مع اقتراب خريف العام الحالي وبداية العام الجديد، لا يزال التشاؤم يطغى على توقعات الأغلبية الساحقة من الاقتصاديين، وسط موجة من التضخم الجامح على مستوى العالم، وقفزات واسعة في أسعار الطاقة، وأشباح ركود اقتصادي تحوم في سماوات الاقتصادات الكبرى قبل الصغرى.
ويتوقع بنك جي بي مورجان تشيس أن ينكمش اقتصاد منطقة اليورو بنسبة 2٪ خلال الربع الرابع من العام الجاري، بينما ذكرت مجلة الإيكونوميست ذلك في مقال الأسبوع الماضي بعنوان "الركود قادم".
وبحسب إذاعة "دويتشه فيله" الألمانية تراقب دول جنوب شرق آسيا، والتي تعتبر معظمها الاتحاد الأوروبي شريكها التجاري الأول، تراقب تباطؤ النمو في منطقة اليورو بمزيج من التخوف وترقب الفرص.
وقالت تامارا هندرسون، الخبيرة الاقتصادية في مؤسسة "بلومبرج إيكونوميكس" والمتخصصة في منطقة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، إن الركود الأوروبي سيؤثر بشكل أساسي على صادرات البضائع والسياحة والاستثمار في جنوب شرق آسيا، وأشارت إلى أن "كل هذه الأمور من المرجح أن تكون أضعف في جنوب شرق آسيا في النصف الثاني من عام 2022".
صدرت دول رابطة جنوب شرق آسيا (آسيان) سلعًا تبلغ قيمتها نحو 136 مليار يورو (136.8 مليار دولار) إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2021، مقارنة بـ 120 مليار يورو في العام السابق، وفقًا لبيانات الاتحاد الأوروبي. واستحوذت دول الاتحاد الأوروبي على حوالي 15٪ من إجمالي الاستثمار الداخلي في منطقة آسيان العام الماضي، وفقًا لإحصاءات الآسيان.
ويشير جيمس فيلافويرت، كبير الاقتصاديين في بنك التنمية الآسيوي، إلى أن التأثير سيختلف بشكل كبير حسب البلد، فعلى سبيل المثال اشترى الاتحاد الأوروبي 20% من صادرات كمبوديا العام الماضي بينما اشترى 9٪ فقط من صادرات إندونيسيا، وفقًا لبيانات الاتحاد الأوروبي.
ونقلت "دويتشه فيله" عن محللين أن الركود الأوروبي لن يدفع اقتصادات جنوب شرق آسيا إلى الانهيار، ولكنه بالتأكيد سيؤثر على الصناعات الرئيسية، خاصةً أنها حاليًا في منحنى صاعد للنمو بعد انحسار جائحة كورونا.
وقال ميجيل تشانكو، كبير الاقتصاديين في شركة "بانثيون ماكروإيكونوميكس"، ومقرها المملكة المتحدة: "من المؤكد أن الركود في الاتحاد الأوروبي سيضر بصادرات الآسيان إلى إليه، ولكن هناك فرصة جيدة أن تكون هذه الضربة خفيفة من حيث نمو الصادرات الإجمالي".
علاوة على ذلك، تشهد منطقة جنوب شرق آسيا طفرة في الطلب المحلي مع إعادة فتح اقتصاداتها بالكامل بعد انحسار جائحة كورونا، كما قالت تامارا هندرسون، موضحة أن "هذا يعني أن النمو في معظم جنوب شرق آسيا سيكون على الأرجح أقوى في عام 2022 مقارنة بالعام الماضي".
وأضافت هندرسون "لقد عملت دول جنوب شرق آسيا ولا تزال لتطوير قاعدة تصدير أكثر تنوعًا. كما تجري المنطقة، ببطء ولكن بثبات، إصلاحات للسماح بتكامل اقتصادي أوثق داخل الآسيان للمساعدة في الحماية من الصدمات الخارجية".
من ناحية أخرى، قال تشانكو إن بعض دول جنوب شرق آسيا يمكن أن تستفيد حتى من الصعوبات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي، فبجانب كونها أكبر مصدّر لزيت النخيل في العالم، من المتوقع أن يرتفع الطلب على صادرات الطاقة الإندونيسية إن استمرت الحرب بين روسيا وأوكرانيا دون تسوية.