الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كورونا لم تنتهِ.. أزمة الطيارين تضرب النقل الجوي العالمي| ماذا عن مصر؟

أزمة الطيارين - صورة
أزمة الطيارين - صورة أرشيفية

يبدو أن تداعيات الأزمة الوبائية المنكوبة، لن تتخلص صناعة النقل الجوي العالمي من توابعها بسهولة؛ أزمة تجر وراءها أزمة جديدة كما لو أنه عقد انفرطت حباته بالتتابع. 

بالأمس تخلصت الصناعة من القيد المشروط نحو التحريرِ المأمول بتعويض الخسائر، لتصطدم بقوتها في جدار محاط بالأزمات؛ تارة نقص العمالة بالمطارات؛ وأخرى عجزِ في الطواقم الجوية.

أزمة الأمس من نقص عمالة المطارات لم تُحل بعد، لتلحقها اليوم أزمة العجز في الطيارين، المتوقع لها أن تصل بحلول العام الجديد 2023 إلى 3 آلاف طيار بمنطقة الشرق الأوسط وحدها وعلى مستوى مختلف مناطق العالم إلى 80 ألف طيار خلال العشر السنوات القادمة بحلول 2032، حسب التقديرات العالمية.

أزمة الطيارين

أزمة الطيارين التي تعيشها صناعة النقل الجوي العالمي بشكل عام ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، سببها الأساسي تجاوز الطلب على الأعداد المتوفرة حاليًا من الطيارين في معظم بلدان العالم، خاصة بعد الارتفاع الحاد في مستوى الطلب على الرحلات الجوية خلال الأونة الأخيرة، إضافة إلى هذا النمو الذي تشهده سوق الطيران بظهور ناقلات جوية جديدة تأمل في اللحاق بقطار التعافي، فضلا عن مشاريع التطوير الضخمة التي ستشهدها المنطقة في قطاع السياحة.

التقارير العالمية توقعت أن يتجاوز الطلب على الطيارين الأعدادَ المتوفرة حالياً في معظم المناطق على مستوى العالم بين عامي 2022 و2024، وسط توقعات بأن يكون أول ظهور لتداعيات هذا النقص في منطقة الشرق الأوسط مع نهاية العام الجاري، للأسباب سالفة الذكر، ويضاف عليها عمليات تسريح الموظفين التي تمت خلال جائحة كوفيد-19، بالإضافة إلى انخفاض أعداد الطيارين الجدد المعتمدين وازدياد أعداد المتقاعدين.

بدورها، رأت التقارير العالمية أنه يتعين على شركات الطيران، في حال استمرار نمو الطلب على الرحلات الجوية، تعزيز جهودها لسد الفجوات عبر توظيف طيارين من مناطق أخرى ليس لديها نقص حاد متوقع في عدد الطيارين، ولا سيما في أمريكا اللاتينية ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ، باعتبار أن عجز الشركات عن استقدام طيارين جدد، سوف يؤدي إلى حدوث فوضى في الرحلات الجوية، وتغييرات في البرامج الزمنية سواء المغادرة من المنطقة أوالقادمة إليها، وهو ما يحدث الآن على أرض الواقع بالفعل في بعض المطارات الأمريكية والأوروبية أيضًا.

في ألمانيا، تسبب إضراب آلاف الطيارين خلال اليومين الماضيين لمطالب مالية، في إلغاء نحو 800 رحلة جوية تابعة لخطوط لوفتهانزا حول العالم، مما كان له أثر بالغ على نحو أكثر من 130 ألف مسافر.

وفي أمريكا؛ نظمت نقابة الطيارين الأمريكية - ALPA - اعتصامًا على مستوى البلاد، بقيادة طيارين من خطوط دلتا الجوية، بسبب صعوبات في التفاوض مع الإدارة، حول نظام العمل والتعاقد، الأمر الذي تسبب أيضًا في التأثير على الحركة الجوية داخل 13 مطارًا أمريكيا في عموم البلاد.

أزمة الطيارين - خطوط دلتا الجوية

لورا وودز، كابتن اعتصام دلتا ALPA MEC في سياتل، صرحت لـ موقع Simple Flying المتخصص في الطيران، بأن الطيارين يعملون في جداول تشغيل مرهقة نتيجة لزيادة الحركة الجوية وعجز في أعداد الطواقم، وأصبح يصعب على الكثيرين من الكابتن أن يحظى بوقتِ كافِ مع عائلته، دون أن تراعي الشركات هذه المتغيرات في العقود الجديدة.

هكذا هو الوضع في الخارج، ماذا عن الداخل المصري؟ إذ أردت أن أصف إليك الوضع بشكل مختصر، سأقول إن السوق المصرية للطيارين تشهد حربًا طاحنة تدور رحاها في صمت بين أروقة الشركات، الكل يتنافس ليحظى بطيارِ كفء معتمد يضمه إلى ناقله الجوي، حالة التعطش التي خلفتها الجائحة الوبائية دفعت بعض الشركات إلى رفع السعر! نعم سوق الطيارين في مصر تشهد اليوم غلاءً ملحوظًا في الأسعار على مستوى بعض الشركات الخاصة؛ حتى أن البعض رفع سعر الطيار من 8 آلاف دولار إلى 12 ألف دولار شهريا؛ فالكل يتسابق وفقًا لقدرته.

ليس فقط حالة التعطش والتسريح الذي حدث في شركات الطيران الخاص في مصر، هي السبب الوحيد الذي أصاب قلب الناقلات الجوية النابض "الطواقم الجوية" وأحدث عجزاً في الطيارين، ولكنه التعافي السريع وغير المتوقع، الذي تشهده المنطقة بصفة عامة ومصر بصفة خاصة أدى إلى عدم قدرة الشركات على سد العجز وتلبية الزيادة في طلب الرحلات، هذا بالإضافة إلى أن بعض شركات الطيران في مصر ضمت طائرات جديدة لأسطولها الجوي واستهدفت خطوط تشغيل إضافية تعتزم تشغيل رحلات إليها لتحقيق أكبر قدر من المكاسب حتى تستطيع تجاوز الأزمة، بالإضافة إلى أن السوق المصرية شهدت خلال الأونة الأخيرة خروج كيانات جوية جديدة بدأت تشق طريقها نحو الأجواء وهي تجاري مناخ التعافي.

تجمُع كل هذه الظروف، كان سببًا كافيًا لإحداث أزمة، خاصة أن بعض الكيانات الجوية الوطنية الخاصة، تخلت عن عدد من طواقهما في أوان ذروة الجائحة الوبائية، حتى وإن حاولت استمالتهم من جديد بعد التعافي وجدت صعوبة، وسط زخم هذه المنافسة، خاصة أن السوق تعاني من عجز في الكابتن الطيارين، وفائض بل وبطالة بين الخريجين الجدد، أولئك الذي عجزوا عن استكمال ساعات الطيران المطلوبة لاعتمادهم بإحدى الناقلات الجوية، نتيجة كلفتها المالية الباهظة التي أصبحت تقع على عاتقهم وحدهم دون دعم من الشركات التي باتت تجاهد من أجل البقاء، وهؤلاء عددهمُ يتجاوز ألف طيار؛ وكل منهم يحتاج إلى آلاف الدولارات حتى يستطيع أن يضيف لرصيد ساعات الطيران المطلوبة للاعتماد.

أزمة الطيارين 

إذا تساءلت: “لماذا لا تلجأ شركات الطيران التي تعاني عجزا لحل سريع باستقطاب طيارين من الخارج أسوة بمعظم الناقلات الجوية حول العالم؟”، ستكون الإجابة أن سوق الطيران في مصر والعمل بالناقلات الجوية الوطنية - الحكومي أو الخاص - تحكمه قوانين منظمة للعمل، تسمح فقط بتعيين نسبة 10% من موظفي الشركة من الأجانب والـ90% للعمالة الوطنية بهدف تفضيلها بحجز فرص أكبر لها، خاصة أننا دولة تمتلك من الكوادر البشرية ما يكفي ويفيض للتصدير لدول العالم.

وإذا تحدثنا عن وضع ناقلات الطيران الوطني في مصر - الحكومي أو الخاص - في الفترة الحالية التي أعقبت أزمة الجائحة الوبائية، نجد أن الناقل الوطني الحكومي وشركاته التابعة، قد نجا من الأزمة بفضل دعم الدولة، بينما نجا من الوطني “القطاع الخاص” نحو 10 شركات فقط من أصل 14 شركة كانت تنازع في أوان ذروة الجائحة؛ نجت وكانت نجاتها نجاة المهزوم الذي هرب من شدة احتدام المعركة، بالكاد استطاع أن يفر بجسده سليمًا بعد أن تخلى عن معدات الحرب، لتعود الحركة الآن ويجد نفسه مجردًا يبحث عن دروع جديدة من أجل المقاومة.

بالعودة للطيارين الجدد المتواجدين بوفرة داخل السوق المصرية ويصل عددهم قرابة إلى 1500 طيار، الغالبية العظمى منهم أوقفتهم الكلفة المالية الباهظة لإضافة ساعات طيران لرصيده اللازم للاعتماد، فالطيار بداية من الدراسة في المعهد التي تكلفه قرابة 50 ألف دولار، يحتاج فوقها نحو 70 ألف دولار لخوض مرحلة السيموليتر، وما بعده من ساعات تدريب تؤهله للاعتماد بإحدى شركات الطيران؛ إذًا فالإجمالي يقدر بنحو 120 ألف دولار! هذا إن كان سيلتحق بالعمل في إحدى شركات الطيران الخاص.

الوضع الحكومي لا يختلف حال طياريه الجدد كثيرًا عن القطاع الخاص، ولكن بشكل مختلف وإن رفع عن كاهلهم العبء المادي الذي تكفله الشركة الوطنية في بداياته، إلا أن الدفعة الأخيرة التي تم تعيينها، قبل الجائحة الوبائية بشهور قليلة، في عهد الوزير الأسبق؛ حتى اللحظة لم يبدأ البعض منهم العمل بعد، فأزمة الجائحة الوبائية، تسببت في تعطل أعمال التدريب الخاصة بهم على أجهزة السيموليتر، فضلا عن بعض المشكلات الفنية لبعض الطرازات المحدد لهؤلاء الطيارين أن يعملوا عليها، عطلتها أيضًا الجائحة الوبائية ونظام التشغيل.