قضى حياته مدرساً بالتربية والتعليم، لكنه طوال فترة عمله بالتعليم، لم يترك حرفة والده التى توارثها عن أجداده منذ أن كان طفلاً صغيراً، فقد اعتاد فى بداية حياته مساعدتهم فى إحضار وتجهيز الأقفاص و الأسرة المصنعة من جريد النخيل، مثلما كان يفعل كافة الأطفال بمنطقة السرايرية بمدينة نقادة جنوب قنا .
محمد أحمد دردير" مدرس بالمعاش"، والشهير بـ"جمال دردير" وجد نفسه مثل الكثير من الأطفال وسط أكوام الجريد والأقفاص، التى كان الطلب عليها لا يتوقف على مدار العام، وقبل أن يكمل من عمره الـ خمسة أعوام، تحول من مجرد مشاهد لما يصنع والده من منتجات جريدية متنوعة، إلى"معلم" محترف- بلغة السوق- ينتج أقفاصاً لا تقل فى جودتها عما يصنعه والده.
حرفة الجريد جعلتنى شاعراً
جمال دردير، الذى اعتاد أن يقضى يومه كاملاً فى صنع منتجات الجريد، لم يجد أفضل من ترديد أشعار و أناشيد دينية و وطنية، خلال فترات العمل التى قد تمتد لمنتصف الليل، للترفيه والتسلية عن نفسه خلال العمل، ومع الوقت أصبح يؤلف قصائد عامية، يعبر بها عما يتعرض له من مواقف ويشعر به من أحاسيس.
قال جمال دردير، كنت أعمل مدرساً و أصبحت منذ شهور قليلة بالمعاش، ما جعلنى أحمد الله تعالى على حرفة العمل فى الجريد، التى تعلمتها وعملت بها منذ طفولتى، فكرست لها كل وقتى فى الفترة الأخيرة، لأننى لا أجيد غيرها، ولا يمكن لمن فى سنى العمل فى وظائف أو حرف أخرى بعد هذا السن، كما أنها توفر لى عائد مادى يساهم فى تدبير الاحتياجات اليومية، حتى و إن كان ما يأتى منها قليل، لكن أفضل من عدم وجود دخل آخر بجوار المعاش الذى يكفى بالكاد.
عائلتى حصلت على لقب" السرايرية"من العمل بالجريد.
و تابع دردير، العمل فى الجريد حرفة توارثناها جيلاً بعد جيل عن آبائنا و أجدادنا، وكانت بالنسبة لنا كأطفال مجرد لعبة أكثر منها شغل وعمل، وبالتدريج بدأنا فى تعلمها و احترافها، إلى أن يصبح الطفل منا ضمن كتيبة العمل بالأسرة، حيث يعمل الجميع فى هذه الحرفة، لذلك حملت عائلتى الكبيرة التى تتفرع منها أسر و بيوت كثيرة اسم عائلة" السرايرية".
و أضاف دردير، بأن العمل فى صنع منتجات الجريد لم يمنع أبناء العائلة من الالتحاق بالتعليم وتولى مناصب قيادية فى شتى الأماكن والمجالات، فالحرفة كانت مصدر خير لنا جميعاً تعلمنا من خلالها وعلمتنا الكثير من القيم والعادات الإيجابية، بجانب ما تحظى به عائلتنا من هدوء و أخلاق جعلت الكثير من الأهالى يقصدوننا لقراءة القرآن الكريم لأطفالهم حال إصابتهم بمكروه.
الجريد حرفة تناسب كبار السن
و أوضح دردير، إلى أن العمل بحرفة الجريد تحمل الكثير من الأسماء، فالبعض يطلق عليهم " السرايرية" وهو الأعم و الأشمل، والبعض يطلق عليهم " القفاصين"، والحرفة مثلها مثل كافة الحرف لها مزايا ولها عيوب، أبرز مزاياها يتمثل فى أنها تناسب الجميع، خاصة كبار السن، و أنها لا تحتاج لأدوات أو مكان كبير للعمل، و يمكن العمل بها فى أى وقت، وفى المقابل يعيبها عدم توفر الجريد على مدار العام، ضعف العائد من ورائها، فصنع 10 أقفاص على سبيل المثال يوفر لى 65 جنيهاً، أخصم منهم ثمن الجريد يتبقى النصف.
و أشار دردير، إلى أن الجريد تصنع منه منتجات كثيرة من أبرزها" الآسرة- الأقفاص- الكراسى"، لكن فى الفترة الأخيرة أصبح هناك تطور فى المنتجات على يد الشباب، فى محاولة لايجاد أسواق جديدة بعد تراجع الطلب فى السوق المحلى، فى ظل منافسة المنتجات المعدنية والبلاستيكية، فبعض الشباب يصنع " أباليك- أباجورات" لبيعها للكافتريات السياحية التى تتجه فى الفترة الأخيرة لاستخدام الحرف اليدوية فى تزيين حوائطها وجدرانها.