قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف إننا أمامنا فرصة أن نكون من أحباب رسول الله ﷺ، وأعظم درجة ممن سبقونا، وإن كانوا هم في المنزلة الأعلى، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : «متى ألقى أحبابي؟. فقال بعض الصحابة: أوليس نحن أحباؤك؟ قال: «أنتم أصحابي، ولكن أحبابي قوم لم يروني وآمنوا بي أنا إليهم بالأشواق» [أبو الشيخ في الثواب] وفي زيادة الديلمي في مسند الفردوس بمأثور الخطاب : «أنا إليهم بالأشواق»
وأضاف جمعة عبر الفيسبوك : وعن رجاء بن حيوة رضي الله عنه قال : «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ ، وَمَعَنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَاشِرَ عَشَرَةٍ ، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، هَلْ مِنْ قَوْمٍ أَعْظَمُ مِنَّا أَجْرًا آمَنَّا بِكَ وَاتَّبَعْنَاكَ؟ قَالَ : فَمَا مَنَعَكُمْ مِنْ ذَلِكَ ، وَرَسُولُ اللهِ ﷺ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ يَأْتِيكُمُ الْوَحْيُ مِنَ السَّمَاءِ ؟ بَلْ قَوْمٌ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِكُمْ يَأْتِيهِمْ كِتَابٌ بَيْنَ لَوْحَيْنِ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَعْمَلُونَ بِهِ ، أُولَئِكَ أَعْظَمُ مِنْكُمْ أَجْرًا ، أُولَئِكَ أَعْظَمُ مِنْكُمْ أَجْرًا» [رواه الطبراني وذكر الهيثمي أنه اختلف في رجاله]
فهلا دخلنا في دائرة الحب لرسول الله ﷺ، وجعلناه أسوتنا واتبعناه حقا، ففي زمن الغربة الأول، بدأ رسول الله ﷺ بمنهج البداية بالنفس، فقال ﷺ : (ابدأ بنفسك، ثم بمن تعول) [رواه مسلم وابن حبان].
وتابع: في هذا الزمان يكون إصلاح النفس وتربيتها أولى من الانغماس في أمر العامة، ثم بعد هذه المرحلة يمكن أن يتدرج المؤمن للانغماس في أمر العامة لإصلاحهم، يقول النبي ﷺ : «إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك ودع العوام، فإن من ورائكم أياما، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم» قال عبد الله بن المبارك : «قيل يا رسول الله أجر خمسين منا أو منهم ؟ قال : بل أجر خمسين منكم» [رواه الترمذي]
إذن علينا أن نبدأ بأنفسنا ثم بمن نعول، وأن نتحمل المسئولية عن أفعالنا، وعلمنا أن لا نبرر أخطاءنا، ويؤكد القرآن على ذلك المعنى فيما يقصه علينا من أخبار بني إسرائيل مع سيدنا موسى عليه السلام عندما أشرفوا على الدخول إلى الأرض المقدسة، وما دار بين سيدنا موسى عليه السلام وقومه من بني إسرائيل
يقول تعالى : (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَتِى كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ * قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ البَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّى لاَ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِى وَأَخِى فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ القَوْمِ الفَاسِقِينَ * قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِى الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى القَوْمِ الفَاسِقِينَ) [المائدة :21 : 26].
وأكمل : ما دلالة الأربعين ؟ قيل لأن في هذه المدة سيمر جيل بأكمله في إثر جيل، وأصبح الجيل الجديد تربى على الشهامة والقوة، فموسى لم ييأس بدأ بنفسه ثم بأخيه، وبدأ في التربية وصبر على ذلك أربعين سنة، حينئذ تكون الجيل والذي دخل الأرض المقدسة بعد ذلك مع نبي الله يوشع عليه السلام.
نفس المنهج في الصبر والتربية كان في النموذج المحمدي، فرسول الله ﷺ بدأ الدعوة وحده بمكة، ثم بدأ بالسيدة خديجة رضي الله تعالى عنها، ثم بعلي بن أبي طالب وكان في كنفه، وبدأ الدعوة من بيته، ثم أنذر عشيرته الأقربين، ثم أنذر أقرباءه ومن حوله بالطائف، وبعد كل هذه المدة في مكة لم يسلم معه إلا نحو مائتي رجل، وفي المدينة لما ذهب بأولئك دخل الناس في دين الله أفواجا حتى رآهم يعينه في حجة الوداع أكثر من مائة ألف إنسان سوى الأعراب الذين في البادية، مائة ألف إنسان أسلم في عشر سنوات، و200 أسلموا في ثلاث عشرة سنة.
واختتم جمعة أن سيدنا رسول الله ﷺ يعلمنا كيف نبني الأجيال، وكيف نصبر على التربية والبناء، وكيف نحول الانكسار إلى انتصار، وكيف لا يحبط المسلم، بل يبدأ العمل من جديد، وكيف يكون الإنسان راع.