الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

من سينتصر.. روسيا أم أمريكا ؟

علاء حيدر
علاء حيدر

تلقت أمريكا بغضب شديد،  قيام الرئيس الروسي ، فلاديمير بوتين ، بتنظيم  أستفتاءات شعبية في أربع مناطق في الأراضي الأوكرانية، يعيش عليها  أغلبية من الروس، تمهيدا لضمها بشكل نهائي لروسيا الإتحادية.

 وتكتسب  المناطق الأربعة وهي "لوجانسك " و"دونيتسك " وزابوريجيا " و"خيرسون" أهمية إستراتيجية عظمى لروسيا، سواء لكونها توفر لها طرق  برية، و بحرية للوصول لشبه جزيرة القرم، التي تعد منفذ الأساطيل الروسية التجارية والعسكرية للمياه الدافئة، بسبب معاناة بقية سواحل روسيا من التجمد بفعل الثلوج معظم أشهر العام، أو بوصفها مناطق تزخر بالثروات الطبيعية، من فحم، وحديد، وصناعات بناء سفن ، وأكبر محطة  نووية لتوليد الطاقة، فضلا عن  أجود الأراضي الصالحة لزراعة، القمح ، وعباد الشمس الذي يصنع منه زيت الطعام .  

 ومع وصول  الأوضاع لأقصى درجات التوتر بين روسيا و الولايات بعد الإستفتاءات الأربعة ، أصبح الجميع يتساءل، ماذا سيفعل كل طرف لإنزال الهزيمة بالطرف الآخر، لا سيما  وأنها  المرة الاولى التي لن تستطيع فيها الولايات المتحدة حسم حرب من خلال قواتها المسلحة، نظرا لإمتلاك روسيا للسلاح النووي الفتاك .

 التساؤل الأهم  فهو لمن ستكون الغلبة، هل لروسيا التي تمتلك، 6850 ، رأس نووي  وهي قوة تدميرية هائلة  قادرة على محو  أمريكا وأوكرانيا ، بل والعالم كله  من على الخريطة ، أم  للولايات المتحدة ، التي تمتلك هي الأخرى، 6500   رأس نووي ، يمكن أن تبيد هي الأخرى روسيا من على وجه الأرض ؟ .  

 وبما أن الطرفين  يدركان أن الحرب النووية  لن يسفر عنها ، لا غالب ، و لا مغلوب، لأن الجميع سيكون قد سوي بالأرض،  بدأ كل جانب، الاستعداد لإتخاذ إجراءات من شأنها إجبار الطرف الثاني للخضوع لمطالبه .

فالولايات المتحدة و حلفاءها الاوروبيون بدأوا في إتخاذ عدة إجراءات للتخلص من فلاديمير بوتين بخنقه عسكريا،  واقتصاديا ، وسياسيا.  

ويعول الأمريكيون على عدة وسائل لإسقاط بوتين و إنزال الهزيمة العسكرية  بجيشه، أولها تزويد أوكرانيا بمساعدات مالية ضخمة،  بلغت حتى الآن أكثر من 60 مليار دولار،  فضلا عن  دعم عسكري بأحدث الإسلحة التكنولوجية الأمريكية و الأوروبية، بغرض إستنزاف الجيش الروسي في حرب طويلة الأمد.

 وأسفر ذلك الدعم العسكري عن إسترجاع بعض الأراضي في الأقاليم الأربعة أهمها على الإطلاق  تحرير مدينة" ليمان"  في إقليم دونيتسك وهي مدينة إستراتيجية للجيش الروسي الذي  كان يستخدمها كمصدر للإمدادات لقواته العاملة في شرق أوكرانيا .

 وإعتبر الأمريكيون إستعادة ليمان بمثابة البدء في  إنزال الهزيمة  بالجيش الروسي، و برروا ذلك  بإضطرار  الرئيس بوتين  لإعلان التعبئة العسكرية الجزئية  بأستدعاء 300 ألف من الاحتياط، و هي المرة الاولى التي تعلن فيها روسيا التعبئة العسكرية منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية في 1945.

وعقب تحرير ليمان، أطلقت الآلة الدعائية الأمريكية أبواقها حول العالم لضرب الروح المعنوية للشعب الروسي قائلة "  كيف يمكن للإحتياط المدنيين تحقيق نصر فشل في تحقيقه  200 ألف جندي نظامي".

أما الإجراء الثاني الذي يعتبره الأمريكيون مكملا للأول، فهو تأليب الشعب الروسي على الرئيس بوتين ، بفرض مزيد من العقوبات الإقتصادية على روسيا ،  حكومة و شعبا . و هذه الإجراءات بدأت  بالفعل  تؤثر  على حياة الشعب الروسي ، لا سيما بسبب حرمانه من منظومة "سويفت"  التي منعت المستوردين الروس من الإستيراد من الخارج بالدولار  .و تزداد قناعة   الأمريكيين  بأن العقوبات الإقتصادية ستنتهي بغضب شعبي، سيكون من شأنه إجبار بوتين على الإنسحاب من أوكرانيا ، بسبب ما سيعاني منه المواطنين الروس من تدهور في الحياة المعيشية و إرتفاع الأسعار  . و يأتي على رأس هذه العقوبات منع تصدير الغاز الروسي لأوروبا ،  لتجريد بوتين من عائدات تصل إلى 150 مليار دولار كل عام . 

ويقول الكاتب الأمريكي توماس فريدمان،  قريب الصلة بالأوساط الصهيونية ، أن حرمان  بوتين من تصدير الغاز لاوروبا ، سيكون  له تداعيات كارثية على الإقتصاد الروسي ، من منطلق أن الإقتصاد الروسي يعد محدود القدرات و يعتمد إعتمادا  كبيرا  على عائدات البترول و الغاز . و قد فسر الروس هذا التصريح بأنه يثبت ، أن أمريكا هي التي تقف وراء التخريب الذي حدث في خط غاز "تورد ستريم " ، الذي يمون ألمانيا بالغاز الروسي و منها الى بقية دول  أوروبا  . و يؤكد الخبراء  أن الولايات المتحدة وضعت برنامجا  مدروسا بدقة لكي تتمكن   أوروبا من إستبدال  الغاز الروسي بغاز بديل  من دول أخرى ، على رأسها الغاز  الأمريكي ، فضلا عن دول أخرى  منتجة للغاز مثل  الجزائر، و  قطر. كما  تأتي مصر على رأس هذه الدول بعد أن تحولت  لمركز لتسييل الغاز اليوناني ، و  الإسرائيلي،  و الإيطالي ،في   محطتي التسييل   بإدكو و دمياط .

 أما العامل الثالث الذي تعتمد عليه أمريكا ، فهو تجريد الرئيس بوتين من حلفائه الكبار، وعلى رأسهم الصين، والهند، بتهديدهما بالعقوبات الإقتصادية الغربية. 

وقد إعترف الرئيس بوتين، أن التهديد الأمريكي،  دفع الصين لتوجيه عدة أسئلة لروسيا  بخصوص الحرب على أوكرانيا،  في حين قالت الهند لبوتين أن الزمن الحالي ، ليس زمن الحروب ، بل زمن التنمية الإقتصادية . فهل يمكن للصين  أن تضحي  بعلاقات إقتصادية و تجارية مع  أمريكا و أوروبا بأكثر من ألفين مليار دولار  ( 2 تريليون دولار ) من أجل علاقات إقتصادية مع روسيا لا تزيد عن 200 مليار دولار ؟  .

ومن جانبه لن يقف الرئيس بوتين ، بقوميته المعهودة، مكتوف الأيدي أمام المخطط  الأمريكي ،  فتهديده المتواصل بإمكانية إستخدام  السلاح النووي ، بوصفه يمتلك الترسانة  النووية الاولى في العالم ، يجعل الغرب يشعر برعب شديد  حيال  حقيقة التهديدات الروسية ، لا سيما في حال ما شعر الرئيس بوتين بالهزيمة ، أو بمحاولات إذلاله كما تخطط أمريكا .

ولا أدل من رعب و فزع أمريكا و أوروبا من السلاح النووي الروسي من التحركات الغامضة لغواصة " يوم القيامة الروسية " التي تغوص في مياه القطب الشمالي ، و  التي تمتلك قوة نارية قادرة على محو مدن بأكملها ، فضلا عن توليد تسونامي من الاشعاعات النووية  الضخمة مما يمكنها من تدمير مدن ساحلية ،  و جعلها غير صالحة للحياة. فيوم القيامة تحمل طوربيد أسمه " بوسايدن " نووي تبلغ  قدرته التفجيرية 100 ميجا طن،  أي 130 ضعف القوة التفجيرية لقنبلتي هيروشيما و نجازاكي.

   وجاءت تهديدات الرئيس الشيشاني المسلم ، رمضان قاديروف،  الحليف الأكبر للرئيس بوتين ، بضرورة تفكير روسيا في إستخدام أسلحة نووية تكتيكية لحسم الحرب في  أوكرانيا ،  لتزيد من مخاوف أوروبا من إحتمالات  إستخدام روسيا  للسلاح النووي المدمر . و رغم أن الأسلحة  التكتيكية النووية، التي تحدث عنها رمضان قاديروف ليست بقوة الأسلحة النووية الإستراتيجية ذات الدمار الشامل ، لكنها تتسم مع ذلك بقوة تدميرية قوية ، يمكن أن تصل للقوة التدميرية لقنبلتي ، هيروشيما ، و نجازاكي ، اللذان تسببا في مقتل أعداد تتراوح  بين 70 الى 90 ألف ياباني في كل مدينة  .و يعترف العسكريون الأمريكيون بأن الأسلحة التكتيكية يمكن أن تحسم الحرب لصالح روسيا في ساعات محدودة ، فالسلاح النووي التكتيكي  مصمم خصيصا للأستخدام في ساحة المعارك العسكرية ، بضرب القوات المعادية ، و تدميرها بالكامل،  على أرض المعركة بضربة واحدة محدودة ، خلافا للسلاح النووي الاستراتيجي الذي يبيد مدن بالكامل .  

 وتمتلك روسيا 2000  سلاح  نووي تكتيكي، 50 منها فقط قادرة على إبادة الجيش الأوكراني بالكامل عن بكرة أبيه . وتتسم الأسلحة النووية التكتيكية بسهولة الإستخدام ، فهي يمكن أن تطلق بواسطة الصواريخ من طراز كروز،  أو يتم قصفها من على متن طائرات قاذفة ،  بل يمكن إطلاقها من بعض أنواع المدافع عندما تكون ذات قوة تدميرية أقل .

وتمتلك روسيا غواصات قادرة على إطلاق هذه الأسلحة التكتيكية و معظمها يتخذ من شبه جزيرة القرم قاعدة لها  .و تتراوح الشدة التفجيرية للأسلحة التكتيكية من واحد كيلو طن فقط إلى 100 كيلو طن .

 أما الورقة الثانية التي يستخدمها الرئيس بوتين للضغط على أمريكا فهي إيران ، فإعلان بوتين عن عزمه شراء طائرات بدون طيار من إيران ، ما هو في واقع الأمر إلا رسالة تهديد لأمريكا،  مفادها ، أننا يمكن أن ننتقم من خلال مساعدة إيران في إمتلاك السلاح النووي . 

والجميع يدرك أن أكثر ما تخشاه إسرائيل ،  الطفل المدلل لأمريكا، هو امتلاك إيران للسلاح النووي، كما أن الرئيس بوتين لا يترك مناسبة إلا و شدد  فيها  على متانة العلاقات مع رئيس كوريا الشمالية ، كيم كونج أون ، الذي لا يتوقف عن التلويح بإستخدام صواريخه النووية عابرة  القارات ضد الولايات المتحدة. 

وتنوه بعض  الصحف الروسية، الى إمكانية لجوء الرئيس بوتين للرد على المخطط الامريكي ، بتقديم دعما عسكريا  كبيرا  لسوريا ، يكون من شأنه تهديد إحتلال إسرائيل لهضبة الجولان المحتلة ، التي إعترفت أمريكا  بضمها لإسرائيل، في عهد الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب .

 وجاءت وعود الرئيس بوتين للمتطوعين  للقتال في صفوف الجيش الروسي لمدة عام،  بمنحهم  الجنسية الروسية، بمثابة رسالة إلى الولايات المتحدة  مفادها أن روسيا ستمتلك ما يكفيها من القوات ، لتأمين الأراضي التي أحتلتها من أوكرانيا، و التي تبلغ مساحتها 100 ألف كيلو متر مربع أي ما يقرب من  20 في المائة من أجمالي مساحة أوكرنيا .  

 ويبقى السؤال المحير لمن ستكون الغلبة في الحرب الروسية على أوكرانيا ، هل لأمريكا بقوتها الإقتصادية ، أم لروسيا بقوتها النووية،  وهل سيكون الرئيس بوتين، أول زعيم  في التاريخ الحديث ، تفشل الصهيونية العالمية في إخضاعه لأهدافها القائمة على  معادلة " كل برميل بترول يستخرج من باطن الإرض فهو  لنا، و كل متر مكعب غاز من أملاكنا ، وكل أوقية ذهب من نصيبنا ؟ " .