الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

السنباطي فيلسوف الموسيقى

منى أحمد
منى أحمد

عندما تستمتع لموسيقى الأطلال تدرك أنك في حضرة عبقرية موسيقية وهو العمل الذي اختارته صحيفة لوموند الفرنسية من بين أفضل مائة عمل فني وأدبي شكلت ذاكرة القرن العشرين .

ولم تكن الأطلال  سوي أحد اللآلِئُّ  الإبداعية التي أستطاع صاحبها أن يحصل علي جائزة أحسن موسيقي في العالم ، متوجا علي عرش لم يصل إليه سوى خمسة مبدعين في العالم كله ، وكان هو العربي الوحيد الذي حصل عليها ، فموسيقاه لم تتأثر بأية تنويعات او مقامات او حتي جمل لحنية أجنبية .

بدأ رياض  السنباطى  متأثرا بألحان سيد درويش ولذلك كان غناؤه لدور أنا هويت ،هو الأستثناء الوحيد لرياض حيث لم يسبق له الغناء من ألحان غيره بعد احترافه التلحين سوي لامام الملحنين سيد درويش. 

ملامح التلحين عند السنباطي ارتكزت على الإيقاعات الشرقية الرصينة  والبحور الشعرية الفسيحة  والكلمة الفصحى التي تقتضي  لحنا ، ومقامات  راسخة  فأنصرف إلى أسلوب تلحيني خاص ظهرا جليا في تلحين القصائد، وعبقرية من نوع فريد فقد جعلت ألحان رياض عموم الشعب تستمتع وتتذوق وتعشق القصيدة التي كانت حبيسة أبيات شعرائها ، وخرجت علي يديه من عليائها لتترجمها ألحانه العذبة التي ترقرقت متناغمة بين الأصالة والحداثة. 

ظهرت الموهبة المتفردة لرياض السنباطي في تلحين القصائد ، والتي لم يستطع أن ينازعه فيها أحد ، فقد أضاف  للقصائد خلودا وتقمص الأبيات الشعرية  بألحان تجاوزت الحدود الأبداعية ، وتمكنت من خلق حالة وجدانية خاصة لكل من يستمع إليها ،وهو ما أوجد رباطا قويا واستثنائيا بين الجمهور من المحيط للخليج والقصيدة العربية.

كان السنباطى عاشقا  للفصحي متأثرا بكبار شعراء النهضة الأبداعية  لمصر في القرن الماضي ،علي رأسهم أمير الشعراء أحمد شوقي والذي قام بتليحين جميع قصائده التي شدت بها كوكب الشرق أم كلثوم..سلوا كؤوس الطلا، سلوا قلبي ،نهج البردة ،ولد الهدي ،الي عرفات الله  ،السودان ،النيل.وغيرها .

ورغم تعاون أم كلثوم مع عدد من الملحنين الا ان  تعاونها مع  رياض السنباطي جاء  ليتوج التناغم بين النبوغ الموسيقي والأعجاز الصوتي خاصة في القصائد ، التى قضي رياض معظم سنوات عمره بين أبياتها واضعا خلاصة أبداعه فيها و مثلث تاجا تتباهى به الموسيقي الشرقيه لأحد أهم نجبائها.

كانت رباعيات الخيام  للشاعر الفارسي عمر الخيام  التي ترجمها الشاعر احمد رامي إلى العربية الأختبار الأصعب للسنباطي، وأستطاع  رغم صعوبته أن يجتازه بعبقريته وقام بتليحنها بمقامات عربية أصيلة تجاوزت في عظمتها حدود الجغرافيا المكانية والتاريخية ، وتسيد السنباطي بها تلحين القصيدة وهي المرحلة الأهم في رحلته الأبداعية. 

ومن الأصالة للحداثة كان السنباطي يتجدد منطلقا بالحانه ، يتحدي نفسه في كل قصيدة فمن حديث الروح للشاعر الباكستاني محمد اقبال إلي أراك عصي الدمع للشاعر العربي الكبير أبو فراس الحمدانى ، مرورا بالشاعر اليمني  المبدع علي أحمد باكثير في أحب القس سلامة ، وأحمد فتحي في قصة الامس، والأمير عبد الفيصل في من أجل عينيك وثورة الشك إلي  طاهر أبو فاشا وابيات رابعة العدوية ، وصولا إلي  شاعر النيل حافظ ابراهيم  ومصر تتحدث عن نفسها، حتي نصل لقمة الهرم الأبداعي والأطلال للشاعر العظيم ابراهيم ناجي ،وأروع  اعمال السنباطي والتي وصفها النقاد بأنها تاج الأغنية العربية.

الفخامة والثراء الواسع والمهابة وكلاسيكية البناء أهم ما تميزت به الجمل اللحنية للسنباطي  فقد فرض شخصيته اللحنية دون أن يتاثر بالمقامات الغربية ،مثل محمد عبد الوهاب وفي نفس الوقت لم يتجاهل الآلات الموسيقية الحديثة لكنه وظفها في اطار شرقي خالص.  

أتت موهبة السنباطي متشبعة بجذور عميقة من الموروث الثقافي ذو المقامات الشرقية الاصيلة ، التي استقاها من الانشاد فالوالد أحد أشهر المبتهلين في قريته أضافة إلي تعلمه تجويد تلاوة القران وولعه باللغة العربية، وجاء تفرد شخصيته الأبداعية ليصب في بوتقة موهبته ، وتصبح مدرسة رياض السنباطي متفردة متاصلة في وجدان الشعب العربي.