ارتفع مؤشر الدولار الأمريكي بنسبة تصل إلى 12.7% منذ بداية هذا العام، ليواصل طريقه نحو تحقيق أفضل أداء سنوي له منذ 2014.
وازدهر سعر صرف الدولار بين أسعار الصرف الرئيسية في العالم التي شهدت انخفاضات حادة، ومن بينها اليورو الذي خسر نحو 11.7% من قيمته منذ بداية العام، كما انخفض الجنيه البريطاني بنسبة 12%، وذلك تأثرًا ببيئة التضخم المرتفع نتيجة الصراع بين روسيا وأوكرانيا وسلسلة التوريد العالمية المتوترة، وفي الوقت نفسه، تواجه سياسة البنوك المركزية معضلة بسبب تباطؤ الاقتصاد ومحاربة التضخم.
كانت مكاسب العملة الأمريكية مدفوعة إلى حد كبير برفع أسعار الفائدة بقوة من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بهدف تهدئة أسوأ تضخم في الولايات المتحدة منذ 40 عامًا، وأدى ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأمريكية الناتج عن رفع سعر الفائدة الفيدرالية إلى جذب المستثمرين وزيادة الطلب على الأوراق المالية المقومة بالدولار، مما أدى بدوره إلى تعزيز قيمة الدولار.
فيما أشار البعض إلى أن هناك سببًا آخر لجاذبية الدولار هو أنه على الرغم من المخاوف من ركود محتمل في الولايات المتحدة مقارنة بأوروبا فإن الاقتصاد الأمريكي يقف على أساس أكثر صلابة.
وتشير وكالة “أسوشيتيد برس” إلى أن قوة الدولار قد يكون ضارًا بالشركات الأمريكية، حيث سيؤدي إلى إضعاف الصادرات وسيزيد ذلك من إضعاف النمو الاقتصادي الأمريكي المتباطئ بالفعل، ومع ذلك، فإن ارتفاع قيمة الدولار مفيد أيضًا للشعب الأمريكي، حيث يمكن أن يؤدي الدولار القوي إلى تهدئة التضخم الجامح حيث ستصبح واردات السلع المختلفة إلى الولايات المتحدة أرخص، كما أن الدولار القوي يفيد السائحين الأمريكيين الذين يزورون أوروبا.
في الوقت نفسه، أدى ارتفاع الدولار إلى تعقيد التوقعات الاقتصادية غير المؤكدة بالفعل لأكبر اقتصاد في العالم، حسبما ذكرت وكالة أسوشيتيد برس، فمن ناحية، يسمح الدولار القوي للأمريكيين بشراء السلع الأجنبية بأسعار منخفضة مما خفف من الضغوط التضخمية، ولكن ليس كثيرًا، ومن ناحية أخري قد يؤدي إلى تباطؤ النمو في ظل ضعف الصادرات.
وأضافت الوكالة أن المخاوف من ركود عالمي كانت المحرك الرئيسي لأسواق تداول العملات الأجنبية وهناك اعتقاد عام بأن البنك الاحتياطي الفيدرالي لديه فرص أكثر من البنوك المركزية الأخري لرفع أسعار الفائدة.
وأشار محللون إلى أن الدولار الأمريكي هو الملاذ الآمن المعترف به عالميًا للمال، وهذا يعمل كعامل آخر في زيادة الطلب على الدولار نظرًا للاضطرابات الأخيرة في الأسواق المالية.
ويؤثر ارتفاع الدولار على الشركات الأمريكية التي تمارس الأعمال التجارية في الخارج، حيث تؤدي قوته إلى تقليل أرباح الشركات متعددة الجنسيات التي تعتمد على العمليات الخارجية، فعندما تقوم هذه الشركات بتحويل الدخل الأجنبي إلى دولارات والعودة إلى الولايات المتحدة تتراجع أرباحها، على سبيل المثال: خفضت شركة التكنولوجيا الأمريكية المعروفة مايكروسوفت توقعاتها لأرباح الربع الثاني في يونيو “بسبب تحركات العملة غير المواتية”، حيث يعمل الدولار كأهم عملة احتياطية في العالم ويستخدم لتداول السلع في الاقتصاد العالمي، كما ينتشر الدولار القوي من خلال الأسواق المالية والاقتصادات في جميع أنحاء العالم.
ويقول أستاذ السياسة التجارية بجامعة كورنيل والخبير الاقتصادي بمعهد بروكينغز ” إسوار براساد”: إن ارتفاع الدولار لن يفيد بالتأكيد المصدرين الأمريكيين، ومما يزيد الأمر سوءًا، أن الدولار القوي يجعل المنتجات الأمريكية الصنع أكثر تكلفة في الأسواق الخارجية، بينما يمنح المنتجات الأجنبية المستوردة ميزة سعرية في الولايات المتحدة.
وأضاف أن قوة الدولار ستلقي بثقلها على النمو الأمريكي لأنه يقلل من الصادرات ويزيد الواردات، مما يؤدي إلى عجز تجاري أوسع.
في الواقع، أدى اتساع العجز التجاري إلى خفض النمو الاقتصادي الأمريكي بمقدار 3.2 نقطة مئوية من يناير إلى مارس، وهو السبب الرئيسي لانخفاض الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنسبة 1.6% في الربع الأول.
ويقول الاقتصاديون إن خطر حدوث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة قد ارتفع حيث رفع البنك الاحتياطي الفيدرالي تكاليف الاقتراض وتخلص المستهلكون من مدخراتهم خلال جائحة فيروس كورونا.
وهذا سيجعل مهمة البنك الاحتياطي الفيدرالي أكثر صعوبة، ويعتقد بعض محللي السوق أن تأثير ارتفاع قيمة العملة الأمريكية على السوق هو نفس تأثير رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة.
بالإضافة إلى ذلك، سيؤدي ارتفاع الدولار إلى تفاقم مشكلة التضخم في دول الأسواق الناشئة، مما يؤدي إلى خطر تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، في حين ستضطر دول أخرى إلى رفع أسعار الفائدة لأنها تواجه انخفاضًا في قيمة العملة وضغوطًا تضخمية مكثفة.