قد يبدو من المنطقي والبديهي القول إن ارتفاع سعر الدولار أمام العملات الأخرى سببه إقدام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) على رفع أسعار الفائدة مرة تلو أخرى خلال بضعة أشهر، ولأن الاستثمارات تميل إلى التدفق إلى العملات ذات العوائد المرتفعة، فقد كان ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية محركًا مهمًا لقوة الدولار.
ارتفاع سعر الدولار بسبب التشاؤم
لكن حسبما ترى صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، فإن رفع أسعار الفائدة قد لا يكون السبب الوحيد أو الرئيسي لارتفاع سعر الدولار، فالدولار يرتفع في بعض الأحيان وبغض النظر عن أسعار الفائدة عندما تتصاعد مخاوف الركود العالمي وتضعف الرغبة في المخاطرة.
ويوضح كاماكشيا تريفيدي، الخبير الاقتصادي ببنك جولدمان ساكس، أن قرار الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة ربما يفسر ارتفاع سعر الدولار أمام الأسعار الأخرى خلال الربع الأول من العام الجاري، لكن اعتبارًا من الربع الثاني، أصبحت مخاوف الركود العالمي وتباطؤ النمو هي المحرك الرئيسي لقوة الدولار، ولكن دون إنكار أثر القرارات اللاحقة بشأن رفع أسعار الفائدة أيضًا.
وأشار تريفيدي إلى أن سعر الدولار أمام بعض العملات الأخرى القوية بدورها قد يكون مبالغًا فيه، بالنظر إلى المكاسب القياسية التي يحققها في الآونة الأخيرة، إذ يقترب من أعلى مستوى له في التاريخ مقابل الين الياباني، ووصل بالفعل إلى أعلى مستوى له منذ 37 عامًا أمام الجنيه الإسترليني، وأعلى مستوى له منذ 20 عاما أمام اليورو.
ويتوقع جوناثان بيترسن، خبير الأسواق المالية بشركة كابيتال إيكونوميكس، أن يستمر الدولار في أدائه القوي على المدى القصير، موضحًا أن "نظرتنا المتشائمة للنمو الاقتصادي العالمي توحي لنا بأن الضعف المستمر في معنويات المخاطرة قد يدفع الدولار إلى ارتفاعات دورية جديدة".
ومع ذلك، لا ينبغي بطبيعة الحال إغفال أثر قرارات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على سعر الدولار، والذي من المتوقع أن يستمر بالارتفاع إلى أن يتخلى الاحتياطي الفيدرالي عن سياسته الانكماشية المتشددة، وتشير توقعات قوية إلى أن الاحتياطي الفيدرالي يعتزم رفع أسعار الفائدة مرتان أخريان على الأقل وبمقدار 125 نقطة أساس، بحيث تصل بحلول العام المقبل إلى 4.6%.
الاحتياطي الفيدرالي يصدّر الأزمة إلى الخارج
قالت صحيفة "فاينانشال تايمز" إن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يصدّر عواقب أخطائه إلى الخارج بشكل يثقل كاهل الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، فبينما تؤدي قرارات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بشأن رفع أسعار الفائدة إلى ارتفاع سعر الدولار أمام العملات الأخرى، ينتج عن ذلك ارتفاع معدل التضخم بدوره في جميع أنحاء العالم بسبب ارتفاع تكلفة إنتاج السلع المقومة بالدولار، ولأن الدولار هو عملة التبادل التجاري الرئيسية على مستوى العالم.
وكان من نتائج قرارات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي رفع أسعار الفائدة نشوب "حرب عملة عكسية" في جميع أنحاء العالم، إذ تتجه البنوك المركزية في معظم الدول إلى رفع أسعار الفائدة بدورها بمقدار يتراوح بين 50 و75 نقطة أساس، وفي بعض البلاد مثل السويد وكندا بمقدار 100 نقطة أساس، في محاولة لكبح هروب الدولار وتدفقه خارج تلك الدول عائدًا إلى الولايات المتحدة لإيداعه في البنوك الأمريكية أو الاستثمار في أدوات الدين الأمريكية انتظارًا لعوائد أعلى.