تراجع سعر صرف الجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأمريكي في تعاملات اليوم "الاثنين" على إثر تعهد وزير الخزانة البريطاني كواسي كوارتينج بتنفيذ حزمة كبيرة من الإعفاءات الضريبة، ويقول المراقبون إن ما أعلنه وزير الخزانة البريطاني قد عزز من صدقية تقديرات قلقة للخبراء تؤكد أن بريطانيا باتت على طريق "كساد عظيم الخطر" في الأيام القادمة، وهو ما أثر سلبا بدوره على سعر الإسترليني.
وبيع الجنيه الإسترليني اليوم في التعاملات المتأخرة لقاء 0373ر1 دولار أمريكي، وهو السعر الأقل الذي يسجل منذ قرار بريطانيا خفض عملتها في العام 1971، غير أن الإسترليني أنهى تعاملات اليوم عند مستوى 08ر1 جنيه للدولار الواحد، وهو ما دفع الخبراء إلى القول إن ذلك سيضع ضغوطات كبيرة على حكومة المحافظين الجديدة في بريطانيا وهي الحكومة التي تراهن على أن خفض الضرائب وزيادة معدلات الاقتراض سيكونان أداتي إدارتها للاقتصاد البريطاني بما يحقق نموه في الأعوام القادمة.
لكن الخبراء يقولون إن توخي حكومة المحافظين الجديدة في بريطانيا لتلك السياسة ستقود أيضا إلى إشعال نيران تضخم الأسعار في الأسواق البريطانية بما يدفع بالإسترليني إلى مزيد من الانزلاق هبوطًا ويرفع من تكاليف اقتراض الحكومة البريطانية.
وإزاء تراجع الإسترليني اليوم علق المتحدث باسم الحكومة البريطانية بأنه "ليس من المفيد التعليق على كل تحرك يومي لأسعار العملة في بريطانيا على هذا النحو".
ويشير المراقبون إلى إن العملة البريطانية قد فقدت 5 في المائة من قيمتها في مواجهة الدولار الأمريكي منذ إعلان وزير الخزانة البريطانية يوم الجمعة الماضي عن حزمة إعفاءات ضريبية ستنفذها حكومة المحافظين ستكون الأكبر من منذ نصف قرن مضت.
وبحسب خطة الحكومة البريطانية الجديدة، فمن المقرر أن تخفض ضرائب بقيمة 45 مليار جنيه إسترليني (49 مليار دولار أمريكي) دعما لمشروعات الأعمال البريطانية، وتوازيًا مع ذلك، ستنفق الحكومة البريطانية مليارات الجنيهات الإسترلينية لمساعدة المشروعات المتعثرة ودعم المستهلكين وتثبيت فواتير استهلاك الغاز بما يحول دون تفاقم كلفة المعيشة للبريطانيين.
وتشير أرقام التضخم الصادرة عن مكتب الإحصاء المركزي في لندن إلى أن مستويات التضخم في بريطانيا قد سجلت أعلى معدلاتها منذ 40 عاما وبلغت حاليا 9ر9 في المائة، ويقول المراقبون إنه إذا تم وضع هذا المعدل في جانب وفي مواجهته خطط الحكومة البريطانية التحفيزية في الجانب الآخر، فإن المسار الوحيد أمام حكومة ليز تراس المحافظة الجديدة هو الاقتراض المحلي بما لن يقل عن 60 مليار جنيه إسترليني، وهو ما ألمح إليه وزير الخزانة البريطاني في تصريحاته يوم الجمعة الماضي، كاشفا عن خطة حكومة المحافظين لإنعاش اقتصاد بريطانيا في قادم الأعوام.
وأشار المراقبون إلى أن الإسترليني لم يكن هو العملة الوحيدة التي تراجعت أمام الدولار الأمريكي في الأيام الماضية، فقد تراجع اليورو الأوروبي بنسبة 20 في المائة هذا العام أمام الدولار الأمريكي منذ بداية مسلسل رفع الفائدة التي أطلقها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وتداعياتها التي انعكست إيجابا على قوة الدولار وتعزز مكانته في الأسواق العالمية التي عصفت بها الحرب الروسية - الأوكرانية، وتلاطمت عليها موجات كساد آخذه في التصاعد.
ويقول المراقبون إن قرار البنك المركزي البريطاني (بنك أوف إنجلاند) بعدم مجاراة بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي مجاراة تلقائية في رفع أسعار الفائدة، كان عاملًا مساعدًا على تراجع قيمة الإسترليني في مواجهة الدولار، ويستند المركزي البريطاني في ذلك على تباين مستويات التضخم في الأسواق الأمريكية والبريطانية، وبرغم ذلك رفع المركزي البريطاني الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية يوم الخميس الماضي في محاولة منه للجم التضخم الذي تجاوز 9 في المائة بحسب ما تمت الإشارة إليه، ومن المقرر أن تجتمع لجنة السياسة النقدية البريطانية في الثالث من نوفمبر القادم للنظر في سعر الفائدة، وحتى موعد هذا الانعقاد يتبارى المراقبون ما بين متوقع لرفع الفائدة لجما للتضخم، وآخر بهبوطها أو تثبيتها لحماية الاقتصاد البريطاني من احتمالات كساد كبير.