الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أكتوبر.. إرث الأجداد ومدعاة الفخر

نهال علام
نهال علام

بعض الأيام نور، وجودها في وريقات أعمارنا مبعث للسرور، فهى من تسطُر التاريخ المأثور، فلقد وهبتنا الكرامة والرأس المرفوع، مهما مرت السنون لا يخبو ألقها بل عظمة آثارها تزيد بريقها.

عام يعقبه عام، يا جلال هؤلاء الأنام الذين حرروا الأرض، واستعادوا العزة وحموا العرض، ولكن الثمن غير قابل للتثمين، لذا فالذكرى ستبقى خالدة وكلما مرّت الأيام  فالعبرة لن تنساها الأجيال ليوم الساعة حتى ينعدم الزمان والمكان.

كل ذو فطرة طبيعية وطنه في عقيدته أغلى عطية ربانية، ماضيه يتعلم منه الدرس وحاضره ينقش في جنباته سطور الغد، يسعد بنمائه ويحزن بدائه، وعظمة تاريخه تجعله حريصاً على تأريخ يومه وترك ميراث يليق بغده، ولكن كيف كان يومه!

بدا اليوم عادياً، تجرى فيه الأحداث طبيعياً، الناس تشعر بالرتابة وعلى الوجوه علت  الكآبة، لم يكن شديد الحرارة ولكن مع الصيام بدا خالى من الإثارة، الشوارع تكتظ بالمارة فساعات قليلة تفصلهم عن وجبة الإفطار السارة، وفجأة ارتفع صوت المذياع والمارة يهيمون دون انصياع، "هنا القاهرة بسم الله الرحمن الرحيم نجحت قواتنا المسلحة في عبور قناة السويس على طول المواجهة و نجحت بالاستيلاء على الشاطئ الشمال الشرقى للقناة"..

تجمد البشر ورقص الطير والحجر، انبسطت القلوب فالفرح بعد سنوات من الهجر  بات على شفا أبواب البيوت، كان حلماً مستحيلاً يحول دون تحقيقه حصناً منيعاً، كلف العدو ثروة لم يعرف البعض كيف يحصيها، ٣٠٠ مليون دولار تكلفة خط بارليف المادية، وجمل الترهيب وكلمات التهويل كُلفته النفسية، ونحن لا نملك إلا الحق والعزيمة ونفس حانقة لم تسلى طعم الهزيمة، فكيف حدث هذا النصر يا سادة! إنه فعل الإرادة وحسن الإدارة، إخلاص النية والنفوس التقية والأيادي العفية هى خلطة النصر البهية.

حرب أكتوبر إرث الأجداد ومدعاة الفخر للأبناء، ملحمة عسكرية خير شاهد على عبقرية الجندية المصرية، تُدرَس في الجامعات العالمية في كل ارجاء الدنيا، فكيف لدولة لا التملك إلا القليل تحطم حصون عدو يملك الكثير والكثير، مدعوم بأمه الحنون ماما أمريكا الأم الرأوم!

خمسون عاماً إلا بعض عام، لم تغب شمس الانتصار التى جاءت لتضيء ظلمة الانكسار، فتحت مصر أهدابها وزال الوهن من جبهتها وتلونت وجنتيها ببهجة النصر، التى زادت بهائها و محت الحزن عن شفاهها فسمعت الدنيا أصداء غنائها وهى تردد "بسم الله الله أكبر.. بسم الله بسم الله.. بسم الله أذن وكبر بسم الله".

لا يوجد بيت في ربوعها لم يقدم شهيد روت دمائه أرضها، رمال سيناء مخضبة بصفرة الشمس وحُمرة الدم وخضار القلوب وزرقة السماء وبياض السريرة، فرسمت صورة بديعة الألوان توجها علم مصر، لتكتمل ملحمة وطنية بديعة الأركان، تؤكد على قدرة الرحمن الذى خلق في حضن الجبل واحة من الوفاء والعرفان.

معركة بقاء خاضها أجدادنا ضد الدبابات والطائرات على حدود الوطن، والآن نخوض معركة بناء نحن الأبناء نواجه فيها الشائعات التى تنبثق من حرب المعلومات، العدو كان في الجبهة واليوم يختبأ وراء شاشات إلكترونية يدير بها حرب نفسية، فلم يعد هناك داعى للمواجهة.

منذ عام ٢٠١١ ومصر تخوض معركة شرسة، مع عدو لا يحتمى بسواتر ترابية ولكن يتحصن بالدروع البشرية، كانت عملية تطهير سيناء من أيدى معاقل الخوان معركة وجودية، تحتاج لما هو أبعد من القدرات العسكرية فإدارتها كانت بالحكمة الإنسانية، لأن قصة الإرهاب كان من الممكن القضاء عليها في غضون ساعات، فالصواريخ موجودة والطائرات على رأس الاستعدادات والرجال على أهبة التضحيات، ولكن تلك بقعة يختلط فيها الإرهاب مع الأهالي الأبرياء، لذا كان الاختيار مشوار التضحية والعّمار، يد تبنى ويد تقطع من يعبث بالبناء، وذلك حرصًا على أبناء سيناء الشرفاء.  

ذلك الاختيار كلف القوات المسلحة وأفراد الشرطة المصرية آلاف الأبطال، وتلك التضحيات ليست جديدة على أبناء مصر الأبرار، الذين حافظوا على دماء الأجداد وحقنوا دماء الأبناء، وسطروا مجداً جديداً في سماء سيناء.

انتهت معارك البقاء، ولكن لم تنته معركة الهدم وزعزعة الاستقرار وحتى كتابة تلك الكلمات لازالت قواتنا الباسلة تقدم التضحيات،  بدأت مصر عهداً جديداً من معارك البناء والنماء تحتاج للكثير من العمل والعرق والجهد لنحقق الرخاء، وبعد أعوام قليلة من طريق التنمية العظيمة وبالرغم من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وظروف الوباء القوية، تحقق مصر معدلات غير مسبوقة، ينظر لها العالم بأعين مرتقبة وتطلعات مرتبطة بحجم الإنجاز الذي بلا شك يتقاطع مع أسطورة نصر أكتوبر فيما يتعلق بالإعجاز.

‏سنظل مدينين لكل صناع السلام الذين حاربوا دون استسلام، القائد والجندي، الزوجة والأم، الأبناء والأصدقاء، الآباء والعلماء وكل من شارك في صناعة النصر في تاريخ مصر بلا استثناء، أما الشهداء طوبى لأرواحهم هؤلاء الأحياء، أعمارهم كانت على الأرض لحظة ولكن في السماء خالدة.

وكما قال رجل الحب والحرب الراحل الزعيم السادات في خطابه الشهير من بلاد الأعداء، التى ذهب إليها بطلاً مصرياً وعاد منها أسطورةً عالمية  "يا أيتها الأم الثكلى, ويا أيتها الزوجة المترملة, ويا أيها الابن الذي فقد الأخ والأب, ويا كل ضحايا الحروب ،املأوا الأرض والفضاء بتراتيل السلام ،املأوا الصدور والقلوب بآمال السلام،اجعلوا الأنشودة حقيقة تعيش وتثمر،اجعلوا الأمل دستور عمل ونضال"

وما أجمل من أن يكون الأمل دستور العمل والنضال قانون القضاء على الألم، لذا بحق كل الأمهات والزوجات والابناء الثكالى لنعاهد الله ألا نلتفت إلا لدستور الآمال، وأن نردد جميعاً أنشودة السلام، ونقيم صلوات المحبة في محراب العمل الذي يدفع الوطن للأمام.

فذلك صمام الأمان لأجيال قادمة لا يليق بها أن تدفع ثمن حروب المنصات والتكسب من الشائعات، لدينا وطن نبنيه أما قتلة السادات وكارهى السلام ليس لديهم إلا جوف الحقد فليذهبوا إليه، فنحن على موعد مع الأرض لنعمرها ونعلى راية الوطن فيها، وذلك هو الفرق بين من يسعى للحب ومدعاة الحرب، فمن عبر جسور اليأس ببأس ليبلغ مراتب العزة والكرامة، عليه ألا يلتفت للأبواق الكذابة والأفكار الهدامة، فالأوطان تبنى بالجهد والصبر والتضحية واليقين، والبشرى للمخلصين وكل عام ونحن منتصرين.