الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أزمة الطاقة نعمة.. عندما تهدد الوفرة كوكب الأرض وتنقذه الندرة

حقل نفط
حقل نفط

يجتاح إعصار إيان البحر الكاريبي والساحل الشرقي للولايات المتحدة، ويكاد يكون أخطر إعصار في تاريخ فلوريدا، ولم تستطع كوبا السيطرة عليه لعدة أيام، حيث اقتلع المنازل وأحدث دمارا هائلا قد يتكلف إصلاحه مليارات الدولارات.

تعد الأعاصير ظاهرة طبيعية مناخية، لكن خلصت دراسة إلى أن التغيرات المناخية رفعت معدل الأمطار المصاحبة لإعصار إيان بنسبة 10%، ويمكن القول إن أكبر إعصار في العالم وصل إلى ذروته، ومع كل ارتفاع في درجات الحرارة بمقدار درجة واحدة، يتفاقم الضرر.

ولأن السياسيين منشغلون بأزمة أسعار الطاقة العالمية، فإنهم يغفلون عن مكمن الخطر الحقيقي. أدت أسعار الغاز المرتفعة، والمستمرة في الارتفاع بإطراد بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، إلى تزايد كلفة الطاقة بشكل يثقل كاهل المستهلكين، ورغم ذلك فإن المؤكد أن الوقود الأحفوري هو المشكلة الرئيسية، وأن تقليل الاعتماد عليه هو السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة، لكن لا يزال هذا صعبا، بسبب مماطلة الشركات العملاقة والدول المنتجة له، والتي تعوق أي جهود لخفض إنتاجه، وأصبحت الجهود الدبلوماسية الرامية لتحقيق ذلك الهدف مفرغة من مضمونها وتنطوي على قدر كبير من الازدواجية.

وحسب ما ذكر تقرير أصدرته صحيفة الجارديان البريطانية، فإن ما يؤيد هذا الاعتقاد، هو خلو اتفاقية باريس للمناخ الموقعة عام 2015، من أي إشارة للوقود الأحفوري، واقتصار توصيات قمة جلاسجو للمناخ العام الماضي على تخلص الدول من مخلفاته، وخفف الخطاب الموجه لتلك الدول من لغة التشديد على التخلص من الفحم، إلى المناشدة بتقليل استخدامه فقط، فلا عجب إذن من ازدهار صناعة الوقود الأحفوري، بينما لم يستطع العالم بعد التوقف عن استخدامه.

تحتاج الأزمة إلى حل دولي عادل وآمن، يضمن ألا تتخلف أي دولة عن التحول إلى الاعتماد على الطاقة النظيفة، وهو ما يوضح أهمية تفعيل معاهدة حظر انتشار الوقود الأحفوري، على غرار معاهدة حظر انتشار السلاح النووي. 

وتعد معاهدة حظر انتشار الوقود الأحفوري بمثابة إجراء مكمل لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية التي تهدف إلى إنهاء التنقيب عن الوقود الأحفوري وإنتاجه، وتقليل الاعتماد على ما هو موجود منه، تماشيا مع الهدف المعلن في اتفاقية باريس للمناخ بشأن منع تجاوز ارتفاع درجة حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية، وتبني سياسة التحول في كل مجتمع ودولة، وقد دعمت أكثر من 65 مدينة وحكومة محلية الاتفاقية، آخرها جزيرة فانواتو التي أدرك شعبها أن كل درجة حرارة ترتفع، وكل قطرة من النفط تصنعان الفارق في إمكانية النجاة، وأن نجاح أي اتفاقية دولية تهدف للتحول عن الوقود الأحفوري يتوقف على إدراك المخططات المستقبلية للشركات العملاقة فيما يتعلق بالحفر والضخ.

إن أول قاعدة بيانات عن إنتاج الوقود الأحفوري وحجم احتياطياته والانبعاثات الناجمة عن استخدامه وضعتها مبادرة "تتبع الكربون" (Carbon Tracker) ومنظمة "جلوبال إينرجي مونيتور"، ومسجل بها 50000 حقل في 89 دولة، وهي بذلك تغطي 75% من الإنتاج العالمي للوقود الأحفوري، وقد وجدت أن إنتاج وحرق الاحتياطي العالمي من الوقود، من شأنه أن يضاعف الميزانية المطلوبة للحد من الانبعاثات الكربونية بأكثر من 7 أضعاف.

ويكشف الواقع حماقة الدول التي تمضي قدما في عملية إنتاج الوقود الأحفوري وتأسيس البنية التحتية لها، كحقول النفط والغاز في بحر الشمال، والتي ترسخ الاعتماد على الوقود الأحفوري السام، وتؤدي إلى الدوران في دائرة مفرغة من الانبعاثات المحبوسة في الغلاف الجوي للأرض.

إن الحاجة إلى إبقاء الوقود الأحفوري في باطن الأرض لا يمكن إنكارها، لكن هناك أيضا احتياجا لتوفير بدائل نظيفة ورخيصة ومتجددة له، ولحسن الحظ فهي موجودة وفي الانتظار، فعلى سبيل المثال تبلغ كمية الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الممكن توليدها على مستوى العالم 100 ضعف حجم احتياجات الكوكب من الطاقة، وهي تنتظر فقط الإرادة السياسية لتأسيس البنية التحتية لها سريعًا وعلى نطاق واسع.