الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ماذا فعل النبي حينما طلبت زوجة أبا لهب طلاق بناته؟ علي جمعة يجيب

علي جمعة
علي جمعة

روى الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، خلال تهنئته بمناسبة المولد النبوي، أن هناك حدثا بين النبي صلى الله عليه وسلم، وعمه أبي لهب، وهو خطبة أبناء أبي لهب لبنات النبي صلى الله عليه وسلم السيدة رقية، والسيدة أو كلثوم، وبعد الرسالة زوجة أبي لهب، طلبت منه أن يتم طلاق من ابنتي الرسول حتى ينتقموا من النبي صلى الله عليه وسلم.

ماذا فعل النبي حينما طلبت زوجة أبا لهب طلاق بناته؟ 

وأضاف علي جمعة خلال لقائه مع الإعلامي عمرو خليل خلال برنامج «من مصر»، على قناة «سي بي سي»، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحزن ولا يتأثر بعد طلاق ابنتيه، وكان هادئ النفس، ومتوكل على الله وكل ما يحدث شيء من هذا كان يتقبلها بسكينة وحب، وبالرغم من طلاق ابنتيه، إلا أنه لم يحزن ولم يفعل مشكلة مع أبي لهب.

الأبوان الكريمان نبع الإيمان

يقول علي جمعة كان المصطفى على أعظمِ ما يكون مِن البر بوالديه عليه وعليهما السلام؛ حبًّا لذكرهما، وافتخارًا بهما، وإكرامًا لأهل ودهما، وزيارةً لهما، وحثًّا على زيارتهما، واعتناءً بموضعهما، وإصلاحًا لقبريهما، وجلوسًا إليهما، وبكاءً عندهما، ومناجاةً لهما، واشتياقًا إليهما، ودعاءً لهما، وترحمًا عليهما، ولم يُرَ باكيًا كبكائه عندهما، ومخبرًا أنه لا يصده شيء عن تلبية ندائهما فيقول: «لَوْ أَدْرَكْتُ وَالِدَيَّ أَوْ أَحَدَهُمَا وَأَنَا فِي صَلاةِ الْعِشَاءِ وَقَدْ قَرَأْتُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، يُنَادِينِي: يَا مُحَمَّدُ، لأَجْبُتُه: لَبَّيْكَ»؛ امتثالًا في كل ذلك لقول الله تعالى: ﴿وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ۝ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾.

وكرر الزيارة لأمه عليها السلام عام الفتح وحجة الوداع والحديبية مع أصحاب بيعة الرضوان. ولما استأذن في الاستغفار لها نهاه المنّـــان؛ لئلا يُتوهَّم أنها مؤاخَذَةٌ بذنبٍ يستوجب طلب الغفران، بل هما السيدان المبرَّءان المبروران، والوالدان المبوَّءان أعلى الجنان، مع ولدهما حبيب الرحمن، صلى الله عليه وآله ذوي العرفان، وآبائه وأمهاته تيجان الزمان.
فلما مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عمرة الحديبية بالأبواء أتى قبر أمه عليه السلام فأصلحه وبكى عنده وبكى المسلمون لبكائه.
وعن بريدة رضي الله عنه قال: "زار النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبر أمه في ألفِ مقنَّعٍ، فما رُئِيَ أكثرَ باكيًا من ذلك اليوم".
وفي لفظ: "فما رأيتُ أكثرَ مِن باكٍ وباكيةٍ يومئذ".
وفي لفظ: "لمّا فتح مكةَ أتى حرَم قبر فجلس إليه، وجلس الناس حوله، فجعل يشير كهيئة المخاطِب، ثم قام وهو يبكي".
وعن زيد بن الخطاب رضي الله عنه قال: "فرأيناه كأنه يناجي، فقام يمسح الدموع بين عينيه".
نبكى الفتاةَ البرّةَ الأمينة .. ذاتَ الجمالِ العَفّةَ الرَّزِينة
زوجةَ عبدِ الله والقرينة .. أمَّ نبيِّ اللهِ ذي السكينة 
وصـــاحبِ المنبرِ بالمدينة .. صارتْ لدى حُفرَتِها رَهِينة
لو فُودِيَتْ لفُودِيَتْ ثمينة .. وللمنـــايا شَفْرَةٌ سَنِينَة
لا تُبقِ ظعّانًا ولا ظَعِينة .. إلا أتَتْ وقطَعَتْ وَتِينَـــه
أما هلكتِ أيُّها الحنونة .. عن الذي ذو العرش يُعْلي دينَه
فڪلُّنا والهةٌ حزينة .. نبكيك للعطلة أو للزينة
[أبيات سُمِعَتْ في رثاء السيدة آمنة عليها السلام بعد موتها -قيل أنه رثاء الجن-]
وجعل الله هذا البكاء، سببًا في أن ينال والداه الشريفان منقبة الإحياء، ليحوزا شرف الإيمان به مع الأحياء، وليكونا من أمة سيد الأنبياء المصدِّقين بوحي السماء، ويصيرا في مقدمة الصحابة الأجلاء.
فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «سَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فَأَحْيَا لِي أُمِّي فَآمَنَتْ بِي، ثُمَّ رَدَّهَا».
حَبَا اللهُ النبيَّ مزيدَ فضلٍ .. على فضلٍ وكانَ بهِ رؤوفا 
فأحيا أمَّهُ وڪذا أبَاهُ .. لإيمـــانٍ به فضلًا لطيفـــا
فســلِّمْ فالقديمُ بذا قديرٌ .. وإنْ كان الحديثُ بِهِ ضعيفا
[الأبيات للإمام ابن ناصر الدين الدمشقي]
فحقهما على كل مسلم أوجبُ من حق أبويه لديه، وبرُّهما آكد مِن بره بوالديه؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في برهما، وتقديمًا لبر والدَي المصطفى الذي هو أَوْلَى بكل مؤمن مِن نفسه: على والدَي الإنسان نفسه؛ لأن ذلك إنما كان لحبه والتعلق به وتقديمه على النفوس والمهج، والآباء والأمهات، والأبناء والبنات؛ فتقر بذلك عينُ سيد الكائنات، عليه أنمى الصلوات وأزكى التسليمات وأعطر التحيات.
أَليسَ إِيمانُهما بِلازمِ .. وَمِنهُما قَد جاءَ هديُ العالمِ
كيفَ يكونُ رحمة العوالمِ .. لِوالديهِ هوَ غير راحمِ
فَاِقطع لسانَ قائلٍ بالضدِّ .. رَوى لِساني ودَرى جَناني
أَنَّهُما في الخلدِ خالدانِ .. قَد حَييا بِقدرَةِ الرحمنِ
وَآمَنا باِبنِهِما العدناني .. فَخرِ مَعدٍّ وبني معدِّ
[الأبيات للشيخ يوسف النبهاني]
وسئل القاضي ابن العربي، عمن قال: إن أبا النبي في النار! فأجاب: «مَن قال ذلك فهو ملعون؛ لقوله تعالى: ﴿إنّ الذين يُؤذُونَ اللهَ ورَسُولَه لَعَنَهم اللهُ في الدنيا والآَخِرةِ وأَعَدَّ لَهم عَذابًا مُهِينًا﴾، ولا أذًى أعظم من أن يقال عن أبيه صلى الله عليه وآله وسلم إنه في النار».
وقال إمام الشافعية، ابنُ حجرٍ الهيتميُّ ذو الفوائد البهية، عليه من الله أعطر سلام وأبهى تحية: «إياك أن يسبق لسانُك إلى غير ما قلنا -يعني: من النجاة- فتكون ممن آذى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فتستحق اللعنة بنص القرآن؛ كما قدّمنا عن ابن العربي، وإذا كان رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لمّا شكا إليه عكرمةُ بن أبي جهل رضي الله عنه قولَ الناس "هذا ابنُ أبي جهل": «لَا تُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ بِسَبِّ الْأَمْوَاتِ»، هذا مع كونه أبا جهل، فما ظنك بمن يتكلم في آبائه صلى الله عليه وآله وسلم بما يحطهم عن غاية الشرف والرفعة! نعوذ بالله من ذلك، ونسأله السلامة عن الخوض في مثل هذه المهالك».
وأين عكرمة من سيدنا رسول الله! وأين أبو جهل من سيدنا عبد الله!
وصنف العلماء عبر القرون في بيان إيمانهما عشراتِ المصنفات، حتى صنف الإمام الحافظ السيوطي عليه الرحمات في ذلك ستَّ رسالات:
1. «مسالك الحنفا في والدي المصطفى».
2. «الدرج المنيفة في الآباء الشريفة».
3. «المقامة السندسية في النسبة المصطفوية».
4. «التعظيم والمنة في أن أبوي رسول الله في الجنة».
5. «نشر العلمين المنيفين في إحياء الأبوين الشريفين».
6. «السبل الجلية في الآباء العلية».
وهو ممن صال في تقرير ذلك وجال، وأعرب فيه عن صواب المقال، وأوضح الأدلة بما فيها من صحيح أوجه الاستدلال، ولما شُغّب عليه في ذلك قال: «لو قطعتُ إربًا ما رجعتُ» عن ذلك بحال، «وقد رجوتُ بها الفوزَ بجنات النعيم، وتوصلتُ إلى مرضاة هذا النبي الكريم، المَـحْبُــوِّ بالتبجيل والتكريم، عليه أفضل الصلاة والتسليم، وأتحفتُ بها كلَّ ذي ذهنٍ قويم، وطبعٍ سليم، وفوقَ كلِّ ذي علمٍ عليم، ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾.
عطِّر اللهم روضَ المصـطفى .. بشذى الوصل صلاةً وسلاما
وعلى الآل الڪرام الشُرَفا .. واجعل المختارَ لي دومًا إماما
صـل يـــا ربِّ عليـــه ڪلما .. أومض البرقُ وما الغيثُ همى
واملأ الأرواحَ بالنور ڪما .. أُنشِئَتْ مِن نُور طــــــه قِدَمـــا