يعود الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للظهور على مسرح الأحداث الدولية وإثارة الجدل، داعيا روسيا وأوكرانيا، للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار، مخالفًا بذلك موقف تيار لا يستهان به داخل الحزب الجمهوري.
ترامب يطلق دعوة السلام رغم أنف الحزب الجمهوري
وحسبما ذكرت صحيفة "ذا هيل" الأمريكية، فإن دعوة ترامب لعقد هدنة بين الجانبين الروسي والأوكراني، تتعارض مع الاتجاه الذي يتبناه عدد من الجمهوريين بالانحياز الواضح للجانب الأوكراني، ويعكس حالة من الانشقاق داخل الحزب الجمهوري بينه وأنصاره من جهة، وبين الأعضاء البارزين في الحزب من جهة أخرى.
وكان ترامب قد أطلق دعوته على منصة التواصل الاجتماعي الخاصة به "تروث سوشيال"، وخلال مناسبات ظهوره العام الأخيرة، منتقدا تعامل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مع مجريات الحرب، ولم يحدد الأسلوب الذي كان سيتعامل هو به مع الأحداث، وإنما اكتفى بالتـكيد على أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لم يكن ليشن هذه الحرب، في حال كان هو لا يزال رئيسًا للولايات المتحدة حتى الآن.
وتصر إدارة بايدن على موقفها الرافض لإجراء مفاوضات ترفضها أيضا أوكرانيا، إلا أن ترامب يرى ضرورة عقد اتفاق وقف إطلاق نار بين الجانبين الروسي والأوكراني، وعرض التوسط بنفسه لبدء عملية التفاوض والمشاركة فيها.
وقال ترامب إنه مع احتمالية مقتل مئات الآلاف من الأشخاص، يتعين البدء فورا في مفاوضات السلام وإنهاء الحرب في أوكرانيا، محذرا من انجراف العالم لحرب عالمية ثالثة، لا تبقي ولا تذر بسبب أناس وصفهم بـ " الأغبياء المستهترين"، وتابع ترامب خلال حديثه أمام حشد من مؤيديه في ولاية أريزونا السبت الماضي: "إنهم لا يفهمون ما يتعاملون معه، إنه السلاح النووي، هم لا يدركون ما يفعلون".
ويأتي حديث ترامب بعد أيام قليلة من قوله، خلال خطاب ألقاه خلال حدث نظمه معهد أمريكا أولا السياسي في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، إن علاقته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين كانت لتمنع الحرب الروسية على أوكرانيا التي اندلعت في فبراير الماضي، مؤكدا أنها لم تكن لتحدث ولو بعد ملايين السنوات. وأضاف "عندما أري كل هؤلاء الناس يموتون، يجب علينا التوقف واللجوء إلى التفاوض".
وكان ترامب قد كتب منشورًا على منصته الخاصة، على خلفية تسرب الغاز من خط أنابيب نورد ستريم، الذي يحمل الغاز الروسي إلى بعض الدول الأوروبية، قال فيه إنه يتعين على قادة العالم التحلي بالذكاء والامتناع عن تصعيد الموقف، والذهاب للمفاوضات فورا، فكلا الطرفين يريد ويحتاج ذلك، فالعالم على حافة الهاوية، وأضاف أنه على استعداد لإطلاق مبادرة بهذا الشأن.
ماذا لو فاز ترامب في انتخابات 2024؟
ورغم أنه يمكن تجاهل مقترحات ترامب، إلا أنه لا يزال المرشح الرئاسي المفضل للحزب الجمهوري، ومن المتوقع تصاعد هذه النبرة بعد مرور انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، وفي حال أصر على مواقفه، فستكون هناك تبعات غير متوقعه فيما يتعلق بسياسات التسليح والمساعدات المقدمة إلى أوكرانيا العام القادم.
وقال أحد الأعضاء البارزين في الحزب الجمهوري، إن وجهة نظر ترامب لن تكون عاملا رئيسيا في مسار انتخابات التجديد النصفي للجمهوريين، مع غلبة الاهتمام بالشئون الداخلية على حملات المرشحين، ولكن إذا استعاد الجمهوريون أغلبية غرفتي الكونجرس، فإن ضغوط ترامب ستتزايد على المشرعين لتبني خطابه.
ويرجح خبراء أن آراء الرئيس الأمريكي السابق لا تجد آذانا صاغية بسبب الدعم الكبير للجانب الأوكراني، وبسبب الرفض القاطع من الولايات المتحدة وحلفائها أن تكون الأقاليم الأوكرانية التي ضمتها روسيا، جزءًا من عملية التفاوض، وقد أكد منسق الاتصلات الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي الأحد الماضي، أن الرئيس الروسي هو من بدأ هذه الحرب، وهو من يستطيع إنهاءها بإخراج قواته من أوكرانيا، مضيفا أن بوتين لم يبد أي استعداد للجلوس على مائدة المفاوضات وإنهاء الحرب.
جمهوريون خارج السرب
ويتجنب جمهوريون بارزون الحديث المباشر عن تفاوض ينهي الحرب على طريقة ترامب، بل يركزون على انتقاد زلات بايدن وتأكيد الحاجة إلى دعم أوكرانيا، حيث غرد أعضاء في لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب عبر تويتر، قائلين إن الدمار الذي حدث في كييف مروع، وسيتعاون حلفاء أوكرانيا وشركاؤها على تزويدها بأنظمة الدفاع الصاروخي والأسلحة بعيدة المدى التي طلبتها، وأضافوا أن أي تأخير من إدارة بايدن في تسليم شحنات الأسلحة من شأنه أن يطيل أمد الصراع.
وركز مايك بومبيو وزير الخارجية في عهد ترامب، الذي يُنظر إليه كمرشح جمهوري محتمل في انتخابات 2024 الرئاسية خلال حديثه لقناة فوكس نيوز الأحد الماضي، على تحذير بايدن من حرب نووية تكون بمثابة "معركة هرمجدون" أو نهاية العالم، قائلا إنه يجب التركيز على الدبلوماسية الهادئة والضغط الشعبي على بوتين.
واستنكر نائب الرئيس السابق مايك بنس، وهو مرشح محتمل آخر للانتخابات الرئاسية 2024، تعاطف عدد من أعضاء الحزب الجمهوري مع بوتين، وكان بنس قد زار الحدود الأوكرانية والتقى اللاجئين في مارس الماضي، لكن محافظون آخرون يؤيدون ترامب بشدة، ويعكس موقفهم عدم التوحد في مواقف الحزب بالكامل إزاء مختلف القضايا.
ففي الوقت الذي صوت عدد من النواب الجمهوريين ضد قرار منح أوكرانيا مساعدات بقيمة 39 مليار دولار في مايو الماضي، كان رد فعل ماديسون كاوثورن النائب الجمهوري عن ولاية كاليفورنيا، هو وصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بـ "السفاح"، كما وصف مايكل فلين مستشار الأمن القومي السابق في عهد ترامب بوتين ونائبه بـ "القادة الشجعان الذين يحق لهم فعل أي شئ لحماية بلادهم".
ومن الجدير بالذكر، أنه بعد ثمانية أشهر من غزو روسيا لأوكرانيا، اشتد الصراع بصورة كبيرة، وكنتيجة للهجمات المضادة التي شنها الأوكرانيون وأدت لتراجع الجيش الروسي، أمر بوتين بضم أقاليم أوكرانية، وأعلن تعبئة مئات الآلاف من الروس لإلحاقهم بالجيش، وتصاعد التوتر أكثر فأكثر بعد تفجير جسر القرم الذي يربط شبه جزيرة القرم بروسيا، والذي يعتبر طريق الإمدادات البري الوحيد بين الجانبين، ومفخرة بوتين الذي قاد بنفسه شاحنة عليه خلال افتتاحه عام 2018.
ويرى خبراء ومراقبون داخل البيت الأبيض، أن تصرفات بوتين الوحشية تؤكد ضرورة تجنب الحديث عن أن روسيا دخلت منعطفا خطيرا بغزوها لأوكرانيا، وقد قال بايدن خلال خطاب له الاثنين الماضي، "إن هذا الغزو يعزز التزامنا بالوقوف إلى جانب الشعب الأوكراني مهما طال الأمر"، وسنعمل مع حلفائنا وشركائنا لإجبار روسيا على دفع ثمن هذا العدوان والفظائع وجرائم الحرب، ولتقديم الدعم اللازم للقوات الأوكرانية للدفاع عن أرضها وحريتها".