قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

صدى البلد

في ذكرى مولده .. حلاوة سيرته قبل حلاوة المولد

محمود أبو حبيب
محمود أبو حبيب
×

تحل علينا هذه الأيام ذكرى ذات مكانة كبيرة وقيمة عظيمة، لما أحدثته من أثر في المشهد الإنساني، وهي ذكرى ميلاد سيدنا محمد ﷺ والذي كان ميلاده نقطة فارقة في تاريخ العرب، حولتهم من قبائل غارقة في دياجير التاريخ، إلى أمة ذات حضارة راقية، غيرت واقع العالم وصاغت أحداثه، هذه الحضارة التي بناها محمد ﷺ بسواعد أصحابه، ساعده على ذلك ما اشتملت عليه دعوته من قيم العدل والإحسان دون تمييز بين إنسان وآخر، والتي لم تكن دعوة إيمانية فقط، ولكنها دعوة إلى التلاحم الثقافي مع كل الأمم، مع الحفاظ على هويتها الإيمانية، فكما شملت دعوته تنظيم جوانب العقيدة للمسلمين، لم تغفل ذلك البعد الإنساني من تنظيم معاملاتهم مع غير المؤمنين، وما أكثر ما انطوى عليه تراثنا من نصوص تحذرنا من العدوان على الآخرين أو امتهان حقوقهم، والتي تؤكد على عظمة نبينا، ومع أنه ﷺ لا يحتاج إلى استشهاد لبيان ذلك، لكني أذكر هنا ما قاله المؤرخ الفرنسي "غوستاف لوبون" في كتابه "حضارة العرب" والذي أظهر فيه ما للعرب من حضارة على وجهها الصحيح "إذا ما قيست قيمة الرجال بجليل أعمالهم كان محمد من أعظم من عرفهم التاريخ".

لم تكن كلماتي السابقة من باب تكرار الحديث وترداده، وإنما هي استشهاد لما أردت الحديث فيه، وهو ليس استشهادا للاحتفال في ذاته لأنه أمر لا يساوره شك، وإنما لكيفيته والصورة التي يجب أن نحتفل بها بميلاده ﷺ، من أن يحسن المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها هذا الاحتفال بالبشاشة والتيسير على الخلق في كل شئون حياتهم ولين الجانب وحسن المعاملة وحسن الأداء، بالإضافة لكونه احتفالا ممزوجا بالطاعة والعبادة لأنها خير ما يكتسبه العبد في حياته، كما كان ﷺ يفعل في هذا اليوم، ولما سئل عن صيام يوم الأثنين قال ﷺ "ذاك يوم ولدت فيه".

أما أن ينطوي الاحتفال على مظاهر شكلية فقط، مع إفراغه من كل صور الاحتفال المطلوبة على وجهها الصحيح، فهو خروج عن المقصد الحقيقي للاحتفال، ويستوجب البحث والاستقصاء فيما وصلت إليه الأمة، وليس هذا الخوض من قبيل التشكيك أو الإبطال لهذه المظاهر، فهو أمر يحتاج إلى إقامة دليل، ولست من المختصين في هذا، وإنما هو تذكير بإن يكون احتفالانا مبني على معرفة حقيقة بنبينا ﷺ ودلالة هذه الذكرى كحدث غير مجريات التاريخ الإنساني، وأقصد هنا المعرفة الدال عليها السلوك، وليست تلك المعرفة المقتصرة على مجرد العلم في ذاته.

لا أجد حرج أن يُدخل الرجل على أهل بيته وصلة الأرحام السرور، من خلال جلب بعض الأشياء التي جرت عليها العادة في مثل هذه المناسبات مالم تكن محرمة، لكن من الخلل أن يربي الواحد منا أبناءه على أن هذه فقط هي مظاهر الاحتفال بميلاد نبينا ﷺ، أجد من المعيب أن تروج السلع والمكسرات في ذكرى ميلاد قائد ومؤسس هذه الأمة بدلًا من تروج أخلاقه وشمائله التي أمرنا بها، بل ومن غير المقبول أن يكون حجم الإنفاق على مظاهر الاحتفالات الملايين وهناك مرضى وجوعى، وقد حثنا ﷺ أن نعينهم على سد رمقهم وأن نضمد جراحهم، لا أظن أن هذه المظاهر التي نصنعها ستكون مصدر سعادة لنبينا ﷺ وهو يرى أتباعه يحتفلون بميلاده على هذا النحو.

ينبغي علينا في غمار هذا الصراع الذي تعيشه قيمنا والإعصار الذي يحاول أن يجتاح أفكارنا، أن لا نجهل تأثير ذلك على أجيالنا، وأن يكون احتفالانا هو استقراء في سنته ﷺ لنستخلص منها ما يساعدنا على ترميم كثير من التصدعات التي طالت مجتمعاتنا، وأن لا تمر هذه الذكرى إلا وقد رسخنا في شخصية أبنائنا معنى من شخصية نبيهم الأعظم وأخلاقه النبيلة والتي كانت السبب في جدارة هذه الأمة وسر تفردها، وهكذا في كل ذكرى وكل حدث من الأحداث التاريخية لهذه الأمة، ليقضى الرجل منا ما قدر له بين أبنائه وقد تشكلت شخصيتهم وفق منهج نبوي، ليردد فيهم قول الحق والذي جاء على لسان نبيه ﷺ "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي"، فهكذا يكون يا أتباع محمد.