منذ نشوب الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير الماضي، فرضت دول الاتحاد الأوروبي حزما متتابعة من العقوبات ضد روسيا، في مقدمتها العقوبات المتعلقة بحظر شراء النفط الروسي، ومن المقرر أن يفرض الاتحاد الأوروبي حظرًا كاملًا على شراء النفط الروسي بحلول ديسمبر المقبل.
وزادت روسيا بشكل كبير كمية النفط التي تصدرها إلى دول آسيا مع تتابع موجات العقوبات الأوروبية على صناعة النفط الروسي، ولكن لا يزال يتعين على روسيا إيجاد زبائن بدائل لربع صادراتها من النفط الخام التي كانت تذهب إلى أوروبا، والتي بلغت 1.3 مليون برميل يوميًا.
أوروبا زبون النفط الروسي الأكبر
تصدر روسيا نحو 20 مليون طن من النفط الخام شهريًا، أي نحو 5 ملايين برميل يوميًا، إما عن طريق الناقلات البحرية أو خطوط الأنابيب الواصلة إلى أوروبا (مثل خط دروجبا) وآسيا، وفي أغسطس الماضي بلغ إجمالي صادرات روسيا عبر موانئها الأوروبية وخط أنابيب دروجبا 12.05 مليون طن، منها حوالي 5.5 مليون طن (1.3 مليون برميل يوميًا) تم شحنها إلى الدول التي قررت وقف استيراد النفط الروسي اعتبارًا من 5 ديسمبر.
وبسبب العقوبات وقرارات الحظر الأوروبية، أصبحت روسيا بحاجة إلى إيجاد مشترين جدد لهذا النفط الخام، الأمر الذي قد يتطلب عرضه بأسعار أرخص وشروط خاصة، بينما تواجه موسكو أيضًا متطلبات لوجستية أعلى تكلفة للشحن إلى وجهات أبعد.
ولطالما كان نفط الأورال الروسي سلعة رائجة في أوروبا، لكن بعد دخول الحظر الأوروبي حيز التنفيذ سيكون على روسيا إيجاد أسواق له خارج القارة، بما يستتبع ذلك من مخاوف تتعلق بتكاليف النقل والتأمين والجداول الزمنية لتسليم الشحنات.
وتعمل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أيضًا على تحديد سقف أو حد أقصى لسعر النفط الروسي، آملين أن يساهم ذلك في تقليل الإيرادات لموسكو مع الحفاظ على أسعار الطاقة العالمية منخفضة، أما موسكو من جانبها فتقول إنها لن تبيع النفط لأي دولة تلتزم بسقف للسعر، ويرى الكثير من خبراء صناعة النفط أن هذه الفكرة غير مجدية أو قابلة للتنفيذ عمليًا.
وصدرت روسيا 8.85 مليون طن من نفط الأورال من موانئها الأوروبية في أغسطس الماضي، اشترت الهند والصين وتركيا - التي لا يتوقع أن ينضموا إلى الحظر - نصفهم تقريبًا، بينما ذهب الباقي إلى أوروبا.
وفضلًا عن ذلك، تسلم روسيا حوالي 3.2 مليون طن من النفط إلى أوروبا شهريًا عبر خط أنابيب دروجبا، وهو خط معفى عمليًا من الحظر، إذلا تزال المجر وسلوفاكيا والتشيك ترغب في شراء النفط الروسي عبره. لكن كبار مشتري النفط الروسي عبر خط دروجبا، وهما ألمانيا وبولندا، تريدان التوقف عن شرائه اعتبارًا من عام 2023، ما يعني أن روسيا ستحتاج إلى مسترين جدد لنحو مليوني طن من النفط شهريًا.
النفط الروسي يبحث عن طرق بديلة
إن تحويل طريق النفط الروسي بعيدًا عن خط أنابيب دروجبا سيكون مهمة صعبة، لأن موانئ النفط الروسية لديها قدرة تصديرية محدودة، ولأن زيادة كمية النفط المصدرة عبرها ستحتاج إلى تشغيل مزيد من الناقلات البحرية.
ولا تستطيع روسيا كذلك تحويل جزء من النفط المصدر عبر خطر دروجبا الواصل إلى أوروبا إلى خط أنابيب شرق سيبيريا - المحيط الهادئ الواصل إلى آسيا، لأنه بدوره يتمتع بطاقة تشغيلية محدودة وقريبة من طاقة خط دروجبا، ما يعني أن النقل عبر أوروبا وقناة السويس هي الطرق الوحيدة الممكنة لنفط الأورال الخام إلى آسيا.
وتقدم شركات النفط الروسية بالفعل خصومات وتتحمل تكلفة الشحن والتأمين، وتعرض خيارات دفع متعددة وغيرها من الامتيازات للحفاظ على المشترين، ولكن حتى لو عرضت موسكو بيع نفطها بشروط أكثر إغراء، فمن غير المرجح أن تتمكن الهند والصين من شراء المزيد منه نظرًا لصفقاتهما المتعددة طويلة الأجل مع المنتجين المنافسين مثل السعودية والإمارات.
ولكي تتجنب روسيا الاعتماد فقط على الصين والهند وتركيا كأسواق بديلة للنفط، حاولت اجتذاب مشترين أصغر، إذ قالت سريلانكا إنها ستشتري النفط من روسيا لكنها اشترت فقط حوالي 300 ألف طن من نفط الأورال حتى الآن هذا العام، واشترت كوبا منه 200 ألف طن هذا العام.
ويرى بعض الخبراء أن المشترين الصغار ليسوا كافين لاستيعاب الفائض من النفط الروسي بسبب الحظر الأوروبي، ويرجحون أن الصين هي الملاذ الأخير للنفط الروسي، أو ستضطر موسكو إلى خفض الإنتاج في مرحلة ما.
ما خيارات أوروبا البديلة للنفط الروسي؟
تقول وكالة الطاقة الدولية إنه بموجب الحظر الأوروبي الذي يبدأ في ديسمبر، سيحتاج الاتحاد الأوروبي إلى إيجاد مصدر بديل لنحو 1.4 مليون برميل يوميًا من الخام الروسي، قد يأتي حوالي 300 ألف برميل يوميا منها من الولايات المتحدة و400 ألف برميل يوميا من كازاخستان.
ويجري التخطيط لزيادة الإنتاج خلال الربع الأخير من العام الحالي في حقل جوهان سفيردروب ربما بمقدار 220 ألف برميل يوميا، وهو أكبر حقل نفطي في النرويج وينتج خاما متوسطا شبيها بخام الأورال الروسي.
وتقول الوكالة إنه ستكون هناك حاجة للحصول على واردات من مناطق أخرى مثل الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية لتغطية الطلب في الاتحاد الأوروبي بشكل كامل. وسيستمر تدفق بعض النفط الروسي إلى الاتحاد الأوروبي عبر خطوط الأنابيب، لأن الحظر يستبعد بعض المصافي غير الساحلية.
وجاءت ألمانيا وهولندا وبولندا العام الماضي على رأس قائمة مستوردي النفط الروسي في أوروبا، إلا أن الدول الثلاثة لديها القدرة على استيراد النفط الخام عن طريق البحر، أما الدول الحبيسة في أوروبا الشرقية، مثل سلوفاكيا أو المجر، فليس لديها بدائل تذكر للإمدادات التي تصلها عبر خطوط الأنابيب من روسيا.
وترسخ اعتماد الاتحاد الأوروبي على روسيا في ظل وجود شركات روسية مثل روسنفت ولوك أويل، التي تسيطر على بعض أكبر المصافي في دول الاتحاد.