وجه رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش أكد فيها أن ما اعتبره استمرارا في إقفال الباب أمام دراسة أية فرصة لعودة اللاجئين السوريين بلبنان إلى بلادهم متماشية مع القانون الدولي، يزيد من تأزم الوضع في لبنان، ويفوت فرصة أن تكون عمليات العودة الآمنة محفزا لتقدم المسار السياسي الهادف إلى حل مستدام يراعي مقتضيات الشرعية الدولية ويصون استقرار وسلامة أراضي سوريا ووحدة شعبها.
وأضاف ميقاتي في رسالته أن لبنان يدعو دون إبطاء إلى البدء بتنفيذ الآليات الدولية الواردة في النصوص المعتمدة لدى المفوضية العليا للاجئين ومجلسها التنفيذي حول عودة اللاجئين، موضحا أن تلك النصوص تفرض في نصها وروحها أخذ الوضع في البلد الأصلي بالاعتبار، وكذلك الوضع في بلد اللجوء، في نظر إقرار العودة.
وأوضح أن النصوص المعمول بها تفرض على المجتمع الدولي دعم تلك المسارات ومساعدة العائدين على إعادة الاندماج في مجتمعهم الأصلي، قبل أن يصبح النزوح المتمادي في الزمن سببا لتمزيق النسيج الاجتماعي للبلد الأصلي، بشكل تصعب معالجته مع مرور كل يوم على الوضع الحالي.
وأشار إلى أن لبنان يطلب بالسرعة المرجوة مساعدة الجهات المعنية في إجراء عملية مسح (profiling) تراعي المعايير الدولية، وتسمح بتحديد الإطار القانوني الصالح للتطبيق، سواء كان القانون الدولي أو القوانين الداخلية التي ترعى إقامة الأجانب وعملهم، موضحا أنه في سياق التعاون الودي مع المفوضية العليا للاجئين، سوف يثير لبنان النقاط الواردة بالخطاب انطلاقا مما تنص عليه الأنظمة الدولية عن المسؤولية الأساسية لسلطات الدولة المضيفة عن أزمة اللجوء، ودور المفوضية المساعد لها وفق الولاية الممنوحة لها، إضافة لما تفرضه الأنظمة المرعية بالنسبة للعمل بشكل حثيث على التخطيط وعلى تحقيق العودة، منذ اللحظات الأولى لأي أزمة لجوء.
ودعا ميقاتي، الأمين العام للأمم المتحدة لإطلاق مسار وحوار نوعي للتعامل مع القضايا الواردة في الرسالة ضمن خارطة طريق واضحة لمعالجة أزمة النزوح السوري، مشددا على أنه لم يعد من المناسب الاستمرار بالنهج الاعتيادي الذي لا يتناسب مع فداحة الكلفة على لبنان الذي يعاني تحت أعباء تجعله قاصرا عن تلبية متطلبات شعبه، موضحا أن الوضع لا يتناسب أيضا مع مصلحة السوريين والاستقرار الإقليمي والدولي.
واستطرد ميقاتي في رسالته قائلا: "بعد مرور أحد عشر عاما على بدء الحرب السورية وأزمة النزوح السوري إلى دول الجوار، يبقى لبنان الصغير بمساحته (10452 كيلومتر مربع) والكثيف بعدد سكانه الـ6 ملايين (نسبتهم 650 نسمة في الكيلومتر المربع)، مستضيفا لأعلى نسبة من النازحين في العالم بالنسبة لعدد سكانه، حيث احتضن لبنان النازحين وأبدى كل تعاون مع المجتمع الدولي لمساعدتهم بانتظار انتهاء محنتهم وإيجاد حل مستدام للأزمة السورية، شرط ألا يكون بأي شكل من الأشكال على حساب لبنان الذي يمنع دستوره بشكل قاطع أي إمكانية للتوطين أو الدمج على أراضيه".
وشدد على أن لبنان يعاني منذ ثلاث سنوات واحدة من أشد وأقسى الأزمات الاقتصادية والمالية منذ منتصف القرن التاسع عشر، بحسب تقييم البنك الدولي، معتبرا أن لبنان يعمل لمعالجة الأزمة والسيطرة على تداعياتها التي وضعت أكثر من 80% من اللبنانيين تحت خط الفقر، ومؤكدا أن تداعيات أزمة النزوح السوري، وكلفتها على الاقتصاد اللبناني تقدر بأكثر من ثلاثة مليار دولار سنويا، وتجعل سرعة معالجة الأزمة الاقتصادية أمرا بالغ الصعوبة.
وقال ميقاتي: "لقد بدأت الفئات الأكثر ضعفا" من المواطنين اللبنانيين تتنافس على الخدمات والموارد المحدودة مع النازحين السوريين الذين يضاف إليهم اللاجئون الفلسطينيون، بحيث يشكلون معا نصف عدد اللبنانيين أو ما يقارب المليوني نسمة".
واعتبر أن عبء النزوح يؤثر كذلك على الأمن المجتمعي، مما يثير الخوف من نشوء توترات وردات فعل خطيرة تنعكس سلباً على أمن النازحين أنفسهم وعلى استقرار المجتمعات المضيفة، ومن المؤشرات السلبية على المنحى الخطير الذي يتسبب به النزوح السوري، اهتزاز التركيبة الديمغرافية الحساسة حيث تجاوز عدد الولادات السورية الولادات اللبنانية وارتفاع نسبة الجريمة واكتظاظ السجون، بما يفوق قدرات السلطات اللبنانية على التحمل، كذلك أدى التنافس على فرص العمل المحدودة إلى زيادة التوترات والحوادث الأمنية، ناهيك عن تزايد ظاهرة زوارق الهجرة غير الشرعية باتجاه أوروبا، بالرغم من تشدد السلطات اللبنانية في محاولة منع تلك الظاهرة، وتأمين الحماية لأكثر من ستة آلاف مخيم غير شرعي للنازحين.
وأشار إلى أنه لا يمكن الطلب من لبنان أن يستمر بانتظار حلول سياسية لم تظهر مؤشراتها حتى الآن مع ما اعتبره ميقاتي في رسالته غياب كامل لدى المجتمع الدولي لأي خارطة طريق واقعية لحل أزمة النازحين السوريين وإعادتهم الى بلدهم أو إرسالهم إلى بلد ثالث.
وجدد التأكيد على تمسك لبنان بالقواعد الملزمة للقانون الدولي الإنساني، خصوصا مبدأ عدم الإعادة القسرية، مشيرا إلى حرص لبنان على التعاون من منطلق حسن النية مع الأطراف الدولية، وفق مقتضيات القانون الدولي والضرورات التي تفرضها مصلحته العليا ومصلحة شعبه.