لا تزال التحديات الاقتصادية التى يشهدها العالم بسبب تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية وفيروس كورونا "كوفيد-19" تمثل تهديداً لاقتصادات الدول، ومستمرة فى توجيه الضرباتها الشرسة للأنظمة المالية والنقدية مما يشكل ضغوطاً متفاوتة على ميزانيات الدول ورفاهية الشعوب.
الاستثمارات الطريق المباشر للتنمية
ولتحقيق أهداف التنمية المستدامة لا بد من وجود استثمارات ضخمة، بمرافق البنية التحتية، وبناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ، لكن قدرة الحكومات في الدول النامية على تدبير الإيرادات من الأسواق المحلية أو الاستثمارات الخاصة غالبا ما تكون محدودة.
ويعد التمويل بالدَّين ذات أهمية بالغة للتنمية، ولكن المستويات غير المستدامة تُلحق الضرر بالنمو وبالفقراء. وقد تكون الديون أداة مفيدة إذا اتسمت بالشفافية، وأُحسِنت إدارتها، واستُخدمت في سياق من سياسات نمو تتمتع بالمصداقية.
ولا تسير الأمور في كثير من الأحيان على هذا النحو، فارتفاع الدَّين العام للدول يزيد من الضغوط على الموازنة العامة، ويحد من الإنفاق الاجتماعي، ويحد من قدرة الحكومات على تنفيذ الإصلاحات.
ونظرا لارتفاع مخاطر الديون في الفترة الأخيرة على بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان منخفضة الدخل والتي شهدت زيادة كبيرة، بسبب تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية وفيروس كورونا، حيث بلغ إجمالي الدين الخارجي للبلدان منخفضة الدخل والبلدان متوسطة الدخل 8.1 تريليونات دولار.
فقد أطلقت مصر مبادرة لتخفيف ديون الدول النامية، حيث قال سامح شكري، وزير الخارجية،خلال كلمة، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن "اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية، فاقم الأزمة الاقتصادية التي يعانيها العالم»، منوهًا إلى أن «استمرار الآثار السلبية لجائحة كورونا، والتطورات الجيوسياسية المتلاحقة، تزيد من الأعباء الملقاة على عاتق الدول النامية".
مبادرة عالمية للدول الدائنة والمدينة
وأضاف شكري، أن الآثار السلبية تزيد من الأعباء الملقاة على عاتق الدول النامية، لا سيما ما يتعلق بالديون السيادية وتفاقم العجز في الموازنات العامة.
وشدد على أهمية تجاوب الدول المتقدمة مع مطلب إطلاق مبادرة عالمية بين الدول الدائنة والمدينة، تهدف إلى مبادلة الديون، وتحويل الجزء الأكبر منها إلى مشروعات استثمارية مشتركة، تخلق المزيد من فرص العمل وتسهم في تحقيق نمو إيجابي للاقتصاد.
وقال السفير أحمد أبو زيد، المتحدث باسم وزارة الخارجية، إن كلمة سامح شكري، وزير الخارجية، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، نوهت إلى أن العالم انتقل في تعامله من مبدأ الأمن الجماعي إلى مبدأ توازن القوى، منوهًا إلى أن الأمر يؤجج الصراعات والاستقطاب في المجتمع الدولي.
وأضاف أبو زيد، أن وزير الخارجية دعا إلى العودة إلى الدبلوماسية متعددة الأطراف والأمم المتحدة، والدور المحوري لها في التعامل مع قضايا السلم والأمن العالميين.
وعن دعوة وزير الخارجية لإطلاق مبادرة لمبادلة الديون وتحويل جزء منها لمشروعات استثمارية، ذكر أن الطرح يأتي في سياق التعامل بشكل عام مع تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية الاقتصادية، وما تتسبب فيه من أزمة غذاء وارتفاع أسعار الطاقة والضغط على اقتصاديات الدول النامية.
مصر تطرح مبادرة لتخفيف الديون
وأشار متحدث الخارجية، إلى أن مصر تطرح مبادرة عالمية لتخفيف الديون، والتضامن بين الدول المتقدمة والنامية، لمساعدتها على التعامل، وتجاوز الأزمة الاقتصادية الحالية، قائلا إن وزير الخارجية طرح خلال كلمته مبادرة لتخزين الغذاء واستضافة مصر مركز لتوريد وتخزين الحبوب، في إطار دورها الخاص بصون الأمن الغذائي العالمي.
ولفت أن وزير الخارجية دعا إلى تطوير نظم الزراعة والغذاء على مستوى العالم، وتوفير الإمداد للدول النامية دون عوائق، إضافة إلى تفعيل نظام مبكر للأمن الغذائي، تستشعر منه المنظومة الدولية احتمالات لأزمة غذائية كبرى أو مجاعات في منطقة معينة.
وتقول الدكتور يمن الحماقي أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة جامعة عين شمس، إن هذه مبادرة جيدة ومهمة خاصة في ذلك التوقيت، الذي تعاني فيه دول العالم من أزمة اقتصادية طاحنة.
وأضافت "الحماقي" - خلال تصريحات لـ"صدى البلد": الأهم كيفية تسويق تلك المبادرة، من خلال تكوين لوبي يساهم في تسويق المبادرة إلى المؤسسات الدولية، وعلى رأسهم البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، مشيرة إلى أن "مصر لديها خلفية جيدة نتيجة الأزمات التي مررت بها مثل أزمة فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" والأزمة الأوكرانية الروسية".
كيفية تخفيف الفوائد على الديون
وأكدت أن كل دراسات البنك الدولي تشير إلى وجود تزايد للفقر في الدول النامية والبنك الدولي ملزم بمحاولة التعامل مع الديون بصور عدة منها: إقامة مشاريع إنتاجية، تخفيف الفوائد على الديون، موضحة أنه لا توجد قوانين ملزمة لتخفيف الديون بل الأمر اختياري عن طريق التسويق الجيد، والحشد للمطالبة بتلك المبادرة.
ولفتت أن مصر لديها خطط ومؤهلة للقيام بهذا الدور لاطلاعها على مشكلات القارة السمراء، معقبة: "سبق وتم طرح مبادرة تخفيف الديون عقب أزمة فيروس كورونا المستجد وتحوراته، إلا أن الأزمة الأوكرانية الروسية أدت إلى تغير الأمور ، نظراً لمرور دول العالم بأزمات اقتصادية وإرتفاع معدل التضخم".
واختتمت: "يمكن تنفيذ المبادرة نظراً لأن أوضاع الدول بعد الحرب أصبحت تحتاج إلى ذلك"، مشددة على ”ضرورة وجود شركاء مع مصر لإنجاح تلك المبادرة".
وفي سياق متصل قال الدكتور خالد الشافعي الخبير الاقتصادي، أن تلك المبادرة من الصعب تنفيذها في ظل وجود أزمات عالمية تمر بها دول العالم نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية، حيث أصبحت دول العالم تعاني من ارتفاع معدل التضخم، موضحاً أن "تلك المبادرة تقدمت بها مصر خلال مشاركتها بالجمعية العامة للأمم المتحدة للتخفيف عن الدول النامية في ظل الدور الريادي الذي تلعبه مصر تجاه المنطقة والقارة السمراء".
ولفت الى أن مصر خصصت 100 مليار جنيه لمواجهه تحديات أزمة كورونا ولا يزال الاقتصاد المصرى بحاجة إلى مواصلة جهود الإصلاح من خلال تعزيز دور الاقتصاد الحقيقي وقدرته على مواجهة التحديات وتداعيات الحرب الأوكرانية الروسية وخاصة تحدى ارتفاع الدين العام وارتفاع البطالة واتجاه التضخم للزيادة.