قالت مجلة "ذا ديبلومات"، المتخصصة في الشئون الآسيوية، إنه بالرغم من ادعاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) بأنه لا نية لديه للتدخل في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، مازال يتعين عليه القيام بذلك لصالح الأمن العالمي.
وأوضحت المجلة أن هناك ثمة جدل بأن دور الحلف غالبا ما يتراجع عندما يتعلق الأمر بالصين، لكن ما صدر عن الحلف رسميا خلال العام الجاري 2022 يُناقض هذا الزعم تماما.
فعلى الرغم من أن من التسليم بعدم وجود أي احتمالية لشن الصين لـ"هجوم مسلح" ضد أوروبا أو أمريكا الشمالية في المستقبل المنظور؛ فقد اعترف الناتو رسميا بتنامي قوة الصين دوليا والتي وُصفت بأنها "تحد منهجي" لقيم الناتو ومصالحه وأمنه. وبسبب الحرب في أوكرانيا يبدو الغرب أخيرا على استعداد لمواجهة التحدي الماثل في صعود الصين، وربما حتى في المحيطين الهندي والهادئ.
وأشارت "ذا ديبلومات" إلى أن العلاقات بين الناتو والصين كانت شبه منعدمة منذ أوائل عام 2000، ومنذ ذلك الحين، اتخذت العلاقات في الغالب شكل زيارات غير الرسمية ومحادثات على مستوى هيئات الأركان. لكن في قمته عام 2021، ونزولا على رغبة الولايات المتحدة الأمريكية، اعترف الحلف بالتهديد المحتمل الذي تشكله الصين على النظام العالمي القائم على القواعد؛ إلا أن بيان هذه القمة ظل غامضا وبصورة محيرة فيما يخص كيفية الرد على هذا التهديد.
وذكرت المجلة أن توقيت بكين السيئ كان العامل الأكثر تأثيرا في كسر الجمود بين "صقور" الصين و"حمائم" حلف الناتو، ففي الرابع من فبراير الماضي، اجتمع الرئيس الصيني شي جين بينج ونظيره الروسي فلاديمير بوتين للإعلان عن شراكة "بلا حدود"، لكن الأمر الذي أثار انتباه الغرب خلال الاجتماع هو استنساخ بكين للخطاب الروسي السلبي حول توسع حلف الناتو وسلوكه.
وكان هذا الاجتماع قبل أسابيع فقط من بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ولم تعكف الصين على تصحيح مسارها منذ ذلك الحين، وعلى الرغم من أن الخطاب الصيني ربما كان مقصده دعم موسكو ليس أكثر، إلا أنه كان سببا أيضا في ربط التحدي الصيني بالتهديد الروسي عن غير قصد. وبشكل متزايد، باتت الصورة الذهنية الحالية لتصرفات موسكو وبكين لدى قادة الغرب بمثابة "محاولات تعزيز متبادلة لتقويض النظام الدولي القائم على القواعد".
وترى "ذا ديبلومات" أنه من سوء حظ الناتو أن "التحدي الصيني" هو أقوى في المجالات التي لا يتمتع فيها الحلف بكفاءات أو خبرة كافية، بما في ذلك حماية الاستثمار أو السياسة الاقتصادية والتكنولوجية. ومع ذلك، مازال بإمكان الحلف تقديم قيمة مضافة مشتركة مع حلفائه، حيث يمكن منح الاتحاد الأوروبي إمكانية الوصول إلى خبرات الناتو في مجالات التحليل الأمني وتقييم المخاطر العسكرية، لتشكيل علاقة أكثر تنظيما بين الجانبين وهو ما من شأنه تعزيز المواجهة الأوروبية ـ الأطلسية لصعود الصين، في شراكة ستركز بشكل خاص على التداعيات الأمنية للاستثمارات الصينية في أوروبا.
ولفتت المجلة المتخصصة في الشئون الآسيوية إلى أن حلف الناتو يسعى بالفعل نحو علاقات أقوى مع الاتحاد الأوروبي، خاصة أن المنظمتين ستتشاركان قريبا 23 دولة من أعضائهما (بعد انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو)؛ وفي الوقت نفسه فإن العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي تتدهور بشكل مطرد خلال السنوات القليلة الماضية، ولذلك فإن احتمالات تشكيل موقف أكثر اتساقا بين أوروبا والناتو تجاه الصين أفضل من أي وقت مضى، ومن المرجح أن تدفع الحرب في أوكرانيا الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو إلى التقارب.
وفيما يخص اهتمام الناتو بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ذكرت "ذا ديبلومات" أنه رغم إعلان الحلف عدم نيته التدخل في بحر الصين الجنوبي، فمن المشكوك فيه مواصلة الحلف عدم الاكتراث لهذه المنطقة؛ لا لتحولها السريع إلى مركز ثقل اقتصادي عالمي وإنما باعتبارها أضحت أهم نقطة محورية في المنافسة الجيوسياسية للقرن الحادي والعشرين. علاوة على ذلك، بات من شبه المؤكد أن يجتذب التصعيد العسكري في تايوان الولايات المتحدة الأمريكية؛ الأمر الذي سيتمخض عنه تداعيات كارثية على أوروبا، وعليه فإن أعضاء الناتو الأوروبيين أصبح لديهم أيضا مصلحة خاصة في الحفاظ على استقرار المنطقة.
وأشارت المجلة إلى أن العديد من الدول الأوروبية الرائدة نشرت بالفعل استراتيجياتها تجاه منطقة المحيطين الهندي والهادئ كما كثفت تواجدها العسكري في المنطقة، ومع ذلك فإن هذه الجهود لم تكن منسقة على نحو جيد واتسمت بنهج وطموحات متباينة على نطاق واسع، وبالتالي من المنطقي أن يتدخل حلف الناتو، الذي يعتبر أكبر قوة أمنية في أوروبا، للاضطلاع بدور أقوى في تنسيق الجهود العسكرية لأعضائه في منطقة شرق آسيا.
وبحسب المجلة، فإن القيام بمهمة خارج حدوده بعيدة كل البعد عن كونها مهمة غير اعتيادية لحلف الناتو، خصوصا وأنه انخرط في العديد من عمليات مكافحة القرصنة وتحقيق الاستقرار والتدريب في جميع أنحاء العالم على مدار العقود الماضية، وأقام بالفعل شراكات رسمية مع العديد من دول منطقة المحيطين الهندي والهادئ والتي ساهم العديد منها بقوات في مهام تابعة له.
وترى "ذا ديبلومات" أنه بتعميق الحلف لهذه العلاقات مع دول المحيطين الهندي والهادئ، يمكن للناتو تقديم قيمة مضافة عندما يتعلق الأمر بالتخطيط للأحداث الطارئة العسكرية، وتحسين التدريبات المشتركة، وتعزيز العمل المشترك مع الشركاء في المنطقة، مشددة على أنه لتعزيز إدارة هذه المسئوليات الجديدة والتأكيد على التزامه إزاء هذ المنطقة، يتعين على الناتو أيضا إنشاء مقر دائم مُصغر لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ.
واختتمت المجلة تقريرها بأن ردع التحالف الروسي ـ الصيني الناشئ عن المزيد من الأعمال المدمرة على الساحة الدولية سيتطلب على الأرجح تحالفا واسعا من الجهات الفاعلة ذات التفكير المماثل. وباعتباره حلقة وصل طبيعية للتعاون الأمني الدولي، فإنه يتعين على حلف الناتو لعب دور مهم في جمع مثل هذه الجهات الفاعلة معا، سواء كان ذلك في أوروبا أو شرق آسيا.