الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الاقتصاد المصري الواعد

نهال علام
نهال علام

الكذب عند البعض عادة، والتشكيك لدى الكثيرين عبادة والبعد عن الموضوعية وطرح الافتراءات أصبح بزيادة، وتلك الآفات الأخلاقية ما هى إلا أوبئة اجتماعية، مرجعيتها فيروسات سيريالية للعبث في الثوابت الوطنية، وحدثني عن الهوية.. سأخبرك أنها عند بعضهم شبه الملوخية التى تقدم دون طشة التقلية، وإن كانت تلك الفئة أقلية إلا إنها صداع في رأس الوطن لا يعبر عن أي أمر ذي أهمية، إلا جهل عميق وأعراض الأمية المرتبطة بمصادر تعليم جماعات إرهابية تتمنى لو يسقط الوطن سقوطاً مدوياً.

تتحدث إليهم سياسياً يردون الإجابة دينياً، تخاطبهم اقتصادياً يبادلونك سجالاً سوقياً، تنبههم على ما يحدث عسكرياً يناقشونك مجتمعياً، تخاطبهم بالحسنى دينياً يجادلونك بالسوء دنيوياً، تعدد لهم النعم الأمنية يتباكون على مصر التى كان حكمها لهم يوماً أمنية!
توثق ما تقول بالأرقام يولولون بأن قولك مجرد أدران، يكذبون كما يتنفسون وعلى الله يتخابثون والسم في العسل يبثون كلما فحت عبارتهم على مواقع التواصل الاجتماعية وفي المحافل الإنسانية.

فهل تكذب الأرقام أم هى واضحة كالأجرام! والادعاءات الباطلة نوع من الإجرام! فالتقارير الاقتصادية المصرية التى حظت بالإشادات الدولية ولكنها في مرمى الإشاعات الدونية، فهل تكذب الأرقام! وهل مصر معشوقة لدى تلك الجهات لتدلس الحقائق وتطلق الأسقام! 
أنى لكم هذا الخيال وكيف يمكن الموافقة على ذلك الاستهبال فنحن أمام مؤسسات لا تهاون بها ولا استسهال!

بِناءً على تقارير البنك الدولى مصر رابع أعلى نمو في العالم، تحتل المرتبة الثانية والثلاثين عالمياً، والثالثة عربياً وأفريقياً، وهى من الدول القليلة والتى بلغت أربعة عشر دولة راهن عليها البنك الدولى بأنها ستكسر حاجز نمو ٦٪؜ وقد كان، ففى التقرير الاقتصادي الصادر عن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية كانت الأرقام تبشيرية فمعدل نمو الاقتصاد المصرى ٦،٦٪؜، ولكن كيف للمنصات البكائية أن تتقبل تلك النتائج الفرايحية! حي على الديون فتلك فزاعة قد يكون الكلام عنها هدف مضمون، وألحق جملتك بالعجز فذلك المطلوب لتحقيق معدلات مرتفعة من اليأس!

بينما لم يشِر أحدهم إلى تقارير المفوضية الأوروبية الذى وضح تراجع مؤشر الثقة الاقتصادى في منطقة اليورو لأدنى مستوى منذ ١٨ شهر، وليست هناك كلمة عن الجنيه الاسترليني الذي يقترب من تسجيل أدنى مستوى له منذ ٣٧ عام، كما شهدت الأسهم الأوروبية تدهوراً حاداً بلغ ذروته في شهر أغسطس.

لذا لنناقش الجرح ونفتح القرح لنرى ما أسباب تلك الولولة وهذه الهرولة نحو كنز الاكتشاف السحري وهو ديون مصر وكأنها أمر سرى! غاب أمرها عن مؤسسات التصنيف الدولية وأثناء المراجعات الدولية، ليصبح العنوان الأشهر مصر تعجز عن سداد ديونها، أو ربما تلك التسمية الأكثر منطقية الدين الخارجى يبلغ ثلث الناتج المحلى، أما عن هذا العرض الذى لامس الأرض فوائد الدين وعجز الميزانية، يا عجائب السماء وكأن مصر أول دولة لها مديونية!

لذا لنناقش الأرقام بالعقل وعلى المغرضين التزام صفحاتهم ولن أطالبهم بإعمال الصمت فذلك ما يقتاتون على فتاته، ديون مصر  غالبيتها العظمى بما يقارب ٩٠٪؜ هى ديون طويلة أو متوسطة الأجل ومصر إلى اليوم لم تتخلف عن سداد آي قسط، كما قامت بتسديد ٢٤ مليار دولار في هذا العام ذو التداعيات الحربية، تحتل مصر المرتبة ٥٨ عالمياً في الديون الخارجية، فنسبة الدين الخارجى للناتج المحلى تعادل ٣٤٪؜ وهى نسبة دون العادية، فأمريكا تتجاوز فيها تلك النسبة ١٠٠٪؜ وبريطانيا تصل إلى ٣٤٥٪؜، وتصل تركيا إلى ٥٥٪؜ والإمارات ٥٨٪؜، أما إسرائيل وروسيا تبلغ النسبة ٣٣٪؜ و٣٢٪؜ تباعاً.

وعلى صعيد الديون الداخلية تحتل مصر المرتبة ٣٢عالمياً، تبلغ نسبة الدين ٨٤٪؜ وهي كالسابقة يتم حسابها بنسبة الدين إلى الناتج القومى، حيث سنجد ديون اليابان ٢٣٦٪؜ وكل دول مجموعة G7 تسبق مصر في معدلاتها عدا ألمانيا حيث يبلغ الدين الداخلى ٥٩٪؜ وإسرائيل ٦٠٪؜.

وبالحديث عن عجز الموازنة لنحلل الأرقام ربما يشعر بالحرج مرددى الكلام، زادت نسبة الإنفاق 
حوالى ٨٠٠ مليار جنيه، وأيضاً ارتفعت الإيرادات بما يتجاوز ٢٥٠ مليار جنيه، وذلك الفرق يسبب عجز في الموازنة ٦.١٪؜، فهل ذلك وضع كارثي! لنستطلع العالم لنعرف أين نحن منه أولاً، بريطانيا بلغ عجز الموازنة ١٦٪؜ وأمريكا ١٩٪؜ والصين ١٢٪؜ وكندا ٢٠٪؜ بينما دولة الكويت ذات التعداد السكاني البسيط الذي لم يتجاوز ٤،٧ مليون نسمة بها عجز  في الموازنة ٨.٥٪؜.

وفي خضم تلك الأرقام يجب ألا ننسى فاتورة الحرب التى تدفعها مصر، وهى تبلغ ما يقارب من النصف تريليون جنيه وذلك متمثلاً في زيادة شبكة الحماية المجتمعية ومنذ عدة أيام الحقتها بأخرى استثنائية، وأيضاً تأثيرات الحرب على السلع وزيادة أسعار الصرف مما أثقل الموازنة بمليارات فجائية، لن تسد فجوتها زيادة العائدات البترولية ولا تحويلات المصريين العاملين في الخارج، ولا تعظيم التصدير في تلك المرحلة، ولكن كلها خطوات سنجنى ثمارها المباشرة في المراحل اللاحقة.

٧.٢٪؜ معدلات البطالة وهى ثابتة لم تتغير عن العام المالى السابق وذلك لا يعنى ثبات سوق العمل بقدر ما يعنى اتساع قاعدة الملتحقين به، لأن إذا كانت الزيادة السكانية بأرقام مليونية تجاوز ٢مليون و١٦٥ألف وبخصم عدد الوفيات الذى يتراوح بين ٥٠٠:٥٥٠ ألف إذا فنحن أمام زيادة سكانية تجاوز المليون ونصف سنوياً، وذلك يعنى أن ما يتجاوز المليون شخص سنوياً ينضم لسوق العمل بحد أدنى، إذاً فثبات معدل البطالة يترجم إلى قدرة الاقتصاد بالحفاظ على موارده البشرية واستيعاب الأعداد الجديدة.

مصر دولة ذات اقتصاد ناشئ، تعرضت لمطارق الكورونا والحرب الروسية الأوكرانية ولكنها صامدة بل ومتقدمة، كل ما يحدث على أرضها هو مدعاة للفخر، نعم.. الأسعار مرتفعة والدخول قد لا تكون كافية بسبب المتغيرات الدخيلة على العالم والتى لم تترك لنا حيلة إلا بحسن المواجهة، فمصر الدولة الوحيدة التى تدخلت لضبط الأسواق وتوفير السلع وتقديم الدعم حتى لا تترك الناس في مرمى نيران تداعيات الحرب، بريطانيا على سبيل المثال ستقوم بزيادة فواتير الطاقة من مطلع أكتوبر القادم بمقدار ٨٠٪؜، ومقاطعة حيدرى في اليونان بها ٢٠٠ منزل بلا كهرباء و١٢٠٠ شخص بلا طعام!

اقتصاد مصر واعد ولا جدال أنه في اتجاه صاعِد، ولولا رؤية القيادة السياسية السباقة في مشروعات الاستصلاح الزراعى وتوفير القمح الذي تضرر بشدة هو والعديد من السلع الزراعية بسبب تأثر سلاسل الإمداد الغذائية لكان الأمر جللا، وهاهى الهند المسؤولة عن انتاج٤٠٪؜ من الأرز في العالم تقرر تخفيض تلك النسبة، مما سيتسبب في زيادات غير متوقعة لتلك السلعة الحيوية في الأسواق العالمية، وفي ذات الوقت مصر تحقق اكتفاء ذاتياً بل وفائض تموينياً للمرة الأولى في تاريخها.

ظلال المشهد العالمية من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والتغيرات المُناخية كئيبة وثقيلة، ولمحات النور تأتى من كيفية التعامل مع تلك التحديات الرهيبة، وسيذكر التاريخ أن مصر عبرت من تلك الأزمة المهيبة بمعدلات نجاح سباقة وعجيبة.

ولا شك أن الشتاء القادم أصعب تحدٍ على العالم أن يواجهه، بين نقص الوقود وارتفاع الأسعار والسيول والأمطار والثلوج الغير متوقعة، تحدى كُتب على الإنسانية أن تعبره، وفي ظنى أن تلك هي قمة تصاعد منحنى المأساة وبوصول الربيع ستتبدل الأحوال، فليكن الله مع البشرية وتحية للدولة المصرية، التى تسعى بإرادة حديدية لتخفيف العبء اليومى عن المواطن والاستمرار في صناعة الغد دون تباطؤ في ظل ظروف اقتصادية تدار بحسابات سياسية عسكرية مناخية عالمية.