يواصل الدولار الأمريكي ارتفاعه مقابل العملات الأخرى للشهر الثالث على التوالي، كاشفًا عن توقعات متباينة بشأن أسعار الفائدة ومعدلات النمو في الاقتصاد الأمريكي الأضخم في العالم.
وبحسب صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، ارتفع مؤشر الدولار، الذي يقيس قيمة الدولار الأمريكي مقابل سلة من عملات أخرى، بنسبة 14% منذ مطلع العام الحالي، وسط توقعات باستمرار الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) في رفع أسعار الفائدة لكبح التضخم، وفق ما أعلنه رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول الجمعة الماضية.
ويعكس ارتفاع قيمة الدولار أمام العملات الأخرى مخاوف من أن ارتفاع أسعار الطاقة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية سيؤدي إلى مزيد من الارتفاع في معدلات التضخم ويدفع باقتصادات العالم نحو الركود.
وقال كريستيان كوبف، المسؤول بشركة الاستثمارات المالية "يونيون انفستمنت" إن "كل شيء ينبئ باتجاه الدولار إلى الارتفاع، فالدولار مستقل عن واردات الطاقة ولم يتأثر كثيرًا بارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا".
عملات العالم تنحني أمام الدولار
وارتفع الدولار في أغسطس الجاري للشهر الثالث على التوالي، فيما تراجع أمامه الجنيه الإسترليني واليورو بنسبة %7.4 و6.6% بالترتيب خلال نفس الفترة، كما انخفض الين الياباني والفرنك السويسري بنسبة 7.1% و1.5% خلال الأشهر الثلاثة الماضية كذلك.
وأجبرت قرارات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي رفع أسعار الفائدة مرات متتالية على مدار عدة أشهر، وإعلان رئيسه جيروم باول الاستمرار في هذه السياسة، أجبرا البنوك المركزية في أنحاء العالم على تطبيق سياسات انكماشية، تتمثل بشكل أساسي في رفع أسعار الفائدة على الإيداع والقروض معًا، في محاولة لمنع هروب احتياطياتها من الدولار الأمريكي، إذ تغري العوائد المرتفعة لسندات الحكومة الأمريكية المستثمرين ببيع الديون المقومة بعملات أخرى وشراء السندات الدولارية عالية الفائدة.
وبلغ سعر الفائدة على سندات الخزانة الأمريكية لمدة عامين أمس الثلاثاء 3.497% في أعلى مستوى له منذ عام 2007.
وتؤثر أسعار الفائدة المرتفعة لسندات الخزانة الأمريكية وما يصاحبها من ارتفاع لقيمة الدولار بشكل سلبي على الاقتصادات الناشئة، بسبب تدافع المستثمرين في أنحاء العالم على شراء الدولار، وكذلك لأن معظم ديون الاقتصادات الناشئة مقومة بالدولار، ومن ثم فإن ارتفاع قيمة الدولار يعني زيادة أعباء خدمة هذه الديون، ما يدفع المستثمرين إلى توقع موجة من التخلف عن السداد.
الاحتياطي الفيدرالي يسن الدولار لكبح التضخم
وسجلت أسعار الطاقة في أوروبا ارتفاعات قياسية في خضم بحث القارة عن إمدادات ضخمة من الغاز الطبيعي بديلة لإمدادات الغاز الواردة من روسيا، والتي تخطط دول القارة لقطعها أو تقليصها في إطار العقوبات على موسكو بسبب الحرب على أوكرانيا، ويستعد الاتحاد الأوروبي لإعلان خطة طوارئ لمواجهة ارتفاع أسعار الطاقة الذي يضغط بشدة على القطاع الصناعي والأسر على السواء.
وقالت جين فولي، المسؤولة بمصرف "رابوبنك" الهولندي "لا يبدو أن العملات الأخرى قادرة على خوض معركة قوية أمام الدولار ملك العملات، لأنه إن بعت الدولار فماذا ستشتري؟".
ولا يبدو كذلك أن ضغط الدولار على العملات الأخرى سيخف قريبًا، إذ بلغ معدل التضخم السنوي في الولايات المتحدة في يوليو الماضي 8.5%، في وقت يجاهد فيه الاحتياطي الفيدرالي للسيطرة عليه وإعادته إلى المعدل المقبول عند 2%.
وجاء إعلان رئيس الاحتياطي الفيدرالي الجمعة الماضية التزامه غير المشروط بالسيطرة على التضخم بمثابة رسالة واضحة لاقتصادات العالم بان البنك المركزي الأقوى على الإطلاق لا يعتزم تخفيف سياساته النقدية الانكماشية في المدى المنظور.