هل الجن يموتون ام لا؟ ومن يقبض أرواحهم، أسئلة تشغل ذهن الكثيرين، حيث جاء في الحديث: “أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون” رواه البخاري(7383)، ومسلم(2717) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، ومنهم من يموت بقطع حارقة من الشهب الثاقبة، وغير ذلك من أسباب الوفاة.
والجن طائفة من الموجودات الخفية وهي – بطبيعتها - مستورة عن حواسنا؛ فلا نراها ولا نسمعها، ولها شعور وإدراك وتصرفات تخصها، ومعظم أحوال الجن وأفعالهم لا نعرف عنها شيئًا، وينطبق عليه ما ينطبق على الإيمان بالغيبيات.
وبين الشيخ أحمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء، أن الجن لا يظهرون للإنسان فهم في بُعد آخر لا نراهم، فهم الذين يروننا، وذلك بنص القرآن الكريم، فالله سبحانه وتعالى، قال فى كتابه الكريم: «إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ»، منوهًا بأنه إذا رأى أحد من الإنس الجنَ فهذا الأمر خصوصية له كما هو الحال مع الأنبياء ومع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
من هم الجن؟
أكد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إن الجن طائفة من الموجودات الخفية وهي مستورة عن حواسنا؛ فلا نراها ولا نسمعها، وورد ذكر الجن في القرآن الكريم، ومن هنا وجب الإيمان بوجودهم حسب القدر الذي بينه القرآن وأوضحته السنة النبوية الصحيحة، وفيما وراء هذين المصدرين تصبح معلوماتنا عن الجن عارية عن أي دليل من أنواع الأدلة الحسية أو العقلية، وقد تحدث عنه كذلك الكتب السماوية فقد ذكر فى الإنجيل أن الشيطان تعرّض لسيدنا عيسى عليه السلام فى أكثر من موضع.
حكم إنكار وجود الجن
وأشار إلى أن القرآن أفرد لـ الجن سورة سُمّيت باسمهم؛ وهي «سورة الجن»، وقد وقع الإجماع بين المسلمين على أن عالم الجن حقيقة موجودة؛ فإنكاره يعارض ظواهر الكتاب والسنة، ويقرر إمام الحرمين الجويني أن: «التمسك بالظواهر والآحاد تكلف منا مع إجماع كافة العلماء في عصر الصحابة والتابعين على وجود الجن والشياطين والاستعاذة بالله من شرورهم، ولا يراغم مثل هذا الاتفاق متدين متشبث بمسكة من الدين»، وإذا كان الإنسان مخلوقا من طين، والملائكة من نور، فالجن مخلوق من النار: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ».
هل يرى الإنسان الجن؟
وأوضح أن الإنسان لا يرى الجن في حالته الطبيعية؛ لأن الجن مخلوق من نار ولا يمكن أن نراه في هيئته الحقيقية مطلقًا، ومهمته الإغواء والتضليل والتلبيس، ويجعل الإنسان يشعر بنزاعات في نفسه، وهنا نتكلم عن أن الجن أو الشيطان فريق واحد، ولكن هناك الجن الصالح والجن الفاسق، مشيرًا إلى أن الماديين أو الملحدين يغفلون عن هذه الغيبيات ويؤمنون فقط بما يلمسونه أو يرونه أو يسمعونه، لكن الوجود في الحقيقة أكبر من ذلك بكثير، فهناك الوجود المادي الحسي وهناك الوجود الغيبي، والإيمان بالغيب هو محور الإيمان، والمؤمن بالغيب أقوى وأقدر على التصور من الملحد لأن الملحد ينتهي به المطاف في منتصف الطريق ولا يقوى على الاستمرار، أما المؤمن فيكمل المشوار ليعرف ما هنالك.
معنى خلق الجن من نار
وأكد الإمام الأكبر أن خلق الجن من النار لا يعني أن ذوات الجن وأجسامهم نيران ملتهبة، بل المقصود أن أصل الجن من النار، مثله في ذلك مثل الإنسان؛ فإن أصله من طين، لكن ذات الإنسان بعد صيرورتها إنسانا لم تعد طينا أو ترابا، لافتا إلى أن حديث القرآن عن الملائكة يختلف عن حديثه عن الجن؛ فبينما يصف القرآن الملائكة بأنهم: «عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ»، وأنهم ذوات كلها خير وطاعة، يصف الجن بأنه قد يكون صالحا وقد يكون فاسدًا، وفي بعض المواضع أضاف إلى الجن مهمة الوسوسة بالشر وتزيينه للناس، شأنهم في ذلك شأن المنحرفين من بني آدم.
وشدّد على أن إنكار وجود الجن يعد تكذيبًا لما جاء في القرآن عن الجن، ورغم كثرة ما تحدث به القرآن عن الجن لم يجعل الإيمان بهم عقيدة من عقائد الإسلام كما جعل الملائكة، وإنما تحدث عنهم فقط كما يتحدث عن الإنسان وعن كل شيء، وإذًا فالتصديق بوجودهم من مقتضيات التصديق بالقرآن في كل ما حدث عنهم، مضيفًا أن القرآن الكريم تحدث عن الجن وصفاته، وأن الجن يعيش ويموت ويبعث؛ كالإنسان سواء بسواء: «ولَٰئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ»، والجن مثل الإنسان؛ يتزوج ويتناسل، ومنهم الذكور ومنهم الإناث: «وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا».
وبين الإمام الأكبر أن للجن شعورًا وإرادة، ولهم قدرات خارقة على الأفعال العجيبة والحركات السريعة والأفعال الشاقة، كما ورد في قصص سليمان عليه السلام وقصة ملكة سبأ، والجن مكلف بالأوامر والنواهي الشرعية، ومكلف بالعبادة كالإنسان: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»، ومنهم المسلم ومنهم الكافر، ومنهم الصالح ومنهم الفاسق: «وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ»، «وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ» والذي يظهر من كلامه تعالى أن «إبليس» من الجن وأن له ذرية وقبيلا: «وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا».
وجود الجن العاشق
قالت سائلة لدار الإفتاء المصرية «إن ابنتها مخطوبة وتعاني من وجود ما يسمى بـ«جني عاشق» يسيطر عليها، ويمنعها من الزواج، ويتحدث هذا الجن على لسانها بصوت رجل، ويقول «لن يتزوجها أحد غيري وجسمها ملكٌ لديّ»، وابنتي مُلتزمة بالصلاة والطاعات والعبادات، فماذا نفعل؟».
وطالب الشيخ أحمد ممدوح، مدير إدارة الأبحاث الشرعية وأمين لجنة الفتوى بدار الإفتاء، بعرض هذه الفتاة على طبيب نفسي ثقة، مؤكدًا أن ما تعاني منه لا علاقة له بالجن، خاصة أنها تؤدي العبادات.
وأكد ممدوح أن القرآن الكريم أخبر عن الجن وأن له مواصفات وقوانين خاصة به، ومن هنا وجب الإيمان بوجودهم حسب القدر الذي بيَّنه القرآن وأوضحته السنة النبوية الصحيحة، منوهًا بأن عقل الجن ضعيف مثل الأطفال، وإذا شعر بخوف الإنسان زاد في إخفاته.
وتساءل «هل الجن ليس وراءه شيء إلا التلبس ببني آدم؟!»، مطالبًا بعدم جعل الجن شماعة لتعليق عليها أوهامنا وفشلنا في الحياة، مؤكدًا أن الله تعالى جعل لنا تحصينًا من هذا المخلوقات بـ«المعوذتين» -الفلق والناس-، وكذلك أداء الصلوات والإكثار من ذكر الله تعالى، والاستغفار.
وذَكر الشيخ أحمد ممدوح أن الشيخ محمود خطاب السبكي حينما كان يقول له أحد الأشخاص أنه ملبوس من جني كان يضرب على فخذه ويقول: «اخرج احنا مش ورانا غيرك، فيخرج»، منوهًا بأن أحد المعالجين بالقرآن الكريم أكد له أن أكثر من 90% من الحالات التي تعامل معها كانت عبارة عن أوهام لا أصل لها ولا أساس بتلبسها بالجن.
وعن تحدث الفتاة بصوت رجل غير صوتها طبيعي، أفاد بأنه أجريت دراسة عن ذلك، أرجعت أن من يتحدث بلغة أجنبية لا يعرفها أو بصوت آخر إلى العقل الباطن وليس الجن، حيث إن المريض قد يكثر من مشاهدة الأفلام الإيطالية مثلًا فيحصل له اختزان في العقل اللاواعي لما يسمعه، وعندما تأتي إليه الحالة النفسية يسطير عقله الباطن، وليس الجني، ويحدث هذه الأصوات.
ونصح الشيخ أحمد ممدوح بأنه على الإنسان يحصن نفسه ويقوي عزمه وهمه، ويحسن ظنه بالله تعالى، أن الله -عز وجل - لم يجعل لأحد من خلقه عليه سبيلًا ليضر به.
هل يمكن للجن أن يشتهي إنسانا؟
ذكر الشيخ أشرف الفيل، الداعية الإسلامي، أن الجن خلق من مادة مختلفة عن المادة التي خلق منها الانسان، مشيرًا إلى أن الإنسان خلق من طين كما جاء في آيات القرآن الكريم أو الماء المهين الذي تطور بعد ذلك، وأما الجن فخلق من النار، وأما الملائكة فخلقت من نور.
ولفت في تصريحات تليفزيونية، إلى أن هذه أجناس ثلاثة خلقها الله- سبحانه وتعالى- بأشكال مختلفة ومن عناصر مختلفة تختلف بعضها عن بعض، منوهًا بأنه لا يمكن أبدا اندماج أي واحد من الاثنين في بعضهما البعض، فلا يندمج الملك مع الجن ولا يندمج الملك مع الإنس ولا الجن مع الإنس.
ونوه بأنه لا يمكن بحال من الأحوال ان يقال إن الجن يستطيع أن يلتقي بالإنس، لأن الجن له طريقته وله أسلوبه وله إمكانياته وله لذته وشهوته التي تختلف عن لذة البشر وشهوتهم، مستشهدا في ذلك بقول الله تعالى «إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ» (البقرة : 275)، وأن معنى المس هنا يكون المس النفسي والذي يعمل للإنسان وسوسة في أذنه ويكلمه، مشيرًا إلى أن الشيطان مهمته أنه يوسوس للإنسان، ولا أصل في أن الجن يلبس إنسانا ويمشي به ويتكلم بصوته، كل هذا كلام لا أصل له.