أدت درجات حرارة أعلى من معدلاتها المتوقعة في مثل هذا الوقت من العام؛ إلى ذوبان غير مسبوق لطبقة الغطاء الجليدي في جرينلاند، فيما يتفق خبراء المناخ على أمر مخيف، ألا وهو: علينا الاعتياد على ذلك.
توجد كميات هائلة من الجليد فوق اليابسة في جرينلاند والقارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا)، وإذا ذاب جزء صغير منه في المحيطات؛ فسيرتفع مستوى سطح البحر بشكل كبير، ولا يزال العلماء يدرسون مدى سرعة ذوبان الجليد وارتفاع مستوى المحيطات والبحار، لكن الدراسات الجديدة لا تترك مجالًا واسعًا للتفاؤل.
جرينلاند.. الغطاء الجليدي ينحسر
وفقًا لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، فسيكون على ملايين البشر على مدار القرن الحالي القلق من ارتفاع مستوى سطح البحر على حياتهم، ففي ورقة بحثية منشورة بمجلة "Nature Climate Change" قدّر باحثون أن "الجليد الزومبي" في جرينلاند، وهو قطع جليدية ضخمة تتجه إلى الذوبان بسبب التغيرات المناخية التي حدثت حتى الآن، سترفع مستوى سطح البحر بمقدار قدم تقريبًا.
ويقدر علماء أن أن نحو 3.3% من الغطاء الجليدي في جرينلاند سيذوب في المحيطات خلال القرن الحالي، وهو ما يعادل 110 تريليون طن من الجليد، وهذه التقديرات الأكثر تشاؤمًا مما كان متوقعًا قبل ذلك تمثل مع ذلك الحد الأدنى لما يمكن أن يحدث إذا استمر الاحترار العالمي بوتيرته الحالية.
ويوجد في جرينلاند ما يكفي من الجليد بحيث إذا ذاب تماماً فقد يرتفع مستوى سطح البحر بحوالي 25 قدمًا حول العالم. ويقول العلماء إن ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار 20 قدمًا فقط في جميع أنحاء العالم، سيدمر الكثير من الأراضي ويغرقها تماماً.
ونظراً لأن أماكن مثل جرينلاند تفقد كتلتها الجليدية فإنها تفقد أيضًا قوة جاذبية الجليد على الماء، مما يعني أن مستوى سطح البحر فيها ينخفض مع ارتفاع المستوى في مكان آخر.
القارة القطبية الجنوبية.. يوم القيامة الجليدي يقترب
ولا تأخذ هذه التقديرات في الاعتبار أيضًا الذوبان الذي يحدث في مناطق أخرى، ولا سيما القارة القطبية الجنوبية، والذي يزيد الصورة قتامة وتشاؤمًا، إذ كشفت دراسة نُشرت مؤخرًا بمجلة "نيتشر جيوساينس" عن تفاصيل مخيفة حول نهر ثويتس الجليدي العملاق في أنتاركتيكا، وهو عبارة عن مساحة شاسعة من الجليد بحجم ولاية فلوريدا، ويُعرف أيضًا باسم "يوم القيامة الجليدي"، لأن انهياره يمكن أن يرفع مستويات سطح البحر بمقدار 3 إلى 10 أقدام.
ولا يزال العلماء يكتشفون كيفية استجابة نهر ثويتس الجليدي للاحتباس الحراري. لذلك استخدم الباحثون مركبة آلية تحت الماء لرسم خريطة لكيفية تصرف الجليد عندما واجه أنواعًا مختلفة من الظروف في الماضي، لا سيما عندما يتفاعل مع قاع البحر الذي يرسو عليه، ووجدوا دليلًا على أن الجليد يستجيب بسرعة للظروف المعاكسة، ما يعني أن دفقات من الذوبان السريع قد تحدث في المستقبل القريب.
وحسب دراسة نشرها باحثون من الجامعة الوطنية الأسترالية في مجلة "نيتشر كومونيكيشنز" عام 2019، فإن البيانات التي تعود لآخر فترة معتدلة بين عصرين جليديين، والتي تم تسجيلها منذ 125 ألفاً إلى 118 ألف عام، أظهرت أن مستويات سطح البحر ارتفعت بما يصل إلى 10 أمتار عن المستويات الحالية.
ووجدت الدراسة، أن ارتفاع مستوى سطح البحر يبلغ ثلاثة أمتار في كل قرن من الزمن، ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى فقدان الجليد في الغطاء الجليدي للقارة القطبية الجنوبية.
وتسبب ارتفاع درجة الحرارة في المحيط الجنوبي في بداية الفترة المعتدلة بين العصرين الجليديين في فقدان الجليد في القطب الجنوبي. وقال الباحثون، إن المياه الذائبة الناتجة تسببت في تغيرات في المحيطات، حيث أدت إلى ارتفاع درجات الحرارة في القطب الشمالي وفقدان الجليد في جزيرة جرينلاند.
ذوبان الجليد والتأثير على مناخ الأرض
على أن ما هو سريع في الزمن الجيولوجي يبدو بطيئًا بالمقاييس الزمنية البشرية، وقد لا تأتي أشد عواقب ذوبان القمم الجليدية لعقود أو حتى لفترة أطول، وبالنظر إلى قلة ما يعرفه الخبراء عن ديناميكيات هذه التكوينات الجليدية العملاقة، فقد تكون تنبؤاتهم مجرد تكهنات خاطئة، لكن العالم يعاني بالفعل من آثار الارتفاع المتواضع نسبيًا في مستوى سطح البحر. وأحد الأمثلة على ذلك الفيضانات الكارثية لمدينة نيويورك خلال العاصفة ساندي عام 2012.
وكشفت دراسة حديثة أن ذوبان الجليد في القطب الجنوبي قد يتسبب في تفاعلات متسلسلة، تؤدي إلى تغير حالات الطقس في أنحاء العالم. واعتمدت الدراسة على مقارنة بيانات "للحقبة الميوسينية" الممتدة بين 13 و17 مليون سنة من الزمن الجيولوجي.
وتشير الدراسة إلى أن مستوى ثاني أكسيد الكربون ودرجات الحرارة خلال "العصر الميوسيني"، كانت مماثلة لتلك التي من المتوقع أن تصل إليها الأرض بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين.
وتقول الدراسة إن الرياح في القطب الجنوبي جافة جدا وباردة، ولا تتساقط الثلوج سنويا سوى بضع سنتمترات، ويصنف القطب على أنه صحراء.
وتحذر الدراسة من أن الرياح يمكن أن تنعكس إذا استمر ارتفاع درجات الحرارة، مبينة أن الرياح الموسمية هي انعكاس موسمي لاتجاه الرياح، ما يؤدي إلى تغيرات في هطول الأمطار في منطقة ما من العالم، وهو ما سيطال القطب الجنوبي.