قال رؤساء شركات إن إيطاليا لا تستطيع تحمل أسابيع من الجمود السياسي بعد انتخابات الشهر الجاري، مضيفين أن أسعار الطاقة المرتفعة للغاية تجبر بالفعل المزيد والمزيد من الشركات على تقليص الإنتاج.
وانتقد أصحاب الأعمال، الذين تجمعوا على ضفاف بحيرة كومو في منتدى أمبروسيتي السنوي في نهاية هذا الأسبوع، السياسيين للإطاحة برئيس الوزراء ماريو دراجي في خضم أزمة طاقة في أوروبا.
وقال أرماندو دي نيجريس، رئيس شركة صناعة الخل البلسمية التي تحمل الاسم نفسه: “قبل أن يتخذ وزراء الحكومة الجديدة موقفهم، سيكون عيد الميلاد، لكننا نواجه مشاكل تحتاج إلى معالجة في أيام وليس أسابيع”.
وأدت أسعار الغاز القياسية إلى مضاعفة تكلفة تكثيف العنب الذي يدخل في 35 مليون زجاجة من الخل البلسمي De Nigris الذي ينتج كل عام.
وأوضح: “نخاطر بإنتاج شيء لن نتمكن من بيعه في غضون ستة أشهر لأننا لا نستطيع تمرير الزيادات في الأسعار”.
كتلة يمين الوسط في طريقها لتحقيق نصر واضح في انتخابات 25 سبتمبر، لكن تشكيل الحكومة عملية بطيئة بشكل ملحوظ في إيطاليا.
وحذر اللوبي الصناعي Confindustria الأسبوع الماضي من أن إيطاليا تواجه “زلزالا اقتصاديا” بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، ودعا إلى دعم الإدارة المؤقتة بقيادة دراجي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي.
وخصصت إيطاليا بالفعل أكثر من 50 مليار يورو هذا العام لمحاولة التخفيف من تأثير ارتفاع تكاليف الطاقة على الشركات والأسر، ومن المتوقع تقديم المزيد من المساعدة الأسبوع الجاري.
ويخشى ريكاردو إيلي، رئيس مجموعة Polo del Gusto للأغذية التي تمتلك ماركة الشاي الفرنسية Damman Freres وعلامة الشوكولاتة Domori، أن تفوت إيطاليا بعض أموال الاتحاد الأوروبي الموعودة للتعافي بعد كوفيد 19.
وقال دراجي الذي كان من الممكن أن يستمر حتى نهاية ولايته: “أيا كان من يأتي بعده فسوف يخسرنا مليارات اليورو”.
وتسعى إيطاليا للحصول على حوالي 200 مليار يورو، لكن الأموال مشروطة بتنفيذها سلسلة من الإصلاحات.
والاعتماد على الغاز الروسي وقطاع التصنيع الكبير الذي يتكون في الغالب من الشركات الصغيرة يجعل الاقتصاد الإيطالي معرضًا بشكل خاص لأزمة الطاقة.
ومنذ اندلاع الصراع في أوكرانيا في فبراير، اضطرت العديد من الشركات في القطاعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل الصلب والزجاج والسيراميك والورق إلى تقليص الإنتاج لأن تكاليف الإنتاج كانت مرتفعة للغاية.
وقال رومانو بيزوتي، الذي يدير شركة فيرسوفيري لإعادة تدوير المعادن بالقرب من مدينة بيرغامو الشمالية: “عندما يشرع وزير (الاقتصاد) التالي في حل مشاكلنا - ولا يسعنا إلا أن نأمل أن يكون أفضل الوزراء - فقد يكون الأوان قد فات”.
وأضاف: “بعد ارتكاب الخطأ الكبير المتمثل في الإطاحة بالحكومة خلال أسوأ أزمة في القرن الماضي، سيحتاج السياسيون إلى العودة مرة أخرى إلى شخص قادر على حل مشاكل البلاد”.
أزمة الطاقة الأطول
وقال ماتيو تيرابوشي، الرئيس التنفيذي لشركة Brembo (BRBI.MI)، وهي شركة أكبر مدرجة في سوق الأسهم في ميلانو: “نعلم جميعًا ما يجب القيام به”.
وأضاف: “فاتورة الطاقة في إيطاليا تضاعفت عمليا”.
وعن أزمة الطاقة الاسوأ في أوروبا واستمرارها، أشار الباحث الأمريكي في شئون البيئة جريجوري برو إلى أن أزمة الطاقة، التي تمر بها قارة أوروبا في الوقت الراهن، أدت إلى ارتفاع الأسعار وزيادة تكلفة المعيشة على نحو غير مسبوق، مما تسبب في أسوأ موجة تضخم تمر بها العديد من الدول الأوروبية منذ ما يقرب من نصف قرن.
وأضاف الباحث، في مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، أن قارة أوروبا ينتظرها شتاء قارس وقاس بسبب أزمة الطاقة الطاحنة التي تواجهها حالياً بعد تقليص روسيا من وارداتها من الغاز للدول الأوروبية كرد فعل على العقوبات الغربية المفروضة على موسكو بسبب حرب أوكرانيا.
ويرى الكاتب أن أوروبا حالياً تمر بذروة أزمة الطاقة، ولا سيما في ظل المخاوف المتزايدة من قطع روسيا بالكامل لوارداتها من الغاز للدول الأوروبية.
ويقول الكاتب إن تلك الأزمة ألقت بظلالها الكثيفة على كثير من القطاعات في أوروبا، حيث تسببت في ارتفاع أسعار جميع السلع بما فيها أسعار الطاقة، ما ينذر بنقص حاد في مواد الطاقة في الدول الأوروبية وشتاء قارس البرودة.
ويوضح الكاتب أن العديد من السلع قد تأثرت بشكل ملحوظ بتلك الأزمة وعلى رأسها الأسمدة، حيث تحتاج تلك الصناعة إلى كميات وفيرة من الغاز الطبيعي.
ويرى الكاتب أن أزمة المناخ التي يمر بها العالم في الوقت الراهن فاقمت من تأثير الأزمة على الدول الأوروبية، حيث أدت موجة الجفاف التي تضرب العديد من المناطق في العالم بما فيها أوروبا إلى جفاف عدة أنهار، مما أدي بدوره إلى التأثير على الطاقة المولدة من مياه الأنهار.
ويضيف الكاتب أن ارتفاع أسعار الوقود أدى إلى زيادة رهيبة في معدلات التضخم في جميع أرجاء أوروبا وأصبحت اقتصادات أوروبية قوية مثل بريطانيا وألمانيا تعاني من أسوأ موجة تضخم تمر بها منذ ما يربو على نصف قرن.
ويوضح الكاتب أن أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أصبحت تعتمد في الوفاء باحتياجاتها من الوقود على المواد المستوردة من الطاقة، وأصبحت في نفس الوقت تعتمد على النفط المستورد لتلبية ما يقرب من 60 بالمائة من احتياجاتها من الطاقة.
ويعرب الكاتب عن اعتقاده أن أوروبا، في ظل التحديات الضخمة التي تواجهها، ليس أمامها من سبيل للتخفيف من الأزمة الحالية في الطاقة إلا ترشيد استهلاكها من الطاقة إلى جانب الاعتماد على مصادر بديلة للطاقة.
وأوضح الكاتب أن بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا بدأت بالفعل في الاعتماد على الطاقة النووية في محاولة لتنويع مصادر الحصول على الوقود.