبية".
وصدرت كذلك "مذكرات قبض بحق أصحاب الشركات ووضع الحجز الاحتياطي على حساباتها والتي حررت لصالحها صكوك الامانات الضريبية"، وفق البيان.
ومن جانبه، نفى مصرف الرافدين في بيان الأحد مسؤوليته، وقال إن صرف صكوك الهيئة العامة للضرائب تمّ بعد "التأكد من صحة صدورها بكتب رسمية بين المصرف والهيئة".
وشكّلت لجنة داخلية أولى للتحقيق في هذه القضية العام الماضي، وفق بيان صادر عن وزارة المالية ليل الاثنين، أصدر على إثره الوزير السابق للمالية علي علاوي منذ نوفمبر 2021 "أوامر بعدم صرف أي مبالغ بدون موافقته".
أما التحقيق الداخلي الثاني، الذي بدأ في 6 سبتمبر، أفضى إلى تغييرات إدارية احترازية منها عزل رئيس الهيئة العامة للضرائب والكادر المتقدم معه.
وأضاف البيان أن تحقيق هيئة النزاهة والقضاء العراقي في القضية منذ أغسطس 2022، أدّى إلى صدور قرارات مختلفة منها "أوامر قبض بحق المتهمين من الموظفين وعدد من أصحاب الشركات والمستفيدين من صرف تلك الأموال".
وقالت الوزارة إن تلك الاجراءات والتحقيق سمحا في "حماية المبلغ المتبقي من صندوق الهيئة العامة للضرائب، أوّلاً، ومنع استنزاف أي مالٍ عامٍ في أماكن أخرى، ثانياً".
السوداني يتعهد بمحاسبة المتورطين
ويحتل العراق المرتبة 157 من 180 في مؤشر منظمة الشفافية الدولية عن "مدركات الفساد"، وغالبًا ما تستهدف المحاكمات في قضايا الفساد في حال حصلتعلى المستويات المتوسطة، ونادرا ما تستهدف الدوائر العليا.
وعلّقت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة جنين بلاسخارت في تغريدة على القضية قائلةً "ماذا يمكن للعراق فعله بمليارات الدولارات المفقودة منه؟ الاستثمار بالمدارس والمستشفيات والطاقة والمياه والطرق وغير ذلك".
وطلبت وزارة المالية من هيئة النزاهة التحقيق في ما يصفه البعض بأكبر عملية اختلاس في تاريخ العراق.
وقال رئيس الوزراء العراقي المعين محمد شياع السوداني إن حكومته سوف تكافح الفساد، وإن ذلك سوف يكون في قمة أولوياته.
وأضاف في تغريدة عبر تويتر أنه يتردد في "اتخاذ إجراءات حقيقية لكبح جماح الفساد الذي استشري بوقاحة في مفاصل الدولة ومؤسساتها"، مضيفا "لن نسمح بأن تُستباح أموال العراقيين، كما حصل مع أموال أمانات الهيئة العامة للضرائب في مصرف الرافدين".
وكان رئيس الوزراء المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي قد قبل مؤخرا استقالة وزير المالية بالوكالة إحسان عبد الجبار.
وقال عبد الجبار في تغريدة نشرها في 15 أكتوبر إن نتائج التحقيق الذي أجري خلال وجوده في المنصب أظهرت أن 3.7 تريليون دينار عراقي، أي ما يعادل 2.5 مليار دولار من أموال الضرائب المودعة في بنك الرافدين، وأضاف أنه سلم الأدلة إلى السلطات المختصة، بينها اللجنة المالية في البرلمان.
وكان البرلمان قد صوت في 11 من شهر أكتوبر الجاري لصالح إنهاء خدمات وزير المالية بالوكالة عبد الجبار، معللا ذلك بأن شغله المنصب يتنافى مع مسؤولياته كوزير للنفط.
وأعلنت الهيئة المعنية بمكافحة الفساد الأحد أنها باشرت التحقيق في ما حدث، وأنها سوف تسلم ما يتمخض عنه من معلومات ووثائق إلى القضاء لاتخاذ الإجراءات اللازمة بحق الأشخاص الضالعين في عملية الاختلاس.
وأبلغت مبعوثة الأمم المتحدة المعنية بالعراق جانين هينس بلاشارت مجلس الأمن في بداية الشهر الجاري إن تغلغل الفساد في العراق هو أحد الأسباب الكبرى للفشل، وأضافت قائلة "بصراحة لا يستطيع زعيم واحد الادعاء بأنه محصن".
450 مليار دولار هو حجم الفساد في العراق
ومن جانبه قال الدكتور رائد العزاوي، رئيس مركز الأمصار للدراسات، إن هناك 5 شركات عراقية كبرى حملت لها شيكات من أموال الضرائب العامة، وحكومة السيد الكاظمي تقدمت بطلب لمحاسبة إدارة الضرائب العامة.
وأكد العزاي في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن هذا الموضوع قديم وليس جديد، وحدث في عام 2021، وأنه أثير في الأن في هذا التوقيت لأسباب سياسية أغراضها واضحة في محاولة لتسقيط بعض القوى السياسية الحالية، وأيضا لإثارة بلبلة.
وأضاف العزاوي أن الفساد في العراق أكثر من 2.5 مليار دولار وأن الفساد في العراق يصل لأكثر من 450 مليار دولار لأن هناك فساد في الكهرباء والعديد من الملفات، والعراق يقع في المرتبه 169 من بين 180 دولة في منظمة الشفافية الدولية، لأنه بلد يعاني من الفساد.
ولفت العزاوي أن حالة الفساد في العراق هو حالة مستبعدة لأن الأحزاب السياسية التي شكلت الحكومات منذ 2005 حتى يومنا هذا تشرعن الفساد، وهناك من يحمي الفساد من قبل الأحزات وقوى مسلحة عراقية.
وأكد العزاوي أن القضاء الأن يحقق في عملية الاختلاس هذه وأن هناك استدعاءات من قبل الجهات القضائية لمحاكمة الجهات المسئولة عن هذا الفساد وهذا الموضوع وهناك تحقيقات من قبل القضاء العراقي لمتابعة هذا الموضوع، كما أن القضاء العراقي لن يترك هذا الأمر ليمر بسهولة وسيحاسب كل من هو مسئول عن هذه العملية.
ويذكر أن العراق من كبار الدول المنتجة للنفط، وتمول عائدات النفط 90 في المئة من ميزانية الحكومة الاتحادية.
وقد اندلعت موجة من الاحتجاجات الغاضبة نهاية عام 2019 في أنحاء العراق ضد تردي خدمات القطاع العام.