منذ بدء الأزمة الروسية الأوكرانية، أثار الصعود الجامح لـ الدولار الأمريكي، الذي سجل مستويات قياسية متتابعة أمام العديد من العملات، مخاوف من انهيار عملات أخرى ومن أزمة كبرى لم يشهد العالم لها مثيل منذ الأزمة الآسيوية في العام 1997.
عملات تتهاوى أمام الدولار
بفضل الارتفاع المفاجئ في أسعار الفائدة الذي أقره البنك المركزي الأمريكي، وتحسن النشاط الاقتصادي، دفعت العملة الأمريكية الجنيه الإسترليني أو الروبية الهندية أو الوون الكوري الجنوبي نزولا إلى مستويات لم تُعرف من قبل.
يقول براد بيكتل من مجموعة جيفريز إنه "من الواضح أننا نشهد تحركات قصوى، ويمكن للدولار أن يذهب أبعد من ذلك بكثير، لذلك قد ينتهي بنا الأمر إلى وضع كارثي" بالنسبة لبعض العملات.
ولم يكن لتحرك معظم البنوك المركزية، مثل بنك الاحتياطي الفيدرالي وتشديد السياسة المالية، دور كبير حتى الآن، عدا عن تدخل بنك اليابان المباشر في سوق الصرف الأجنبي لدعم الين الأسبوع الماضي.
ويخشى كثيرون من أن الأمر نفسه يمكن أن ينطبق على تدخل بنك إنجلترا الذي أدى إعلانه الأربعاء عن شراء السندات البريطانية إلى تحسن سعر صرف الجنيه الإسترليني.
ويقول الدكتور رشاد عبده الخبير الاقتصادي، إن السبب وراء الارتفاع الكبير الذي يشهده سعر الدولار العالمي، الحرب الروسية الأوكرانية، حيث أن أمريكا هي أكثر دول العالم استفادة من تلك الحرب، ولذلك تدعم أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة المتطورة حتى لا تنتهي هذه الحرب.
وأضاف عبده - خلال تصريحات لـ "صدى البلد": سوف ستمر أزمة الطاقة، إذا استمرت الحرب، ومن هنا تقوم أمريكا بالضغط على أوروبا حتى لا تستورد الغاز من روسيا، فأمريكا تعتبر البديل الوحيد للنفط والغاز لأوروبا، وبدأت بالفعل توثق اتفاقيات طويلة الأجل لضمان نصيبها في استثمارات مواردها حال انتهاء الحرب.
وأشار عبده - إلى أن الدولار استطاع أن يؤثر على العديد من العملات الأخرى، فالدولار يشكل خطرا كبيرا على جميع العملات، حيث أنه "أصبح العملة الوحيدة المشتركة لشراء الدول احتياجاتها من الخارج".
ومن ناحية أخرى، علق باتريك أوهير من موقع "بريفينغ.كوم" بقوله "لدينا بعض الشكوك في أن تكون خطة بنك إنجلترا هي الحل النهائي للقلق الذي يلقي بثقله على الجنيه الإسترليني وسوق السندات في المملكة المتحدة".
سبب ارتفاع الدولار عالميا
وليست المملكة المتحدة الوحيدة التي تعاني وضعاً سيئاً، فهناك بلدان ناشئة في وضع أسوأ، فقد فقدت الروبية الباكستانية 29% من قيمتها في عام واحد مقابل الدولار الأمريكي، وخسر الجنيه المصري 20%، فـ باكستان وسريلانكا وبنجلادش "تعاني جميعها نقص السيولة على مستوى العالم"، وفق وين ثين من مجموعة "بي بي اتش انفسترز سيرفيسز" (BBH Investor Services).
أدى ارتفاع أسعار النفط والحبوب التي تعد من أبرز واردات هذه الدول إلى زيادة عجزها التجاري وزيادة التضخم، وهما عاملان يؤثران سلباً على عملاتها، وأدى ارتفاع الدولار إلى زيادة حدة هذه الظاهرة لأن العديد من المواد الخام مسعرة بالعملة الخضراء.
وفيما يخص الجنيه الإسترليني لم يسلم من هذه التراجعات أمام الدولار، وانخفض بنحو 8.3 بالمئة في الربع الثالث، ليصل إلى حوالي 1.1170 دولار، ووصلت خسائره منذ بداية العام إلى حوالي 17.5 بالمئة.
وخلال الأسبوع الماضي انخفض الجنيه الإسترليني إلى أدنى مستوى في تاريخه، قبل أن يسترد بعض هذه الخسائر، وذلك عقب إعلان الحكومة البريطانية عن خطة تحفيزية أثارت مخاوف من تضخم ديون البلاد وتفاقم التضخم..
وأما فيما يخص الصين واليابان، وإن كان حجم اقتصاديهما يجعلهما في وضع أفضل من جاراتهما، فقد ساهم البلدان في الأسابيع الأخيرة في الاضطرابات في سوق الصرف الأجنبي. ومن ثم انخفض الين الياباني واليوان الصيني مؤخرًا إلى أدنى مستوى لهما منذ 24 و14 عامًا على التوالي.
ومن بين البلدان القليلة التي ما زالت تربط عملتها بالدولار، أعلن لبنان الخميس أنه سيخفض قريبًا قيمة الليرة اللبنانية إلى 15 ألف ليرة للدولار الواحد، مقابل 1507 ليرة حاليًا بالسعر الرسمي.
ويبدو أن الولايات المتحدة وحدها قادرة على خفض جموح عملتها ولكن "مع ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة، ينظر الاحتياطي الفدرالي إلى الدولار القوي على أنه نعمة"، وفق كريستوفر فيكيو من شركة "ديلي اف اكس" (DailyFX).
والجدير بالذكر، أنه منذ بداية العام ارتفع مؤشر الدولار بنحو 17.9 بالمئة، ليكون الرابح الوحيد بين العملات الرئيسية الكبرى، وذلك بدعم من سلسة زيادة الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي لكبح التضخم.
الدولار الرابح الوحيد سوقيا
في المقابل انخفض اليورو بنسبة 6.5 بالمئة في الربع الثالث، ليعمق خسائره منذ بداية العام والتي وصلت لنحو 13.8 بالمئة، وليبقى دون مستوى التعادل مع العملة الأمريكية عند 0.9802 دولار.